تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قول الله تعالى : (( وما كان له عليهم م... - ابن عثيمين وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ  تسليط  وما كان له  الضمير يعود على إبليس  عليهم  أي على القوم الذين أغواهم  من سلطان   من  زائدة لفظاً لا م...
العالم
طريقة البحث
تفسير قول الله تعالى : (( وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ))
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ تسليط وما كان له الضمير يعود على إبليس عليهم أي على القوم الذين أغواهم من سلطان من زائدة لفظاً لا معنى و سلطان اسم كان مؤخر أي ما كان له سلطان عليهم والمراد بالسلطان هنا التسلط أو التسليط ولهذا قال : تسليط فهي إذاً اسم مصدر وليس المراد بها السلطان الذي هو المعنى ، المعنى ما كان للشيطان عليهم تسليط إلا لنعلم ، وعلى تقدير المؤلف أن سلطان بمعنى تسليط يكون الاستثناء متصلاً أي ما جعلنا للشيطان تسليطاً عليهم إلا لنعلم وإذا جعلنا السطان بمعنى التسلط والقدرة فالاستثناء يكون منقطعاً أي ما كان له عليهم سلطة لكن لنعلم من يتبعه إلى آخره وقوله إِلَّا لِنَعْلَمَ من ؟ اللام هنا للتعليل أو للعاقبة يحتمل أن تكون للتعليل أو للعاقبة وعلى كلا التقديرين فيها إشكال ، الإشكال هو أن ظاهرها تجدد علم الله ومعلوم أن علم الله أزلي أبدي أي قديم مستمر لابد أن يستمر فكيف صح أن تكون اللام هنا للتعليل أو للعاقبة ؟ نعم يقول المؤلف في تفسيرها : " علم ظهور " وذلك لأن تعلق علم الله بالشيء له حالان :
الحال الأولى : قبل وجوده.
والحال الثانية : بعد وجوده فتعلق علم الله به بعد الوجود يسمى علم ظهور أي علمه بعد أن ظهر وبان وعلم الله تعالى قبل وجوده علم تقدير أي أنه قدر أن يكون ، وعلم الله التقدير ثابت بلا شك فإن الله لن يزل ولا يزال عالماً بكل ما يكون ، انتبه إذا قلنا : إن العلم علم تقدير وعلم ظهور زال الإشكال وصار علم الله للشيء بعد وقوعه أنه ظهر ووقع وعلم الله قبل وقوعه علم بأنه سيقع وفرق بين المتعلقين ، وقيل إن المراد بالعلم هنا : العلم الذي يترتب عليه الجزاء وذلك لا يكون إلا بعد الامتحان ، فإن علم الله تعالى بالشيء قبل أن يقع علم لا يترتب عليه لا ثواب ولا عقاب ، لأن المكلف لم يؤمر ولم ينهى فإذا أمر ففعل أو أمر فلم يفعل حينئذ صار مثاباً أو معاقباً كما قال تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31] أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]وعلى هذا الوجه يكون علم الله تعالى علمين :
علم : معناه أن الله تعالى عالم بأن هذا الشيء سيقع ولكن لا يترتب عليه الثواب والعقاب .
وعلم : يترتب عليه الثواب والعقاب وذلك لا يكون إلا بعد امتحان المكلف به وهل يفعل أو لا يفعل يعني هل يمتثل أو لا يمتثل فتبين أن في هذه المسألة التي ظاهرها تجدد علم الله أن عنها جوابين : انتبه.
الجواب الأول : من يعرف الجواب الأول ؟ ما العلم الذي يتبين به الخفي ؟ بأن الأمر لم يزل ولا يزال أمام الله سبحانه واضحاً ظاهراً قال : إلا لنعلم مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ هنا ضمنت نعلم معنى نميز ولهذا قال : ممن هو يعني إلا لنميز من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ، والناس بالنسبة للآخرة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
قسم : آمنوا بها.
وقسم : كفروا بها وأنكروا .
وقسم : في شك وتردد .
الذين آمنوا بها أمرهم واضح ، والذين كفروا بها وقالوا : وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء:49]هذا لا يمكن ، هذا أيضاً أمرهم واضح ، والذين ترددوا قالوا : يمكن أن تكون حقاً ويمكن أن تكون باطلاً ، في أي القسمين يلحقون بالكافر ولا بالمؤمن ؟ بالكافر نعم لأن الواجب أن يؤمن ولهذا قال عز وجل ممن هو منها في شك فكيف ممن هو منها منكراً وجاحداً ومكذباً ؟ فالله عز وجل جعل للشيطان سلطة على بني آدم لأجل أن يمتحن هؤلاء الناس فيعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ، الذي في شك من الآخرة يتبع من ؟ يتبع الشيطان قطعاً لأنه لا يؤمن بأن هناك يوماً آخر يثاب الناس فيه ويعاقبون فهو يري أن لنفسه الحرية المطلقة وهي في الحقيقة حرية من شيء ورق في شيء ، قال ابن القيم رحمه الله : " هربوا من الرق الذي خلقوا له " ما هو الرق الذي خلقنا له ؟ العبودية لله عز وجل " وبلوا برق النفس والشيطان " نسأل الله العافية يعني صاروا عبيداً لأنفسهم وشياطينهم ، فلا يمكن أن يتحرى الإنسان من عبادة الله على زعمه إلا كان رقيقاً لغيره للنفس والشيطان ، والحاصل أن هؤلاء الذين كانوا في شك من الآخرة لا يمكن أن يعملوا ولا أن يقوموا بطاعة الله ، ذلك لأن الذي يقوم بطاعة هو الذي يؤمن أنه سوف يحشر ويثاب أو يعاقب ، قال : ممن هو منها في شك فنجازي كلاً منهما وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ الجملة خبرية تفيد معنىً ولازم ذلك المعنى فهي خبرية تفيد أن الله على كل شيء حفيظ أي مراقب ومطلع ومهيمن على كل شيء سواء كان ذلك مما يتعلق بفعله أو مما يتعلق بفعل الخلق فهو جل وعلا رقيب على كل شيء لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، هذا المعنى يستلزم معنى آخر وهو التحذير من المخالفة ، لأن الإنسان متى علم أن الله سبحانه وتعالى حفيظ على كل شيء خاف ولم يخالفه ، أما إذا كان في شك من هذا فإنه يعمل كما يشاء.

Webiste