تتمة شرح حديث : ( عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة : بالحمد لله رب العالمين . وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ، ولكن بين ذلك . وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً . وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً . وكان يقول في كل ركعتين التحية . وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى . وكان ينهى عن عقبة الشيطان ، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم . أخرجه مسلم وله علة .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : تكلّمنا كما أقررتم على أوّل الحديث وبدأنا بتفسير الفاتحة على وجه موجز انتهينا إلى قوله؟
الطالب : مالك يوم الدّين .
الشيخ : مالك يوم الدّين مالك فيها قراءتان، مالك بالألف وملك بدون ألف، وذكرنا أنّ هاتين القراءاتين تعطي كلّ واحدة منهما معنى غير الأخرى لكن يجتمع منهما كمال الأكمل وهو أنّه سبحانه مالك ملك وبيّنّا الفرق أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، ويوم الدّين هو يوم الجزاء لأنّ الدّين تارة يطلق على العمل وتارة يطلق على الجزاء قال الله تبارك وتعالى: لكم دينكم ولي دين هذا دين العمل وقال الله تعالى: وما أدراك ما يوم الدّين ثمّ ما أدراك ما يوم الدّين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله وهذا دين الجزاء، ومن الأمثال السّائرة " كما تدين تدان " أي كما تعمل تجازى فمالك يوم الدّين أي مالك يوم القيامة وخصّ ملكه بهذا اليوم لأنّه في هذا اليوم تتلاشى جميع الملكوتات لا ملك لأحد في ذلك اليوم، يستوي الملك ويستوي أدنى واحد من رعيّته، بل من كان أكرم عند الله فهو أعلى وأفضل يقول الله عزّ وجلّ في ذلك اليوم -حط بالك في كتابك - لمن الملك اليوم لله الواحد القهّار يجيب نفسه لأنّه لا أحد له الملك في ذلك اليوم الملك كلّه لله عزّ وجلّ وإلاّ فمن المعلوم أنّ الله مالك يوم الدّين ومالك الدّنيا أيضا كما قال جلّ وعلا قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه
إيّاك نعبد وإيّاك نستعين إيّاك نعبد أي لا نعبد إلاّ إيّاك ووجه كونها بهذا المعنى أنّه قدّم المعمول وهو إيّاك، وتقديم المعمول على عامله يدلّ على الحصر بل القاعدة أعمّ من هذا وهي تقديم ما حقّه التّأخير يفيد الحصر، والعبادة هي التّذلّل لله عزّ وجلّ مع المحبّة والتّعظيم هذه العبادة، التّذلّل لله عزّ وجلّ مع المحبّة والتّعظيم مأخوذة من قولهم طريق معبّد أي مذلّل للسّالكين ونحن نقول بدله طريق " مسفلت " طريق " مسفلت " الطريق المعبّد المذلّل للسّالكين اشتقّ منه العبادة أنّ الإنسان يقوم بعبادة الله تعالى تذلّلا له ومحبّة وتعظيما هذه لله
وإيّاك نستعين أي نطلب العون منك لا من غيرك أي نطلب أن تعيننا على جميع أمورنا في الدّنيا والآخرة ولهذا حذف المستعان عليه لإفادة التّعميم وإيّاك نستعين نقول فيها بالنّسبة للاختصاص كما قلنا في إيّاك نعبد أي لا نستعين إلاّ إيّاك
فإن قال قائل ألسنا نستعين بغير الله؟ فالجواب نستعين به على أنّه سبب لا على أنّه مستقلّ واستعانتنا بالسّبب استعانة بالله سبحانه وتعالى لأنّنا نعلم أنّ الله إذا لم يسخّر هذا الرّجل الذي استعنّا به لم ينفعنا بشيء فحقيقة الاستعانة بالمخلوق أنّها استعانة بالله خالقه عزّ وجلّ لأنّه هو الذي يسخّره لمن استعانه، ومع هذا نقول الاستعانة المطلقة في كلّ شيء لا تكون إلاّ لله عزّ وجلّ لا تكون للمخلوق
اهدنا الصّراط المستقيم اهدنا الصّراط الهداية هنا يراد بها هداية الإرشاد والعلم وهداية التّوفيق والطاعة ودليل ذلك حذف حرف الجرّ أي أنّك لم تقل اهدنا إلى الصّراط فيكون المعنى اهدنا إليه وفيه، اهدنا إليه هذا العلم، وفيه هذا التّوفيق، والصّراط المستقيم هو دين الإسلام وسمّي صراطا لأنّه طريق واسع يسع كلّ من يدخله، وقيل الصّراط لا يكون صراطا إلاّ إذا كان طريقا واسعا وكان طريقا سهلا وكان طريقا مستقيما ثلاثة أوصاف: واسع، الثاني؟
الطالب : سهل.
