صفة صلاة النبي ﷺ بعد الرفع من الركوع
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
السؤال:
شيخ عبد العزيز نبدأ هذه الحلقة لو تكرمتم بالعودة إلى إجابة أخينا آدم سمسم برينو السوداني؛ حيث سأل عن الكيفية الصحيحة للصلاة، وقد شرعتم جزاكم الله خيرًا، وبينتم الوصف الذي يحسن بالمسلم أن يسير عليه، ووصلتم إلى القيام من الركوع، فحبذا لو تفضلتم، وأكملتم ما بدأتم جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن تكلمنا على صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام تحقيقًا لما سأل عنه السائل المذكور، وانتهينا إلى ما كان يفعله ﷺ بعد رفعه من الركوع، وما كان يقوله عليه الصلاة والسلام، وانتهينا إلى أن المأموم إذا رفع يقول: ربنا ولك الحمد ولا يزيد سمع الله لمن حمده، هذا هو المختار، وهذا هو الأرجح، ويكمل على الحمد، فيقول: حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد -وكلنا لك عبد-: اللهم لا مانع لما أعطيت ولما معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، إن تيسر له ذلك، فإن كبر الإمام تابعه وترك البقية، لقول النبي ﷺ: وإذا ركع فاركعوا.
ثم بعد ذلك الإمام والمنفرد والمأموم إذا فرغوا من هذا القيام، ومن ذكر هذا القيام يخرون سجدًا، فيكبر كل منهم عند السجود، يقول: الله أكبر الإمام والمأموم والمنفرد عند السجود بعد القيام بعد الركوع، وذكر القيام الذي تقدم، بعد ذلك يخر الإمام ساجدًا، وهكذا المأموم وهكذا المنفرد، لكن المأموم يخر بعد إمامه فإذا انتهى إمامه وهو ساجد سجد بعده، قائلاً كل منهم: الله أكبر عند سجوده من دون رفع اليدين، ليس في هذا رفع يدين، بل يخر كل منهم ساجدًا من دون رفع اليدين، كما فعل عليه الصلاة والسلام.
ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى... كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، والواجب مرة واحدة، وهكذا في الركوع الواجب مرة، سبحان ربي العظيم، وإذا كرر ثلاثًا فهو أدنى الكمال ومستحب، وإن زاد خمسًا أو سبعًا أو عشرًا كله مستحب، والإمام يراعي عدم المشقة على الناس، والمأموم تبعًا لإمامه، والمنفرد لا حرج عليه في الزيادة التي لا تشق عليه ولا تسبب له نعاسًا أو أفكارًا لا تناسب.
ويستحب للإمام والمنفرد والمأموم أن يقولوا في السجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي كالركوع، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، قالت: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ويكثر من الدعاء أيضًا في السجود يقول عليه الصلاة والسلام: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم، يعني: حري أن يستجاب لكم.
ويقول عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، فيشرع للمؤمن والمؤمنة في السجود الإكثار من الدعاء، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، يدعو بما تيسر، ومن دعاء النبي ﷺ في ذلك: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره وعلانيته وسره، هذا من دعائه عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
ومن الدعاء الذي يحسن في هذا المقام، ما ثبت في الصحيحين عن الصديق أن النبي ﷺ علمه أن يقول في صلاته: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، هذا من أفضل الدعاء، في السجود بين السجدتين في آخر الصلاة، في غير الصلاة: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
الصديق سأل النبي ﷺ قال: يا رسول الله: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ -وفي رواية-: وفي بيتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، فإذا دعا بهذا في السجود أو بين السجدتين أو في آخر الصلاة فكله حسن.
ومن الدعاء أيضًا الحسن في هذا المقام: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، كان من دعاء النبي ﷺ في الجملة، كان هذا من دعائه المعروف -اللهم صل عليه وسلم-، وإذا دعا له الإنسان في السجود أو في آخر الصلاة، وهكذا في خارجها، فهو دعاء عظيم، والعبد في أشد الحاجة إليه: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، ويدعو الإنسان بما تيسر، سوى ما ذكر من الدعوات الطيبة حتى يرفع إمامه -إن كان مأموم- والإمام يدعو على وجه لا يشق على المأمومين والمنفرد كذلك.
