تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة تفسير الآية : (( وأحل لكم ما وراء ذلكم... - ابن عثيمينثم قال الله عز وجل:  وأحل لكم ما وراء ذلكم ،  أحل  فيها قراءتان سبعيتان صحيحتان ، الأولى:  أحل  ، والثانية:  أحل  ولكل واحدة وجه ، أما القراءة على بناء ...
العالم
طريقة البحث
تتمة تفسير الآية : (( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ... )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله عز وجل: وأحل لكم ما وراء ذلكم ، أحل فيها قراءتان سبعيتان صحيحتان ، الأولى: أحل ، والثانية: أحل ولكل واحدة وجه ، أما القراءة على بناء المفعول فلأجل المناسبة بينها وبين قوله: حرمت عليكم أمهاتكم ، وأما بالفتح وأحل لكم فلمناسبة قوله: كتاب الله عليكم فكل من القراءتين وجه . وأحل لكم أحل بمعنى أباح ، ما وراء ذلكم أي ما وراء هذه المذكورات ، فالإشارة إلى ما سبق ، وقوله: ذلكم هذه هي اللغة الفصحة إذا جاء اسم الإشارة مقرونا فكاف الخطاب أن يراعى فيه المخاطب ، فإن كان مفردا مذكرا فهو مفرد مفتوح مثل: ذلك ، وإن كان مفردا مؤنثا فهو مفرد مكسور مثل: ذلك ، وإن كان مثنى فهو بالتثنية مثل: ذلكما مما علمني ربي ، وإن لجماعة الذكور فهو لجماعة الذكور: ذلكم ، وإن كان جماعة الإناث فهو لجماعة الإناث: ذلكن مثل: قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ، هنا ما وراء ذلكم الخطاب لمن ؟ لجماعة الذكور ، هذه لغة الفصحة ، وفيه لغة أخرى بالإفراد والفتح للمذكر مطلقا مفردا كان أو مثنى أو جمعا ، وبالكسر للمؤنث مطلقا مفردا كان أو مثنى أو جمعا ، وفيه لغة ثالثة بالفتح مطلقا ، ووجه الأخيرة أن المخاطب شخص فصح أن تأتي برفع الإفراد ، وأما الثانية فوجهه مراعاة المعنى دون مراعاة المخاطب فالمذكر مفتوح والمؤنث مكسور ، وأما لغة الفصحة فالأمر فيها واضح . قال: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم " أن " هذه مصدرية ولهذا نصب الفعل بها أن تبتغوا فحذفت النون ، المعنى: أحل بهذا الشرط أي بأن تبتغوا بأموالكم أي تطلبوا النكاح بأموال ، والمال كل ما يتمول من أعيان ومنافع ، كل ما يتمول من أعيان ومنافع فإنه مال أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين محصنين هذه حال من فاعل تبتغوا أي حال كونكم محصنين أي محصنين لفروجكم ، محصنين لفروج زوجاتكم ، والإحصان في اللغة المنع ، ومنه سمي الحصن للقصر المنيع لأنه يحصن ما فيه ، والنكاح الشرعي سبب لمنع زنا ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج وقوله: غير مسافحين المسافحة مفاعلة من السفح ، وهو الزنا وسمي الزنا سفحا لأن المقصود به سفح الماء أي نيل الشهوة ، فالزاني لا يريد أولادا ولا يريد عشرة وإنما يريد أن يسفح هذا الماء الذي ضيق عليه حتى تبرد شهوته ، والصفح بالأصل هو الصب والدفع قال الله تعالى: إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا . ثم قال: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة يعني أي استمتاع به ـ أي بالعقد ـ منهن فآتوهن أجورهن أي أعطوهن أجورهن ، والأجور هنا بمعنى الأجر وهو المهر أي المال الذي طلبتموهن به أن تبتغوا بأموالكم يعني فإذا ابتغيتم بأموالكم وأعقبتم النكاح فأعطوهن أجورهن ، وسمي المهر أجرا لأنه في مقابلة منفعة ، فهو كالرجل يستأجر أجيرا يبني له بيتا فيعطيه أجره كذلك الزوج مع زوجته ، وسيأتي إن شاء الله التنبيه على شيء من النكتة في قوله: أجورهن عند ذكر الفوائد . فآتوهن أجورهن فريضة أي حال كونها ـ أي الأجور ـ فريضة أي ما فرضتم فأعطوهن من المهور ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة يعني لا جناح أي لا إثم عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة بزيادة أو نقص يعني إذا سمى المهر وفرضها وعرفت الزوجة نصيبها فلا جناح عليه ولا عليها فيما تراضيا به من بعد الفريضة بزيادة أو نقص ، قد تعفوا المرأة عن شيء مما فرض لها أو عن كل ما فرض لها ، وقد تطلب الزيادة ويعطيها الزوج ، كل هذا لا بأس به لما قال: فيما تراضيتم به من بعد فريضة إن الله كان عليما حكيما هذه الجملة كما تشاهدون مؤكدة بإن وكان ، لأن كان مسلوبة الزمان هنا فتفيد الثبوت والتحقق ، والعلم عند الله عزوجل واسع كامل لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء لا في الحاضر ولا في الماضي ولا في المستقبل ، حكيما ذا حكمة ، والحكمة هي وضع الشيء في مواضعه سواء كان مما يتعلق بأقدار أو مما يتعلق بالشرع فإن أقدار الله ومشروعات الله كلها حكمة ، ولكن معنى " حكيم " مما ذكرت الآن يعني أوسع من كونه دالا على الحكمة ، بل هو دال على الحكمة والحكم ، فمعنى حكيم أي حاكم محكم ، أي حاكم من الحكم ، محكم من الإحكام الذي هو الحكمة ، ثم إن حكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: كوني ، وشرعي ، ثم إن الحكمة أو الإحكام حكمة في صورة الشيء والحكمة في غاية الشيء والمراد منه ، وكل ذلك ثابت من قوله: حكيما ، وعلى هذا تكون أربعة أقسام : حكم الكوني ، حكم شرعي ، إحكام في صورة الشيء ، وإحكام في غاية الشيء ، ووجه ختم الآية بهذا هو أن هذه أحكام عظيمة ، هذين الاسمين الكريمين أن هذه الأحكام صادرة عن علم تام بما يصلح الخلق وعن إحكام تام .

Webiste