تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قول الله تعالى : (( بسم الله الرحمن ال... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أظن أننا تكلمنا عل...
العالم
طريقة البحث
تفسير قول الله تعالى : (( بسم الله الرحمن الرحيم )).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أظن أننا تكلمنا على فوائد ما سبق، أنهيناها.
قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم البسملة آية من كتاب الله عز وجل مستقلة، ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، ولكن يؤتى بها في ابتداء السور إلا سورة واحدة وهي سورة براءة، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جعل فيها بسملة، ولهذا تركها الصحابة رضي الله عنهم بدون بسملة لعدم ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما قيل أنها تركت بلا بسملة لأنها نزلت بالسيف فإنه قول باطل، ليس هذا هو السبب، والسيف إذا كان رحمة فإنه غنيمة، ومعلوم أن السيف على الكفار رحمة يقصد به إعلاء كلمة الله عز وجل، ثم البسملة كما تشاهدون جملة ليس فيها فعل ولا اسم فاعل، لكنها جار ومجرور، ومضاف ومضاف إليه، وصفة وموصوف.
الجار هو الباء، والمجرور اسم، والمضاف اسم، والمضاف إليه لفظ الجلالة، وموصوف وهو الله، وصفة وهو الرحمن الرحيم، فأين المتعلق لأنه لابد لكل جار ومجرور أو ظرف لابد له من متعلق كما قال الناظم ناظم الجمل:
" لابد للجار من التعلق بفعل أو معناه نحو مرتقي
واستثنى كل زائد له عمل كالباء ومن والكاف أيضا ولعل "

فأين متعلق البسملة ؟ بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن ما يقال: إن متعلقها فعل متأخر مناسب لما ابتدأ بالبسملة من أجله، فنحن الآن نريد أن نقرأ نقول المتعلق تقديره بسم الله أقرأ، نريد أن نتوضأ نقول التقدير باسم الله أتوضأ، نريد أن نذبح نقول التقدير باسم الله أذبح، وإنما قدرناه فعلا لا اسم فاعل لأن الأصل في العمل هو الفعل، وإنما قدرناه متأخرا لوجهين:
الوجه الأول: التيمن بالبداءة باسم الله، والثاني: إفادة الحصر، لأنك إذا أخرت العامل وقدمت المعمول كان ذلك دليلا على الحصر، إذ أن القاعدة المعروفة في البلاغة هي أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وإنما قدرناه مناسبا لما ابتدأ به لأنه أدل على المقصود، مثلا لو قلت إن التقدير باسم الله ابتدأ، صح لكن ابتدأ بأي شيء، فإذا قلنا نقدره فعلا خاصا مناسبا لما ابتدئ به صار ذلك أدل على المقصود، ومعلوم أن ما كان أدل على المقصود كان أبين في المراد، هذا هو إعراب هذه البسملة.
أما معناها فإن اسم مفرد مضاف، وكل مفرد مضاف فإنه للعموم، أرأيتم قول الله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فإن نعمة مفرد مضاف لكن ليست نعمة واحدة، لأن النعمة الواحدة تحصى، لكنها نعم كثيرة فتشمل كل ما أنعم الله به على العبد، إذا كان المفرد المضاف يفيد العموم فما معنى قولنا: بسم الله الرحمن الرحيم ؟ معناها بكل اسم من أسماء الله أفعل كذا وكذا، بكل اسم، فتكون أنت الآن مستعينا بكل اسم من أسماء الله على هذا الفعل الذي بسملت من أجله، وأما اسم فقيل إنه مشتق من السمو وهو الارتفاع، وذلك لأن الاسم يرفع المسمى ويبينه، وقيل أنه مشتق من السمة وهي العلامة، قال الله تعالى : سيماهم في وجوههم أي علامتهم في وجوههم، وأيا كان فالاسم يعين مسماه ويميزه من غيره.
وأسماء الله سبحانه وتعالى كما مر علينا في التوحيد غير محصورة بعدد كما جاء في الحديث الصحيح: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، وأما الله فهو علم على الذات المقدسة العلية وهو الله سبحانه وتعالى، قال النحويون: " وهو أعرف المعارف " أعرف المعارف هذا العلم، وقد رتبوا المعارف كما تعرفون بأن أعرفها الضمير ثم الأعلام، لكن هذا العلم هو أعرفها إذ لا تحتمل المشاركة فيه، وغيره من المعارف يمكن المشاركة فيه.
وأما قوله: الرحمن فهو اسم من أسماء الله دال على الرحمة الواسعة، والرحيم اسم من أسماء لله دال على الرحمة التي تقع بالفعل، فالرحمن للوصف، والرحيم للفعل، يعني أنه رحمان يرحم، وبذلك تبين فائدة الجمع بينهما، فإن فائدة الجمع بينهما هو الدلالة على أن رحمة الله واسعة وذلك في قوله: الرحمن ، لأن فعلان يدل على الامتلاء والسعة، كما تقول شبعان وريان وما أشبهها، وأما الرحيم فهو باعتبار الفعل، أي إيصال الرحمة إلى من قدر الله أن يرحمه.
والبسملة لها أحكام: منها أنها تكون أحيانا شرطا في الحل كالتسمية على الذبيحة، فإن التسمية على الذبيحة شرط لحلها حتى إنه لو ترك التسمية ولو نسيانا لم تحل الذبيحة، وقد تكون واجبة لا شرطا كما في الوضوء عند بعض العلماء، فإن التسمية في الوضوء واجبة ولكنها ليست شرطا للصحة، إذ لو تركها نسيانا صح وضوءه، وقد تكون مستحبة في كل أمر ذي شأن كما جاء في الحديث: كل أمر ذي شأن لا يبدئ فيه باسم الله فهو أبتر أو: كل أمر ذي بال يعني ذي شأن مهم لا يبدئ فيه ببسم الله فهو أبتر، أي منزوع البركة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ بها في المكاتبات إلى الملوك وغيرهم، وكذلك الأنبياء من قبله كما جاء في القرآن الكريم: إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين

Webiste