والسنة للساجد: أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، يكون معتدلًا في السجود، ويرفع ذراعيه عن الأرض يعتمد على كفيه، يبسط كفه في الأرض ويمد أصابعه إلى جهة القبلة، ضامًا بعضها إلى بعض، رافعًا ذراعيه مفرجًا عضده عن جنبه، رافعًا بطنه عن فخذه، وفخذيه عن ساقيه، هكذا السنة، معتمدًا على بطون الأصابع -أصابع رجليه- مادًا للأصابع إلى جهة القبلة، هكذا كان يسجد عليه الصلاة والسلام.
والواجب عليه أن يسجد على الأعظم السبعة، يعني: على وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، هذا ركن لابد منه، لقول النبي ﷺ: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار إلى أنفه، واليدين والركبتين وأطراف القدمين، فلابد من هذا في السجود للرجل والمرأة، للإمام والمأموم والمنفرد جميعًا.
أما كيف ينحط إلى السجود، فقد جاء في هذا سنتان عن النبي ﷺ: إحداهما: أنه: ينحط على ركبتيه ثم يضع يديه ثم جبهته وأنفه في الأرض، هذا جاء من حديث وائل بن حجر عند أهل السنن بإسناد حسن، وله شاهد من حديث أنس، وله شاهد من حديث أبي هريرة في النوع الثاني.
والنوع الثاني: أنه ينحط على يديه أولًا، ثم ركبتيه بعد ذلك، وهذا جاء في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه، قال جماعة من العلماء ما معناه: أنه يبدأ بيديه؛ لأن البعير يبدأ بركبتيه وهي في يديه، هذه سنة وهذه سنة، ولا مشاحة في ذلك إن سجد على ركبتيه فحسن، وإن سجد على يديه فحسن، لمجيء الحديثين بذلك.
لكن الأظهر والأقرب: أن الأفضل السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل والأقرب، وهو المخالف لهيئة البعير، وهو الموافق لأول الحديث: لا يبرك كما يبرك البعير؛ فإن بروك البعير يبرك على يديه، فإذا قدم المؤمن يديه فقد شابه البعير، فالأفضل أن يقدم ركبتيه التي في رجليه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل وهذا أرجح السنتين.
وأما قوله في حديث أبي هريرة: وليضع يديه قبل ركبتيه، هذا صريح، لكن قال بعض أهل العلم: لعله وقع فيه انقلاب، وأن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه، فانقلب على بعض الرواة، وهو محتمل؛ لأن آخره، لا يوافق صدر الحديث العجز لا يوافق الصدر، فإن في الصدر لا يبرك كما يبرك البعير والبعير يبرك على يديه، وقوله: وليضع يديه قبل ركبتيه، ظاهره مخالفة صدر الحديث فيظهر من هذا أن الحديث فيه انقلاب، وهو أن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه، فيكون بهذا موافقًا لحديث وائل، وينتهي الخلاف والإشكال.
وبكل حال فالحمد لله الأمر واسع؛ إن سجد على ركبتيه كما دل عليه حديث وائل فحسن، وإن سجد على يديه فالأمر واسع في ذلك، والحمد لله.
ولا ينبغي في هذا المشاحة والمشاقة والنزاع، ولكن الأفضل والأرجح والأقرب: أنه يسجد على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته، وأنفه، على حديث وائل ، والأقرب والأظهر أن حديث أبي هريرة لا يخالف حديث وائل، ولكنه يوافقه في المعنى، ولكن حصل في عجزه انقلاب، ويظهر أن الحديث: "وليضع ركبتيه قبل يديه"، وبهذا يجتمع الحديثان، وهذا أظهر قولي العلماء في الموضوع.
ثم يرفع من السجود جالسًا على رجله اليسرى ناصبًا اليمنى بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني يدعو بما تيسر ومن ذلك: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني كما جاء في الأحاديث، يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، هذا هو الأفضل، وكيفما قعد أجزأ.