الشيخ : سهل، الثالث مستقيم، قالوا والاشتقاق يدلّ عليه لأنّ صرط الشّيء أي ابتلعه بسرعة ويقال في اللغة العاميّة عندنا الزّرط زرط الشّيء تقول أعطيته لحما فزرطها بسرعة يعني؟
الطالب : بلعها.
الشيخ : بلعها على طول، بدون أن يغصّ فيها أو أن يغصّ بها، إذن الصّراط ما جمع ثلاثة أوصاف أوّلا؟
الطالب : واسع.
الشيخ : السّعة، ثانيا؟
الطالب : سهلا.
الشيخ : السّهولة، وثالثا؟
الطالب : الاستقامة.
الشيخ : الاستقامة، والاستقامة يعني أنّه لا اعوجاج فيه ولا ارتفاع ولا نزول، لأنّ الارتفاع والنّزول هو في الحقيقة انحراف أليس كذلك؟ انظر مثلا عرّج طريقا يمين يسار وعرّجه علوّا ونزولا تكون المسافة واحدة، وقوله المستقيم هذا من باب التّأكيد يعني الذي لا اعوجاج فيه وهذا مستفاد من معنى الصّراط لكنّه أظهر هذا الوصف للتّشويق إليه، هذا الصّراط المستقيم صراط من؟
صراط الذين أنعمت عليهم ، والذين الله أنعم عليهم أربعة، أربعة أصناف كما قال الله تعالى: ومن يطع الله والرّسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين هؤلاء أنعم الله عليهم بنعمة الهداية العلميّة ونعمة الهداية العمليّة
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم الغضب هو وصف لله عزّ وجلّ قائم بذاته على وجه الحقيقة لكن هنا لم يقل غير الذين غضبت عليهم بخلاف الإنعام قال: الذين أنعمت عليهم والحكمة من هذا تلافي إضافة الغضب إلى الله عزّ وجلّ في هذا السّياق، وإلاّ فقد أضاف الله الغضب إلى نفسه في مواضع أخرى كما قال عزّ وجلّ من لعنه الله وغضب عليه وقال في قاتل العمد: نعم وغضب الله عليه ولعنه أيضا فائدة أخرى أنّ من غضب الله عليه غضب عليه أولياء الله لأنّ أولياء الله يحبّون ما أحبّ الله ويكرهون ما كره الله فلمّا كان الغضب من الله ومن أولياء الله صار التّعبير باسم المفعول إيش؟
الطالب : أعمّ.
الشيخ : أعمّ، صار أعم غير المغضوب عليهم فمن المغضوب عليهم؟ المغضوب عليهم يعرف إذا قسّمنا النّاس أو إذا تمّت أقسام النّاس في هذه السّورة
ولا الضّالّين الضّالّ الذي لم يهتد إلى الطّريق، يطلب الطّريق لكن ضلّ كما لو خرج الإنسان في البرّيّة ثمّ ضلّ الطّريق فهو يبحث عنه وقد يسلك طريقا فيه هلاكه وهو لا يدري، فالضّالّ هو من جهل الحقّ بعد طلبه، المغضوب عليهم هم الذين علموا الحقّ وخالفوه، الذين أنعم الله عليهم هم الذين علموا الحقّ واتّبعوه فالأقسام ثلاثة: عالم بالحقّ متّبع له فهذا يا أبا جابر؟
الطالب : أنعم الله عليه.
الشيخ : أنعم الله عليه، وعالم بالحقّ خالفه سمير؟
الطالب : مغضوب عليهم.
الشيخ : مغضوب عليهم، وطالب للحقّ لم يوفّق له؟
الطالب : الضالّ.
