تم نسخ النصتم نسخ العنوان
كيف تفسر المعية في قوله تعالى ( و هو معكم أي... - ابن عثيمينالسائل : كيف تفسر المعية في قوله تعالى : "وهو معكم أينما كنتم" ؟الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم ب...
العالم
طريقة البحث
كيف تفسر المعية في قوله تعالى ( و هو معكم أينما كنتم ) ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : كيف تفسر المعية في قوله تعالى : "وهو معكم أينما كنتم" ؟

الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
معية الله تبارك وتعالى لخلقه حقيقية أضافها الله سبحانه إلى نفسه في عدة آيات ، وهي أنواع :
النوع الأول : معية تقتضي النصر والتأييد مع الإحاطة ، مثال ذلك قول الله تبارك وتعالى لموسى وهارون : { إنني معكما أسمع وأرى } وقول الله تبارك وتعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } وصاحبه هنا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالإجماع .
ومعية أخرى : تقتضي التهديد والتحذير ، ومثاله قوله تعالى : { يستخون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون بحيطا } .
ومعية تقتضي : العلم والإحاطة بالخلق كما في قول الله تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمس إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم أينما كانوا } .
هذه المعية الحقيقية لا تعني أن الله تعالى مع الخلق في الأرض ، كلا والله ، فإن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء كما قال الله تعالى : { وهو القهر فوق عباده } وقد دل الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على علو الله تبارم وتعالى ، وأنه فوق كل شيء ، وتنوعت الأدلة من الكتاب والسنة على علو الله تبارك وتعالى .
واستمع قال الله تعالى : { وهو العلي العظيم } قالها في أعظم آية من كتاب الله وهي آية الكرسي ، والعلي من العلو ، وقال تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى } والأعلى وصف تفضيل لا يساميه شيء .
وقال تعالى : { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه } وقال تعالى : { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير } والآيات في هذا كثيرة .
والسنة كذلك دلت على علو الله تعالى قولاً من الرسول صلى الله عليه وسلم وفعلاً وإقراراً ، فكان يقول صلى الله عليه وسلم : "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء" وكان يقول : "سبحان ربي الأعلى" .
ولما خطب يوم عرفة وهو أكبر اجتماع للنبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه قال : "ألا هل بلغت ؟" قالوا : نعم ، قال : "اللهم اشهد" يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس . "اللهم" يشير إلى الله عز وجل في السماء "اشهد" يعني على الناس أنهم أقروا بالبلاغ ، أي بتبليغ النبي صلى الله عليه وسلم إياهم .
وأتي إليه بجارية مملوكة فقال لها : "أين الله ؟" قالت : في السماء ، فقال لسيدها : "أعتقها فإنها مؤمنة" وأقرها على قولها : إن الله في السماء .
وأما الصحابة والتابعن لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم فكلهم مجمعون على علو الله تعالى وأنه فوق كل شيء ، لم يرد عن واحد منهم حرف واحد أن الله ليس في السماء أو ليس فوق عباده .
ولهذا يجب على المؤمن أن يعتقد بقلبه اعتقاداً لا شبهة فيه بعلو الله تعالى فوق كل شيء ، وأنه نفسه جل وعلا فوق كل شيء ، وكيف يعقل عاقل فضلاً عن مؤمن أن يكون الله تعالى مع الإنسان في كل مكان ، أيمكن أن يتوهم عاقل بأن الإنسان إذا كان في الحمام يكون الله معه ؟. إذا كان في المرحاض يكون الله معه ؟. إذا كان واحد من الناس في الحجرة في بيته وآخر من الناس في المسجد يكون الله هنا وهناك ؟! الله واحد أم متعدد ؟ .
إن الإنسان الذي يقول في كل مكان بذاته يلزمه أحد أمرين لا ثلاث لهما :
إما أن يعتقد أن الله متعدد بحسب الأمكنة ، وإما أن يعتقد بأنه أجزاء بحسب الأمكنة ، وحاشاه من ذلك لا هذا ولا هذا .
إنني أدعوا كل مؤمن بالله أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله تبارك وتعالى في السماء لا يحصره مكان ، وإني أخشى من لم يعتقد ذلك أن يلقى الله تعالى وهو يعتقد أن الله في كل مكان ، أخشى أن يلقى الله على هذه الحال فيكون مجانباً للصواب والصراط المستقيم .
عباد الله لا تغتروا بأقوال من أخطأ من أهل العلم اقرؤوا القرآن بأنفسكم واعتقدوا ما يدل عليه ، هل يمكن أن يقرأ قارئ : { وهو العلي العظيم } { وهو القاهر فوق عباده } { سبح اسم ربك الأعلى } ثم يعتقد أنه في المكان الذي هو فيه ، يعني الذي الانسان فيه ، لا يمكن أبداً .
وأما قول هؤلاء الذين أخطؤوا وجانبوا الصواب وخالفوا الصراط إن المراد بذلك علو المكانة فكلا والله ، إن هؤلاء أنفسهم إذا دعوا الله يرفعون أيديهم إلى السماء إلى من دعوه ، وهل هذا إلا فطرة مفطور عليها كل الخلق ؟.
العجوز في خدرها تؤمن بأن الله تعالى فوق كل شيء ، فالفطرة إذن دالة على علو الله تعالى نفسه فوق كل شيء .