وإن جلس على عقبيه فرش رجليه وجلس على عقبيه فلا بأس، كما جاء في حديث ابن عباس: وهذا إقعاء لا بأس بالجلوس عليه، إقعاء خاص، وهو الجلوس على العقبين، ولكن الأفضل وهو الذي جاء في الأحاديث الكثيرة: أنه يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، هذا هو الأفضل ويضع يديه على فخذيه وأطرافها على ركبتيه يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني كيفما دعا بالمغفرة جاز، اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم اغفر لي وللمسلمين، اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا.. إلخ.
كان النبي ﷺ يطيل هذه الجلسة كما كان يطيل ما بعد الركوع عليه الصلاة والسلام، حتى يقول القائل: قد نسي، ولكن يلاحظ الإمام ألا يشق على الناس، لكن لا ينبغي أن يفعل مثل بعض الناس من جهة العجلة بعض الناس يعجل ولا يستقر، بعد الركوع، ولا بين السجدتين وهذا غلط.
المشروع أن يطمئن ولا يعجل بين السجدتين وبعد الركوع حال قيامه بعد الركوع اقتداءً بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وتأسيًا به عليه الصلاة والسلام، ثم يسجد الثانية قائلًا: الله أكبر، من دون رفع اليدين في السجود، فيسجد كما سجد في الأولى، ويضع يديه حيال منكبيه أو حيال أذنيه مادًا أصابعهما إلى القبلة ضامًا بعضها إلى بعض رافعًا بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، مجافيًا عضديه عن جنبيه كما تقدم، في هذه السجدة كالتي قبلها ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو بما تيسر في سجوده كما تقدم.
وناسب هنا: ربي الأعلى؛ لأنه حال خضوع وذل وتسفل حتى وضع وجهه على الأرض، فناسب أن يقول: سبحان ربي الأعلى، الذي فوق العرش فوق جميع الخلق، وهو فوق العرش، وعلمه في كل مكان وهو في جهة العلو عند أهل السنة والجماعة، فوق جميع الخلق، كما قال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، والله هو العلي العظيم، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12] يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158].
في آيات كثيرة كلها دالة على علوه فوق جميع الخلق فوق العرش، وأنه استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، والاستواء هو العلو والارتفاع، وعند أهل السنة أنه استواء يليق بالله لا يشابه الخلق في شيء من صفاته، كما قال : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
وفي الركوع يقول: سبحان ربي العظيم، لما كان الركوع حال ذل وخضوع، ناسب أن يقول: سبحان ربي العظيم، الذي هو أعظم شيء وهو العزيز وهو الجبار وهو العظيم وهو القدوس، فناسب في الركوع أن يقول: سبحان ربي العظيم تنزيهًا لربه عن الذل وأنه العزيز الذي لا أعز منه العظيم الذي لا أعظم منه.
وفي السجود يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأنه العالي فوق جميع الخلق .
ثم يرفع إلى الركعة الثانية، ويفعل كما فعل في الأولى كما تقدم، لكن ليس فيها استفتاح، الاستفتاح في الأولى فقط، أما هذه يرفع ثم يقرأ الفاتحة، يسمي الله ويقرأ الفاتحة، وإن تعوذ فلا بأس، والاستعاذة في الأولى كافية، لكن إن عاد للاستعاذة فلا بأس، ثم يسمي ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة أو آيات دون الأولى كما تقدم، وثم يركع كما ركع في الأول كما تقدم، ثم يجلس، ثم يسجد سجدتين كما تقدم.
ثم يجلس للتشهد الأول على رجله اليسرى ينصب اليمنى، مثل جلوسه بين السجدتين، ويقرأ التحيات، التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا بأس جاء هذا وهذا، جاء ذكر وحده لا شريك له، وجاء أحدها أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
فإن شاء رفع وإن صلى على النبي ﷺ فهو أفضل، يصلي على النبي ﷺ ثم يرفع، يقوم للثالثة؛ لأن الأحاديث عامة في الصلاة على النبي ﷺ، وبعض أهل العلم قال: يكتفي بالشهادة ويقوم، ولكن الأفضل أن يصلي على النبي ﷺ فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم يرفع قائلاً: الله أكبر، ويرفع يديه مثلما رفع عند الإحرام وعند الركوع، والرفع منه يرفع يديه قائلاً: الله أكبر إلى الثالثة، ثم بعد استتمامه قائمًا يقرأ الفاتحة وحدها ثم يركع كما فعل في السابق، ثم يسجد كما في السابق هكذا، وهكذا في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء وفي الثالثة من المغرب، يقرأ الفاتحة ويركع كما تقدم، ويقول في الركوع كما تقدم، ويرفع كما تقدم، ويقول في الرفع ما تقدم، ويسجد في السجود كما تقدم، ويقول في السجود كما تقدم سواءً بسواء.