الشيخ : الضّالّ، هذه أقسام حاصرة، على رأس المغضوب عليهم اليهود، وعلى رأس الضّالّين النّصارى، ولهذا جاء في الحديث وإن كان فيه نظر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضّالّين بالنّصارى
هذه السورة في الواقع إذا تأمّلها الإنسان وتعمّق فيها علم الحكمة من كونها أمّ القرآن وأمّ الكتاب لأنّ جميع معاني القرآن ترجع إليها، فيها علم التاريخ، أحوال الأمم، الرّسل، كلّ شيء، كلّ الموضوعات التي اشتمل عليها القرآن أساسها موجود في الفاتحة ولهذا استحقّت أن توصف بأنها أمّ القرآن واستحقّت بأنّها لا تصحّ صلاة أحد إلاّ بقراءتها وهذه مزيّة عظيمة، آية الكرسي أعظم آية قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ومع ذلك تصحّ الصّلاة بدونها لكن هذه لها هذه المزيّة لأنّها قد جمعت معاني القرآن الكريم، نعم ومن أراد التّوسّع فيها فعليه بكتاب: " مدارج السّالكين " لابن القيّم رحمه الله فقد أتى فيه بالعجب العجاب حول تفسير هذه السّورة العظيمة.
نعم يقول: وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوّبه كان أي النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا ركع يعني حنى ظهره، نعم لم يشخص رأسه ولم يصوّبه، الإشخاص الرّفع والتّصويب التّنزيل، فهو لا يرفعه ولا ينزّله بل يجعله محاذيا لظهره، ثمّ كيف حال الظّهر؟ دلّت الأدلّة الأخرى على أنّه يسوّي ظهره تماما حتى لو صبّ الماء عليه لاستقرّ من شدّة تسوية الظّهر ولكن بين ذلك، المشار إليه؟
الطالب : الإشخاص.
الشيخ : الإشخاص والتّصويب،
ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع من الرّكوع لم يسجد حتى يستوي قائما ، إذا رفع من الرّكوع لم تذكر التّكبير أو التّسميع أو التّحميد لأنّها أرادت أن تتكلّم عن الأفعال التي هي أركان، نعم وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً يستوي أي يعتدل وقد مرّ علينا أنّه لا بدّ من إيش؟
الطالب : الطّمأنينة.
الشيخ : لا بدّ من الطّمأنينة، وكان إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالسا طيب ... الحديث إذا رفع من السّجدة أفاد أنّه يسجد بعد الرّفع من الرّكوع، فإذا سجد وقام لم يسجد الثانية حتّى يستوي جالسا
وكان يقول في كلّ ركعتين التّحيّة يعني في الفرائض كلّ ركعتين يقول فيها التّحيّة إن كانت ثنائيّة فجميع التّحيّات، وإن كانت ثلاثيّة أو رباعيّة فالرّكعتان الأوليان يقتصر فيهما على التّشهّد الأوّل، وقوله التّحيّة هذا من باب التّعبير بالبعض عن الكلّ والمراد؟
الطالب : التّحيّات.
الشيخ : جميع التّحيّات
وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى كان يفرش اليسرى يعني فيجلس عليها، وينصب اليمنى وقد أخرجها من جانبه الأيمن فيكون أصابع اليمنى إلى الأرض وظاهر اليسرى إيش؟ إلى الأرض ولم تفصّل رضي الله عنها لكن سبق في حديث أبي حميد التّفصيل وهو أنّه في التّشهّد الأخير إيش يعمل؟
الطالب : يتورّك.
الشيخ : يتورّك، نعم " وكان ينهى عن عقبة الشيطان " عقبة الشّيطان يعني جلسته على عقبيه وهل هو الإقعاء الذي ذكره ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يفعله إذا جلس أو هو الإقعاء الذي كإقعاء الكلب؟ ظاهر الحديث أنّه الأوّل يعني عقبة أي العقب، عن عقبة الشّيطان وسيأتي إن شاء الله في الفوائد كيف نجمع بين هذا وبين حديث ابن عبّاس رضي الله عنه
وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وهذا في حال السّجود لأنّه لا يمكن أن يفترش الذّراعين إلاّ إذا سجد، لو أراد أن يفترش الذّراعين في الجلوس ما يمكن أو في القيام من باب أولى، إذن ينهى عن افتراش الذّراعين في حال السّجود
وقولها: افتراش السّبع من باب التّشبيه للتّقبيح لأنّه يكون كالسّبع والإنسان منهيّ عن التّشبّه بالحيوان فإنّه مكرّم عليه فكيف ينزل بنفسه إلى التّشبّه بالحيوان لا سيما وهو يناجي الله عزّ وجلّ في الصّلاة.