العقل كذلك يدل على هذا ، فإنه من المعلوم أن العلو صفة كمال وأن السفول صفة نقص ، وأيما أولى أن نصف رب العالمين بصفة الكمال أو بصفة النقص ؟.
كل مؤمن يقول له صفة الكمال المطلق ولا يمكن أن يوصف بالنقص بأي حال من الأحوال .
إذا علمت ذلك فقد يتراءى لك أن هذا مناف لقوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } فأقول لك أيها الأخ المسلم أن هذا لا ينافيه ، لأن الله تعالى ليس كعباده ليس كالمخلوق { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وهو أعلى وأجل مما يتصوره الإنسان ، ولا يمكن أن يحيط الإنسان بالله علماً كما قال عن نفسه : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً } فهو وإن كان في السماء فوق كل شيء فهو مع العباد ، لكن ليس معناه أنه في أمكنتهم ، بل هو محيط بهم علماً وقدرة وسلطاناً وغير ذلك من معاني ربوبيته .
فإياك يا أخي المسلم أن تلقى الله على ضلال ، اقرأ قول الله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده } ثم اقرأ : { وهو معكم أينما كنتم } ثم آمن بهذا وهذا ، واعلم أنه : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } فيجب على الإنسان أن يؤمن بأن الله نفسه فوق كل شيء ، وأنه ليس حالاً في الأرض ولا ساكناً فيها ، ثم ليؤمن مرة أخرى بأنه تعالى له عرش عظيم قد استوى عليه ، أي علا عليه علواً خاصاً غير العلو المطلق ، علوا خاصاً يليق به جل وعلا .
وقد ذكر الله عز وجل استواءه على العرش في سبعة مواضع من القرآن كلها بلفظ : استوى على ، واللغة العربية التي نزل بها القرآن تدل على أن : استوى على ، أي علا عليه ، كما في قول الله تبارك وتعالى : { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهروه ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون } .
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن استواء الله على عرشه استواء حقيقي ، وهو علوه جل وعلا على عرشه ، لم يرد عن أحد منهم تفسير ينافي هذا المعنى أبداً .
وهنا أعطيك قاعدة وهي : " أنه إذا جاء في الكتاب والسنة لفظ يدل على معنى ولم يرد عن الصحابة خلافه ، فهذا اجماع منهم على أن المراد به ظاهره ، وإلا لفسروه بخلاف ظاهره ونقل عنهم ذلك " . وهذه قادة مفيدة في تحقيق الإجماع في مثل هذه الأمور .
وأما من فسر استوى على العرش بأنه : استولى عليه ، فتفسيره خطأ ظاهر وغلظ واضح ، فإن الله استولى على العرش وغيره ، فكيف نقول : إنه استولى على العرش خاصة يعنيى استولى عليه ، ثم إن الآيات الكريمة تأبى ذلك أشد الإباء اقرأ قول الله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } فلو فسرت استوى بمعنى استولى لكان العرش قبل ذلك ليس ملكاً لله بل هو ملك لغيره ، وهل هذا معقول ، هل يمكن أن يتفوه بهذا عاقل فضلاً عن مؤمن أن العرش كان مملوكاً لغير الله أولاً ثم كان لله ثانياً ؟.
ألا فليتق الله هؤلاء المحرفون للكلم عن مواضعه ، وأن يقولوا عن ربهم كما قال ربهم عن نفسه جل وعلا ، فهم والله ليسوا أعلم بالله من نفسه ، وليسوا أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد عنه أن فسر هذا اللفظ بما فسره هؤلاء ، وليسوا أعلم بالله وصفاته من صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد عنهم أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء على العرش ، ألا فليتقي الله امرؤ ولا يخرج عن سبيل الله المؤمنين بعد ما تبين له الهدى فإنه على خطر عظيم .
إن العلماء الذين سبقوا وأتوا من بعد الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفسروا الاستواء بالاستيلاء نرجوا الله تبارك وتعالى أن يعفو عن مجتهدهم ، وأن يتجاوز عنهم ، وليس علينا أن نتبعهم ، بل ولا لنا أن نتبعهم فيما أخطؤوا به ، بل نسأل الله لهم العفوا عما أخطؤوا به بعد بذل الاجتهاد ، ونرجوا الله أن يوفقنا للصواب وإن خالفناهم ، ولا يغرنك أيها الأخ المسلم ما تتوهمه من كثرة القائلين بهذا ، أي بأن استوى بمعنى استولى ، فإنهم لا يمثلون شيئاً بالنسبة للإجماع السابق ، فالصحابة كلهم مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه ، لم يرد عن واحد منهم حرف واحد أنه استولى عليه ، فهم مجمعون على هذا وكذلك الأئمة من بعدهم أئمة المسلمين وزعماءهم كالإمام أحمد وغيره .
إن بينك وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أزمنة وعلماء لا يحصيهم إلا الله عز وجل فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من خلف ، فالخير كل الخير فيمن سلف وليس فيمن خلف .
أيها الأخ المستمع إنني لم أطل عليك في هذين الأمرين علو الله عز وجل واستواءه على عرشه والأمر الثالث معيته لخلقه إلا لأن الأمر خطير ، ولأنه قد ضلت فيه أفهام وزلت فيه أقدام ، فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من أخطأ ممن خلف ، أسأل الله أن يوفقنا جميعاً للصواب ، وأن يتوافانا على العقيدة السليمة الخالصة من كل شوب .

Webiste