لكن في الظهر والعصر والعشاء ركعتين بعد التشهد الأول، وفي المغرب ركعة واحدة، وفي الفجر الصلاة ركعتان فقط ليس فيها تشهد أول أو آخر، بل ليس فيها إلا تشهد واحد، الفجر والجمعة والعيد، والاستسقاء، كل منها ركعتان، ليس فيها إلا تشهد واحد يأتي بالتشهد ويصلي على النبي ﷺ ثم يدعو، وهكذا في التشهد الأخير في المغرب والعشاء والظهر والعصر، يأتي بالتحيات كما تقدم، ويصلي على النبي ﷺ كما تقدم ثم يدعو، يتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال كما جاء به الخبر عن النبي ﷺ أنه كان يفعل ذلك.
وجاء عنه ﷺ أنه أمر بذلك أيضًا فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، ويدعو بما أحب فيها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت اللهم أني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، كل هذا جاء عن النبي ﷺ في آخر الصلاة.
وعلم النبي ﷺ معاذًا أن يقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك قال: يا معاذ ! إني لأحبك، يقول له ﷺ: يا معاذ ! إني لأحبك، فلا تدعن أن تقولن دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، فيستحب هذا الدعاء، هذه الأدعية في آخر الصلاة لكل مصلي مأموم أو إمام أو منفرد رجل أو امرأة، هذا مشروع.
والواجب قراءة التحيات مع الصلاة على النبي ﷺ هذا هو الواجب هذا الفرض هذا الركن، وما زاد فهو سنة ومستحب وبعض أهل العلم أوجب التعوذ بالله من أربع، لكن الذي عليه جمهور أهل العلم أنها سنة، ولكن ينبغي ألا يدعها، ينبغي للمسلم وللمسلمة ألا يدع هذه التعوذات الأربع: اللهم! إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال؛ لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام أمر بها، وكان يفعلها بنفسه عليه الصلاة والسلام، ويقول: صلوا كما رأيتموني أصلي، فالأولى بالمؤمن وبالمؤمنة ألا يدع كل منهما هذه الدعوات الطيبة، ويدعو معها بما تيسر من الدعوات، ويداه على فخذيه، وأطرافه على ركبتيه، ويشير بالسبابة في التشهد الأول والثاني يرفع السبابة ويقبض الجميع إشارة إلى التوحيد، يقبض الجميع ويرفع السبابة، إشارة للتوحيد، وإن حلق الإبهام مع الوسطى، وقبض الخنصر والبنصر ورفع السبابة كله حسن، هذا سنة وهذا سنة، وعند الدعاء يحرك سبابته قليلاً عند الدعاء، هذا جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم يسلم عن يمينه وشماله تسليمتين، السلام عليكم ورحمة الله -هذا المحفوظ- السلام عليكم ورحمة الله، ورد في بعض الروايات: وبركاته، لكن اختلف العلماء في صحتها، فالأولى والأفضل أن يقتصر على السلام عليكم ورحمة الله فقط، هذا هو المحفوظ من حديث ابن مسعود ومن حديث جابر بن سمرة، وأحاديث أخرى فيها الدلالة على أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، يمينًا وشمالًا، يلتفت يمينًا وشمالًا، ويبالغ في السلام، يبالغ في الالتفات هذا هو الأفضل.
ثم يقول بعد السلام: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثلاث مرات، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثبت هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقوله إذا سلم.
ثم ينصرف إلى الناس ويعطيهم وجهه إذا كان إمامًا، وإذا أعطاهم وجهه يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، يقوله الإمام والمأموم والمنفرد، ويستحب للجميع أيضًا أن يأتوا بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين مرة (سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر) ثلاثًا وثلاثين مرة، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ويستحب مع هذا أن يقرأ آية الكرسي أيضًا بعد كل صلاة، وقل هو الله أحد والمعوذتين: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة، بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر.
وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يوفق جميع المسلمين للأخذ بالسنة، والاستقامة عليها والسير عليها، والتواصي بها إنه سميع قريب.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم.
شيخ عبد العزيز نبدأ هذه الحلقة لو تكرمتم بالعودة إلى إجابة أخينا آدم سمسم برينو السوداني؛ حيث سأل عن الكيفية الصحيحة للصلاة، وقد شرعتم جزاكم الله خيرًا، وبينتم الوصف الذي يحسن بالمسلم أن يسير عليه، ووصلتم إلى القيام من الركوع، فحبذا لو تفضلتم، وأكملتم ما بدأتم جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن تكلمنا على صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام تحقيقًا لما سأل عنه السائل المذكور، وانتهينا إلى ما كان يفعله ﷺ بعد رفعه من الركوع، وما كان يقوله عليه الصلاة والسلام، وانتهينا إلى أن المأموم إذا رفع يقول: ربنا ولك الحمد ولا يزيد سمع الله لمن حمده، هذا هو المختار، وهذا هو الأرجح، ويكمل على الحمد، فيقول: حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد -وكلنا لك عبد-: اللهم لا مانع لما أعطيت ولما معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، إن تيسر له ذلك، فإن كبر الإمام تابعه وترك البقية، لقول النبي ﷺ: وإذا ركع فاركعوا.
ثم بعد ذلك الإمام والمنفرد والمأموم إذا فرغوا من هذا القيام، ومن ذكر هذا القيام يخرون سجدًا، فيكبر كل منهم عند السجود، يقول: الله أكبر الإمام والمأموم والمنفرد عند السجود بعد القيام بعد الركوع، وذكر القيام الذي تقدم، بعد ذلك يخر الإمام ساجدًا، وهكذا المأموم وهكذا المنفرد، لكن المأموم يخر بعد إمامه فإذا انتهى إمامه وهو ساجد سجد بعده، قائلاً كل منهم: الله أكبر عند سجوده من دون رفع اليدين، ليس في هذا رفع يدين، بل يخر كل منهم ساجدًا من دون رفع اليدين، كما فعل عليه الصلاة والسلام.
ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى... كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، والواجب مرة واحدة، وهكذا في الركوع الواجب مرة، سبحان ربي العظيم، وإذا كرر ثلاثًا فهو أدنى الكمال ومستحب، وإن زاد خمسًا أو سبعًا أو عشرًا كله مستحب، والإمام يراعي عدم المشقة على الناس، والمأموم تبعًا لإمامه، والمنفرد لا حرج عليه في الزيادة التي لا تشق عليه ولا تسبب له نعاسًا أو أفكارًا لا تناسب.
ويستحب للإمام والمنفرد والمأموم أن يقولوا في السجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي كالركوع، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، قالت: كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ويكثر من الدعاء أيضًا في السجود يقول عليه الصلاة والسلام: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم، يعني: حري أن يستجاب لكم.
ويقول عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، فيشرع للمؤمن والمؤمنة في السجود الإكثار من الدعاء، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، يدعو بما تيسر، ومن دعاء النبي ﷺ في ذلك: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره وعلانيته وسره، هذا من دعائه عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
ومن الدعاء الذي يحسن في هذا المقام، ما ثبت في الصحيحين عن الصديق أن النبي ﷺ علمه أن يقول في صلاته: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، هذا من أفضل الدعاء، في السجود بين السجدتين في آخر الصلاة، في غير الصلاة: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
الصديق سأل النبي ﷺ قال: يا رسول الله: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ -وفي رواية-: وفي بيتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، فإذا دعا بهذا في السجود أو بين السجدتين أو في آخر الصلاة فكله حسن.
ومن الدعاء أيضًا الحسن في هذا المقام: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، كان من دعاء النبي ﷺ في الجملة، كان هذا من دعائه المعروف -اللهم صل عليه وسلم-، وإذا دعا له الإنسان في السجود أو في آخر الصلاة، وهكذا في خارجها، فهو دعاء عظيم، والعبد في أشد الحاجة إليه: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، ويدعو الإنسان بما تيسر، سوى ما ذكر من الدعوات الطيبة حتى يرفع إمامه -إن كان مأموم- والإمام يدعو على وجه لا يشق على المأمومين والمنفرد كذلك.