وكان يختم الصلاة بالتسليم يعني أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا انتهى من الصّلاة سلّم وأل في قولها بالتسليم يحتمل أن تكون لبيان الحقيقة ويحتمل أن تكون للعموم فإن قلنا إنّها لبيان الحقيقة صارت التّسليمة الواحدة كافية لأنّه يحصل بها التّسليم وإن قلنا إنّها للعهد صار المراد بالتّسليم إيش؟ التّسليمتين
قال: " أخرجه مسلم وله علّة " العلّة يقول " لأنّه من رواية أبي الجوزاء عن عائشة، قال ابن عبد البرّ هو مرسل أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة " وهو علّة أيضا لأنّ مسلما أخرجه من طريق الأوزاعي مكاتبة أمّا العلّة الأخرى فهي ليس علة لأنّ الصّواب جواز الرّواية بالمكاتبة أمّا الأوّل فينظر أيضا ينظر إلى ترجمة أبي الجوزاء هل سمع من عائشة أم لم يسمع وإن شاء الله يحقّق عند علي، نعود إلى الحديث، نعم؟
السائل : شيخ إذا لم يتمّ ...
الشيخ : إذا؟
السائل : إذا لم يتمّ استواء الظّهر في الرّكوع هل تصحّ صلاته؟
الشيخ : أي نعم، سيأتينا إن شاء الله في الفوائد أنّ هذا من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب، ذكرناها أنّه يجلس على عقبيه ناصبا قدميه وسيأتي إن شاء الله بعد هذا الجمع بينه وبين حديث ابن عبّاس، نعم؟
السائل : يا شيخ هل هذه المنهيّات في الصّلاة مأمور بها الرّجل والمرأة؟
الشيخ : لم نصل إليها، هذه بعد الفوائد، هاه؟
السائل : أسأل؟
الشيخ : طيب اسأل.
السائل : شيخ أثابكم الله.
الطالب : مالك يوم الدّين .
الشيخ : مالك يوم الدّين مالك فيها قراءتان، مالك بالألف وملك بدون ألف، وذكرنا أنّ هاتين القراءاتين تعطي كلّ واحدة منهما معنى غير الأخرى لكن يجتمع منهما كمال الأكمل وهو أنّه سبحانه مالك ملك وبيّنّا الفرق أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، ويوم الدّين هو يوم الجزاء لأنّ الدّين تارة يطلق على العمل وتارة يطلق على الجزاء قال الله تبارك وتعالى: لكم دينكم ولي دين هذا دين العمل وقال الله تعالى: وما أدراك ما يوم الدّين ثمّ ما أدراك ما يوم الدّين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله وهذا دين الجزاء، ومن الأمثال السّائرة " كما تدين تدان " أي كما تعمل تجازى فمالك يوم الدّين أي مالك يوم القيامة وخصّ ملكه بهذا اليوم لأنّه في هذا اليوم تتلاشى جميع الملكوتات لا ملك لأحد في ذلك اليوم، يستوي الملك ويستوي أدنى واحد من رعيّته، بل من كان أكرم عند الله فهو أعلى وأفضل يقول الله عزّ وجلّ في ذلك اليوم -حط بالك في كتابك - لمن الملك اليوم لله الواحد القهّار يجيب نفسه لأنّه لا أحد له الملك في ذلك اليوم الملك كلّه لله عزّ وجلّ وإلاّ فمن المعلوم أنّ الله مالك يوم الدّين ومالك الدّنيا أيضا كما قال جلّ وعلا قل من بيده ملكوت كلّ شيء وهو يجير ولا يجار عليه
إيّاك نعبد وإيّاك نستعين إيّاك نعبد أي لا نعبد إلاّ إيّاك ووجه كونها بهذا المعنى أنّه قدّم المعمول وهو إيّاك، وتقديم المعمول على عامله يدلّ على الحصر بل القاعدة أعمّ من هذا وهي تقديم ما حقّه التّأخير يفيد الحصر، والعبادة هي التّذلّل لله عزّ وجلّ مع المحبّة والتّعظيم هذه العبادة، التّذلّل لله عزّ وجلّ مع المحبّة والتّعظيم مأخوذة من قولهم طريق معبّد أي مذلّل للسّالكين ونحن نقول بدله طريق " مسفلت " طريق " مسفلت " الطريق المعبّد المذلّل للسّالكين اشتقّ منه العبادة أنّ الإنسان يقوم بعبادة الله تعالى تذلّلا له ومحبّة وتعظيما هذه لله
