تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسيرقول الله تعالى : << فبما نقضهم ميثاقهم... - ابن عثيمينثم قال الله تبارك وتعالى:  فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم   فبما نقضهم  الفاء عاطفة والعطف بالفاء يفيد الترتيب وإذا كان عطفا عطف فعل على فعل فإنه يفيد السببي...
العالم
طريقة البحث
تفسيرقول الله تعالى : << فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه و نسوا حظا مما ذكروا به .....>>.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله تبارك وتعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم فبما نقضهم الفاء عاطفة والعطف بالفاء يفيد الترتيب وإذا كان عطفا عطف فعل على فعل فإنه يفيد السببية مع الترتيب ، فإذا قلت: جاء زيد فعمرو ، هذا للترتيب المحض لأن العطف هنا عطف مفرد على مفرد ، وإذا جاء جملة على جملة فإنه قد يفيد مع الترتيب السببية وهو الغالب مثل أن تقول: كفر فلان فكان في النار ، آمن فلان فكان في الجنة أي بسببه، وأحيانا تكون لمجرد الترتيب كما في قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا فهنا أهلكناها هو بعد مجيء البأس ، فهنا فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم هذه الفاء قلت إنها عاطفة تفيد الترتيب وتفيد السببية مع أن الباء التي بعدها تفيد السببية أيضا، فبما نقضهم الباء للسببية وهي حرف جر، وما مصدرية وعلامة المصدرية التي تحول أو يحول ما بعدها إلى مصدر ، هذه علامة المصدرية أن يحول ما بعدها إلى مصدر، فهنا فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم أنا قلت إنها مصدرية والصواب أنها زائدة ، لأن الذي بعدها فعل فبما نقضهم ميثاقهم أي فبنقضهم ميثاقهم ، فما هنا زائدة للتوكيد ، ما تأتي زائدة وتأتي مصدرية وتأتي موصولة وتأتي شرطية ، وقد جمع بعضهم معانيها في بيت واحد فقال:
محامل ما أشر إذا رمت عدها فحافظ على بيت سليم من الشعر
ستفهم شرط الوصل فاعجب لنكرها بكف ونفي زيد تعظيم مصدر
سمع بشرط أن لا يحفظها من قبل ، الذي حفظها من الآن ، من قبل ؟ لا ، ثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا وإذا سلم سلم ثلاثا ، من جملة ما ذكرنا من المعاني أنها زائدة كما في هذا البيت بكف ونفي زيد ، هذه زائدة . فإذا قال: ما هي الفائدة من الزائدة ؟ قلنا الفائدة التوكيد ، وهكذا جميع حروف الزائدة العاملة وغير العاملة فائدتها التوكيد . فبما نقضهم ميثاقهم النقض ضد العقد أي حلهم الميثاق، وقوله: ميثاقهم أي الذي واثقهم الله عليه وهو قوله: فإن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا فهؤلاء نقضوا الميثاق ، بسببه لعناهم واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، فكانوا ـ والعياذ بالله ـ مطرودين مبعدين عن رحمة الله لا ينالهم الله برحمة ، ومن لعنه الله لعنه اللاعنون كما قال عبد الله بن مسعود: وما لي لا ألعن من لعنه الله أو من لعنه رسول الله ، لعناهم . وجعلنا قلوبهم قاسية وفي قراءة قسية قاسية اسم فاعل، قسية صفة مشبهة ، أيهما أغلب ؟ الصفة المشبهة ، الصفة المشبهة أغلب لأنها وصف ملازم كما قال ابن مالك رحمه الله: كطاهر القلب جميل الظاهر ، فهي أي صفة مشبهة ملازم ، إذا قاسية و قسية إذا جاءت قراءتان فالمعنى أن الأمرين كلاهما حاصل، فهي قسية وهذا وصفه، قاسية عند وجود ما يوجب لين القلب تقسوا ـ والعياذ بالله ـ، فهي قسية وصفا قاسية فعلا ، انتبه ! كما قلنا في مالك يوم الدين و ملك قلنا نجمع القراءتين فيكون المعنى أنه ملك ذو تصرف أي ملك مالك، بعض ملوك الدنيا يكون ملكا غير مالك وكثير من الناس مالك ولكنه غير ملك، كلنا يملك مالا لكن لسنا ملوكا ، إذا قسية وقاسية قريب من هذا ، قسية وصفها الملازم ، قاسية عند حدوث ما يوجب لين القلب تقسوا ـ والعياذ بالله ـ وجعلنا قلوبهم قاسية . يحرفون الكلم عن مواضعه هذا أيضا من ضلالهم ـ والعياذ بالله ـ ونقضهم العهد ، يحرفون الكلم كلم من ؟ كلم الله عزوجل ، والكلم اسم جمع كلمة ، والجمع كلمات لكن كلم اسم جمع، يحرفون الكلم وأصل التحريف التغيير ، تغيير الشيء عن وجهه ، ولهذا تقول: انحرفت الدابة يعني تغير مصيره، انحرفت السفينة تغير اتجاهها ، إذا يحرفون أي يغيرون الكلم عن مواضعه، وتغيير الكلم عن مواضعه عندهم نوعان: تغيير في اللفظ ، وتغيير في المعنى ، تغيير في اللفظ أنه إذا قيل لهم قولوا حطة ، ماذا قالوا ؟ حنطة ، ما قالوا حطة يعني حط لكن قالوا حنطة آتونا أكل ، ولما وجب على الزاني المحصن أن يرجم حرفوا ذلك وقالوا إن هذا في الوضعاء وليس في الشرفاء وصاروا يرجمون الوضعاء ولكنهم لا يرجمون الشرفاء ، هذا تحريف معنوي يعني حملوا النصوص على غير ما أراد الله بها ، إذا التحريف من هؤلاء يشمل تحريف اللفظ . يحرفون الكلم عن مواضعه أي عن مواضع التي أرادها الله به . ونسوا حظا مما ذكروا به نسوا تحتمل معنيين، نسوا أي تركوا ، نسوا أي بعد الذكر ، فالأول نسيان العملي والثاني نسيان علمي ، فهل المراد الأول أو الثاني ؟ كلاهما ، المراد نسوا أي تركوا عن عمد، نسوا أي تركوا عن عدم علم يعني نسوا العلم الذي كانوا يعلمونه من قبل ، فالنسيان إذا نسيان عملي ونسيان علمي .
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على تقسيم النسيان إلى هذا ؟
قلنا: اقرأ قول الله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا هذا نسيان أيش ؟ علمي ، نسيان علمي، واقرأ قول الله تعالى: ولا تكونوا كالذين نسوا الله هذا نسيان عملي ، نسوا الله فنسيهم، هذا أيضا نسيان عملي .
وقوله: حظا أي نصيبا ، والحظ قد يكون بالخير وقد يكون بالشر، فقوله تعالى: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم هذا حظ محمود أو غير محمود ؟ محمود ، وإذا قال: فلان حظه من اليوم الآخر النار، هذا مذموم ، حظا أي نصيبا مما ذكروا به أي من الوحي الذي نزل عليهم ليتذكروا به، فهم نسوا حظا من التوراة ـ يعني الكلام الآن على اليهود ـ نسوا حظا من التوراة ، تركوه عمدا نتيجة تحريف الكلم عن مواضعه ، أو نسوه بمعنى أنهم نسوه بعد العلم وذلك أن كتبهم تلفت ولما تلفت صاروا يتخبطون فيها ويكتبون فيها ما أرادوا ، فهذا وجه النسيان الذي هو ضد الذكر والنسيان الذي هو ضد العمل .

Webiste