والسنة للساجد: أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، يكون معتدلًا في السجود، ويرفع ذراعيه عن الأرض يعتمد على كفيه، يبسط كفه في الأرض ويمد أصابعه إلى جهة القبلة، ضامًا بعضها إلى بعض، رافعًا ذراعيه مفرجًا عضده عن جنبه، رافعًا بطنه عن فخذه، وفخذيه عن ساقيه، هكذا السنة، معتمدًا على بطون الأصابع -أصابع رجليه- مادًا للأصابع إلى جهة القبلة، هكذا كان يسجد عليه الصلاة والسلام.
والواجب عليه أن يسجد على الأعظم السبعة، يعني: على وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، هذا ركن لابد منه، لقول النبي ﷺ: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار إلى أنفه، واليدين والركبتين وأطراف القدمين، فلابد من هذا في السجود للرجل والمرأة، للإمام والمأموم والمنفرد جميعًا.
أما كيف ينحط إلى السجود، فقد جاء في هذا سنتان عن النبي ﷺ: إحداهما: أنه: ينحط على ركبتيه ثم يضع يديه ثم جبهته وأنفه في الأرض، هذا جاء من حديث وائل بن حجر عند أهل السنن بإسناد حسن، وله شاهد من حديث أنس، وله شاهد من حديث أبي هريرة في النوع الثاني.
والنوع الثاني: أنه ينحط على يديه أولًا، ثم ركبتيه بعد ذلك، وهذا جاء في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه، قال جماعة من العلماء ما معناه: أنه يبدأ بيديه؛ لأن البعير يبدأ بركبتيه وهي في يديه، هذه سنة وهذه سنة، ولا مشاحة في ذلك إن سجد على ركبتيه فحسن، وإن سجد على يديه فحسن، لمجيء الحديثين بذلك.
لكن الأظهر والأقرب: أن الأفضل السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل والأقرب، وهو المخالف لهيئة البعير، وهو الموافق لأول الحديث: لا يبرك كما يبرك البعير؛ فإن بروك البعير يبرك على يديه، فإذا قدم المؤمن يديه فقد شابه البعير، فالأفضل أن يقدم ركبتيه التي في رجليه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل وهذا أرجح السنتين.
وأما قوله في حديث أبي هريرة: وليضع يديه قبل ركبتيه، هذا صريح، لكن قال بعض أهل العلم: لعله وقع فيه انقلاب، وأن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه، فانقلب على بعض الرواة، وهو محتمل؛ لأن آخره، لا يوافق صدر الحديث العجز لا يوافق الصدر، فإن في الصدر لا يبرك كما يبرك البعير والبعير يبرك على يديه، وقوله: وليضع يديه قبل ركبتيه، ظاهره مخالفة صدر الحديث فيظهر من هذا أن الحديث فيه انقلاب، وهو أن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه، فيكون بهذا موافقًا لحديث وائل، وينتهي الخلاف والإشكال.
وبكل حال فالحمد لله الأمر واسع؛ إن سجد على ركبتيه كما دل عليه حديث وائل فحسن، وإن سجد على يديه فالأمر واسع في ذلك، والحمد لله.
ولا ينبغي في هذا المشاحة والمشاقة والنزاع، ولكن الأفضل والأرجح والأقرب: أنه يسجد على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته، وأنفه، على حديث وائل ، والأقرب والأظهر أن حديث أبي هريرة لا يخالف حديث وائل، ولكنه يوافقه في المعنى، ولكن حصل في عجزه انقلاب، ويظهر أن الحديث: "وليضع ركبتيه قبل يديه"، وبهذا يجتمع الحديثان، وهذا أظهر قولي العلماء في الموضوع.
ثم يرفع من السجود جالسًا على رجله اليسرى ناصبًا اليمنى بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني يدعو بما تيسر ومن ذلك: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني كما جاء في الأحاديث، يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، هذا هو الأفضل، وكيفما قعد أجزأ.