وإيّاك نستعين أي نطلب العون منك لا من غيرك أي نطلب أن تعيننا على جميع أمورنا في الدّنيا والآخرة ولهذا حذف المستعان عليه لإفادة التّعميم وإيّاك نستعين نقول فيها بالنّسبة للاختصاص كما قلنا في إيّاك نعبد أي لا نستعين إلاّ إيّاك
فإن قال قائل ألسنا نستعين بغير الله؟ فالجواب نستعين به على أنّه سبب لا على أنّه مستقلّ واستعانتنا بالسّبب استعانة بالله سبحانه وتعالى لأنّنا نعلم أنّ الله إذا لم يسخّر هذا الرّجل الذي استعنّا به لم ينفعنا بشيء فحقيقة الاستعانة بالمخلوق أنّها استعانة بالله خالقه عزّ وجلّ لأنّه هو الذي يسخّره لمن استعانه، ومع هذا نقول الاستعانة المطلقة في كلّ شيء لا تكون إلاّ لله عزّ وجلّ لا تكون للمخلوق
اهدنا الصّراط المستقيم اهدنا الصّراط الهداية هنا يراد بها هداية الإرشاد والعلم وهداية التّوفيق والطاعة ودليل ذلك حذف حرف الجرّ أي أنّك لم تقل اهدنا إلى الصّراط فيكون المعنى اهدنا إليه وفيه، اهدنا إليه هذا العلم، وفيه هذا التّوفيق، والصّراط المستقيم هو دين الإسلام وسمّي صراطا لأنّه طريق واسع يسع كلّ من يدخله، وقيل الصّراط لا يكون صراطا إلاّ إذا كان طريقا واسعا وكان طريقا سهلا وكان طريقا مستقيما ثلاثة أوصاف: واسع، الثاني؟
الطالب : سهل.
الشيخ : سهل، الثالث مستقيم، قالوا والاشتقاق يدلّ عليه لأنّ صرط الشّيء أي ابتلعه بسرعة ويقال في اللغة العاميّة عندنا الزّرط زرط الشّيء تقول أعطيته لحما فزرطها بسرعة يعني؟
الطالب : بلعها.
الشيخ : بلعها على طول، بدون أن يغصّ فيها أو أن يغصّ بها، إذن الصّراط ما جمع ثلاثة أوصاف أوّلا؟
الطالب : واسع.
الشيخ : السّعة، ثانيا؟
الطالب : سهلا.
الشيخ : السّهولة، وثالثا؟
الطالب : الاستقامة.
الشيخ : الاستقامة، والاستقامة يعني أنّه لا اعوجاج فيه ولا ارتفاع ولا نزول، لأنّ الارتفاع والنّزول هو في الحقيقة انحراف أليس كذلك؟ انظر مثلا عرّج طريقا يمين يسار وعرّجه علوّا ونزولا تكون المسافة واحدة، وقوله المستقيم هذا من باب التّأكيد يعني الذي لا اعوجاج فيه وهذا مستفاد من معنى الصّراط لكنّه أظهر هذا الوصف للتّشويق إليه، هذا الصّراط المستقيم صراط من؟
صراط الذين أنعمت عليهم ، والذين الله أنعم عليهم أربعة، أربعة أصناف كما قال الله تعالى: ومن يطع الله والرّسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين هؤلاء أنعم الله عليهم بنعمة الهداية العلميّة ونعمة الهداية العمليّة
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم الغضب هو وصف لله عزّ وجلّ قائم بذاته على وجه الحقيقة لكن هنا لم يقل غير الذين غضبت عليهم بخلاف الإنعام قال: الذين أنعمت عليهم والحكمة من هذا تلافي إضافة الغضب إلى الله عزّ وجلّ في هذا السّياق، وإلاّ فقد أضاف الله الغضب إلى نفسه في مواضع أخرى كما قال عزّ وجلّ من لعنه الله وغضب عليه وقال في قاتل العمد: نعم وغضب الله عليه ولعنه أيضا فائدة أخرى أنّ من غضب الله عليه غضب عليه أولياء الله لأنّ أولياء الله يحبّون ما أحبّ الله ويكرهون ما كره الله فلمّا كان الغضب من الله ومن أولياء الله صار التّعبير باسم المفعول إيش؟
الطالب : أعمّ.