وإن جلس على عقبيه فرش رجليه وجلس على عقبيه فلا بأس، كما جاء في حديث ابن عباس: وهذا إقعاء لا بأس بالجلوس عليه، إقعاء خاص، وهو الجلوس على العقبين، ولكن الأفضل وهو الذي جاء في الأحاديث الكثيرة: أنه يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، هذا هو الأفضل ويضع يديه على فخذيه وأطرافها على ركبتيه يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني كيفما دعا بالمغفرة جاز، اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم اغفر لي وللمسلمين، اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا.. إلخ.
كان النبي ﷺ يطيل هذه الجلسة كما كان يطيل ما بعد الركوع عليه الصلاة والسلام، حتى يقول القائل: قد نسي، ولكن يلاحظ الإمام ألا يشق على الناس، لكن لا ينبغي أن يفعل مثل بعض الناس من جهة العجلة بعض الناس يعجل ولا يستقر، بعد الركوع، ولا بين السجدتين وهذا غلط.
المشروع أن يطمئن ولا يعجل بين السجدتين وبعد الركوع حال قيامه بعد الركوع اقتداءً بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وتأسيًا به عليه الصلاة والسلام، ثم يسجد الثانية قائلًا: الله أكبر، من دون رفع اليدين في السجود، فيسجد كما سجد في الأولى، ويضع يديه حيال منكبيه أو حيال أذنيه مادًا أصابعهما إلى القبلة ضامًا بعضها إلى بعض رافعًا بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، مجافيًا عضديه عن جنبيه كما تقدم، في هذه السجدة كالتي قبلها ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو بما تيسر في سجوده كما تقدم.
وناسب هنا: ربي الأعلى؛ لأنه حال خضوع وذل وتسفل حتى وضع وجهه على الأرض، فناسب أن يقول: سبحان ربي الأعلى، الذي فوق العرش فوق جميع الخلق، وهو فوق العرش، وعلمه في كل مكان وهو في جهة العلو عند أهل السنة والجماعة، فوق جميع الخلق، كما قال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، والله هو العلي العظيم، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12] يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55]، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158].
في آيات كثيرة كلها دالة على علوه فوق جميع الخلق فوق العرش، وأنه استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، والاستواء هو العلو والارتفاع، وعند أهل السنة أنه استواء يليق بالله لا يشابه الخلق في شيء من صفاته، كما قال : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
وفي الركوع يقول: سبحان ربي العظيم، لما كان الركوع حال ذل وخضوع، ناسب أن يقول: سبحان ربي العظيم، الذي هو أعظم شيء وهو العزيز وهو الجبار وهو العظيم وهو القدوس، فناسب في الركوع أن يقول: سبحان ربي العظيم تنزيهًا لربه عن الذل وأنه العزيز الذي لا أعز منه العظيم الذي لا أعظم منه.
وفي السجود يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأنه العالي فوق جميع الخلق .
ثم يرفع إلى الركعة الثانية، ويفعل كما فعل في الأولى كما تقدم، لكن ليس فيها استفتاح، الاستفتاح في الأولى فقط، أما هذه يرفع ثم يقرأ الفاتحة، يسمي الله ويقرأ الفاتحة، وإن تعوذ فلا بأس، والاستعاذة في الأولى كافية، لكن إن عاد للاستعاذة فلا بأس، ثم يسمي ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة أو آيات دون الأولى كما تقدم، وثم يركع كما ركع في الأول كما تقدم، ثم يجلس، ثم يسجد سجدتين كما تقدم.
ثم يجلس للتشهد الأول على رجله اليسرى ينصب اليمنى، مثل جلوسه بين السجدتين، ويقرأ التحيات، التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا بأس جاء هذا وهذا، جاء ذكر وحده لا شريك له، وجاء أحدها أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
فإن شاء رفع وإن صلى على النبي ﷺ فهو أفضل، يصلي على النبي ﷺ ثم يرفع، يقوم للثالثة؛ لأن الأحاديث عامة في الصلاة على النبي ﷺ، وبعض أهل العلم قال: يكتفي بالشهادة ويقوم، ولكن الأفضل أن يصلي على النبي ﷺ فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم يرفع قائلاً: الله أكبر، ويرفع يديه مثلما رفع عند الإحرام وعند الركوع، والرفع منه يرفع يديه قائلاً: الله أكبر إلى الثالثة، ثم بعد استتمامه قائمًا يقرأ الفاتحة وحدها ثم يركع كما فعل في السابق، ثم يسجد كما في السابق هكذا، وهكذا في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء وفي الثالثة من المغرب، يقرأ الفاتحة ويركع كما تقدم، ويقول في الركوع كما تقدم، ويرفع كما تقدم، ويقول في الرفع ما تقدم، ويسجد في السجود كما تقدم، ويقول في السجود كما تقدم سواءً بسواء.