الشيخ : أعمّ، صار أعم غير المغضوب عليهم فمن المغضوب عليهم؟ المغضوب عليهم يعرف إذا قسّمنا النّاس أو إذا تمّت أقسام النّاس في هذه السّورة
ولا الضّالّين الضّالّ الذي لم يهتد إلى الطّريق، يطلب الطّريق لكن ضلّ كما لو خرج الإنسان في البرّيّة ثمّ ضلّ الطّريق فهو يبحث عنه وقد يسلك طريقا فيه هلاكه وهو لا يدري، فالضّالّ هو من جهل الحقّ بعد طلبه، المغضوب عليهم هم الذين علموا الحقّ وخالفوه، الذين أنعم الله عليهم هم الذين علموا الحقّ واتّبعوه فالأقسام ثلاثة: عالم بالحقّ متّبع له فهذا يا أبا جابر؟
الطالب : أنعم الله عليه.
الشيخ : أنعم الله عليه، وعالم بالحقّ خالفه سمير؟
الطالب : مغضوب عليهم.
الشيخ : مغضوب عليهم، وطالب للحقّ لم يوفّق له؟
الطالب : الضالّ.
الشيخ : الضّالّ، هذه أقسام حاصرة، على رأس المغضوب عليهم اليهود، وعلى رأس الضّالّين النّصارى، ولهذا جاء في الحديث وإن كان فيه نظر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضّالّين بالنّصارى
هذه السورة في الواقع إذا تأمّلها الإنسان وتعمّق فيها علم الحكمة من كونها أمّ القرآن وأمّ الكتاب لأنّ جميع معاني القرآن ترجع إليها، فيها علم التاريخ، أحوال الأمم، الرّسل، كلّ شيء، كلّ الموضوعات التي اشتمل عليها القرآن أساسها موجود في الفاتحة ولهذا استحقّت أن توصف بأنها أمّ القرآن واستحقّت بأنّها لا تصحّ صلاة أحد إلاّ بقراءتها وهذه مزيّة عظيمة، آية الكرسي أعظم آية قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ومع ذلك تصحّ الصّلاة بدونها لكن هذه لها هذه المزيّة لأنّها قد جمعت معاني القرآن الكريم، نعم ومن أراد التّوسّع فيها فعليه بكتاب: " مدارج السّالكين " لابن القيّم رحمه الله فقد أتى فيه بالعجب العجاب حول تفسير هذه السّورة العظيمة.
نعم يقول: وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوّبه كان أي النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إذا ركع يعني حنى ظهره، نعم لم يشخص رأسه ولم يصوّبه، الإشخاص الرّفع والتّصويب التّنزيل، فهو لا يرفعه ولا ينزّله بل يجعله محاذيا لظهره، ثمّ كيف حال الظّهر؟ دلّت الأدلّة الأخرى على أنّه يسوّي ظهره تماما حتى لو صبّ الماء عليه لاستقرّ من شدّة تسوية الظّهر ولكن بين ذلك، المشار إليه؟
الطالب : الإشخاص.
الشيخ : الإشخاص والتّصويب،
ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع من الرّكوع لم يسجد حتى يستوي قائما ، إذا رفع من الرّكوع لم تذكر التّكبير أو التّسميع أو التّحميد لأنّها أرادت أن تتكلّم عن الأفعال التي هي أركان، نعم وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً يستوي أي يعتدل وقد مرّ علينا أنّه لا بدّ من إيش؟
الطالب : الطّمأنينة.
الشيخ : لا بدّ من الطّمأنينة، وكان إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالسا طيب ... الحديث إذا رفع من السّجدة أفاد أنّه يسجد بعد الرّفع من الرّكوع، فإذا سجد وقام لم يسجد الثانية حتّى يستوي جالسا
وكان يقول في كلّ ركعتين التّحيّة يعني في الفرائض كلّ ركعتين يقول فيها التّحيّة إن كانت ثنائيّة فجميع التّحيّات، وإن كانت ثلاثيّة أو رباعيّة فالرّكعتان الأوليان يقتصر فيهما على التّشهّد الأوّل، وقوله التّحيّة هذا من باب التّعبير بالبعض عن الكلّ والمراد؟
الطالب : التّحيّات.
الشيخ : جميع التّحيّات
وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى كان يفرش اليسرى يعني فيجلس عليها، وينصب اليمنى وقد أخرجها من جانبه الأيمن فيكون أصابع اليمنى إلى الأرض وظاهر اليسرى إيش؟ إلى الأرض ولم تفصّل رضي الله عنها لكن سبق في حديث أبي حميد التّفصيل وهو أنّه في التّشهّد الأخير إيش يعمل؟
الطالب : يتورّك.
الشيخ : يتورّك، نعم " وكان ينهى عن عقبة الشيطان " عقبة الشّيطان يعني جلسته على عقبيه وهل هو الإقعاء الذي ذكره ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان يفعله إذا جلس أو هو الإقعاء الذي كإقعاء الكلب؟ ظاهر الحديث أنّه الأوّل يعني عقبة أي العقب، عن عقبة الشّيطان وسيأتي إن شاء الله في الفوائد كيف نجمع بين هذا وبين حديث ابن عبّاس رضي الله عنه
وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وهذا في حال السّجود لأنّه لا يمكن أن يفترش الذّراعين إلاّ إذا سجد، لو أراد أن يفترش الذّراعين في الجلوس ما يمكن أو في القيام من باب أولى، إذن ينهى عن افتراش الذّراعين في حال السّجود
وقولها: افتراش السّبع من باب التّشبيه للتّقبيح لأنّه يكون كالسّبع والإنسان منهيّ عن التّشبّه بالحيوان فإنّه مكرّم عليه فكيف ينزل بنفسه إلى التّشبّه بالحيوان لا سيما وهو يناجي الله عزّ وجلّ في الصّلاة.
وكان يختم الصلاة بالتسليم يعني أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا انتهى من الصّلاة سلّم وأل في قولها بالتسليم يحتمل أن تكون لبيان الحقيقة ويحتمل أن تكون للعموم فإن قلنا إنّها لبيان الحقيقة صارت التّسليمة الواحدة كافية لأنّه يحصل بها التّسليم وإن قلنا إنّها للعهد صار المراد بالتّسليم إيش؟ التّسليمتين
قال: " أخرجه مسلم وله علّة " العلّة يقول " لأنّه من رواية أبي الجوزاء عن عائشة، قال ابن عبد البرّ هو مرسل أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة " وهو علّة أيضا لأنّ مسلما أخرجه من طريق الأوزاعي مكاتبة أمّا العلّة الأخرى فهي ليس علة لأنّ الصّواب جواز الرّواية بالمكاتبة أمّا الأوّل فينظر أيضا ينظر إلى ترجمة أبي الجوزاء هل سمع من عائشة أم لم يسمع وإن شاء الله يحقّق عند علي، نعود إلى الحديث، نعم؟
السائل : شيخ إذا لم يتمّ ...
الشيخ : إذا؟
السائل : إذا لم يتمّ استواء الظّهر في الرّكوع هل تصحّ صلاته؟
الشيخ : أي نعم، سيأتينا إن شاء الله في الفوائد أنّ هذا من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب، ذكرناها أنّه يجلس على عقبيه ناصبا قدميه وسيأتي إن شاء الله بعد هذا الجمع بينه وبين حديث ابن عبّاس، نعم؟
السائل : يا شيخ هل هذه المنهيّات في الصّلاة مأمور بها الرّجل والمرأة؟
الشيخ : لم نصل إليها، هذه بعد الفوائد، هاه؟
السائل : أسأل؟
الشيخ : طيب اسأل.
السائل : شيخ أثابكم الله.
الفتاوى المشابهة
- تتمة فوائد حديث عائشة قالت خسفت الشمس في عهد... - ابن عثيمين
- بيان مسألة القبض ووضع اليمنى على اليسرى على ال... - الالباني
- صفة صلاة النبي ﷺ بعد الرفع من الركوع - ابن باز
- قلت في كتابك " صفة صلاة الرسول - صلى الله عليه... - الالباني
- كيفية الوضوء والصلاة حتى التسليم - ابن باز
- تتمة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - ابن باز
- بيان كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من... - ابن عثيمين
- وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال : رأيت... - ابن عثيمين
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله... - ابن عثيمين
- فوائد حديث : ( عائشة رضي الله عنها قالت : كا... - ابن عثيمين
- تتمة شرح حديث : ( عائشة رضي الله عنها قالت :... - ابن عثيمين