لكن في الظهر والعصر والعشاء ركعتين بعد التشهد الأول، وفي المغرب ركعة واحدة، وفي الفجر الصلاة ركعتان فقط ليس فيها تشهد أول أو آخر، بل ليس فيها إلا تشهد واحد، الفجر والجمعة والعيد، والاستسقاء، كل منها ركعتان، ليس فيها إلا تشهد واحد يأتي بالتشهد ويصلي على النبي ﷺ ثم يدعو، وهكذا في التشهد الأخير في المغرب والعشاء والظهر والعصر، يأتي بالتحيات كما تقدم، ويصلي على النبي ﷺ كما تقدم ثم يدعو، يتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال كما جاء به الخبر عن النبي ﷺ أنه كان يفعل ذلك.
وجاء عنه ﷺ أنه أمر بذلك أيضًا فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، ويدعو بما أحب فيها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت اللهم أني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، كل هذا جاء عن النبي ﷺ في آخر الصلاة.
وعلم النبي ﷺ معاذًا أن يقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك قال: يا معاذ ! إني لأحبك، يقول له ﷺ: يا معاذ ! إني لأحبك، فلا تدعن أن تقولن دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، فيستحب هذا الدعاء، هذه الأدعية في آخر الصلاة لكل مصلي مأموم أو إمام أو منفرد رجل أو امرأة، هذا مشروع.
والواجب قراءة التحيات مع الصلاة على النبي ﷺ هذا هو الواجب هذا الفرض هذا الركن، وما زاد فهو سنة ومستحب وبعض أهل العلم أوجب التعوذ بالله من أربع، لكن الذي عليه جمهور أهل العلم أنها سنة، ولكن ينبغي ألا يدعها، ينبغي للمسلم وللمسلمة ألا يدع هذه التعوذات الأربع: اللهم! إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال؛ لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام أمر بها، وكان يفعلها بنفسه عليه الصلاة والسلام، ويقول: صلوا كما رأيتموني أصلي، فالأولى بالمؤمن وبالمؤمنة ألا يدع كل منهما هذه الدعوات الطيبة، ويدعو معها بما تيسر من الدعوات، ويداه على فخذيه، وأطرافه على ركبتيه، ويشير بالسبابة في التشهد الأول والثاني يرفع السبابة ويقبض الجميع إشارة إلى التوحيد، يقبض الجميع ويرفع السبابة، إشارة للتوحيد، وإن حلق الإبهام مع الوسطى، وقبض الخنصر والبنصر ورفع السبابة كله حسن، هذا سنة وهذا سنة، وعند الدعاء يحرك سبابته قليلاً عند الدعاء، هذا جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم يسلم عن يمينه وشماله تسليمتين، السلام عليكم ورحمة الله -هذا المحفوظ- السلام عليكم ورحمة الله، ورد في بعض الروايات: وبركاته، لكن اختلف العلماء في صحتها، فالأولى والأفضل أن يقتصر على السلام عليكم ورحمة الله فقط، هذا هو المحفوظ من حديث ابن مسعود ومن حديث جابر بن سمرة، وأحاديث أخرى فيها الدلالة على أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، يمينًا وشمالًا، يلتفت يمينًا وشمالًا، ويبالغ في السلام، يبالغ في الالتفات هذا هو الأفضل.
ثم يقول بعد السلام: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثلاث مرات، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثبت هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقوله إذا سلم.
ثم ينصرف إلى الناس ويعطيهم وجهه إذا كان إمامًا، وإذا أعطاهم وجهه يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، يقوله الإمام والمأموم والمنفرد، ويستحب للجميع أيضًا أن يأتوا بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين مرة (سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر) ثلاثًا وثلاثين مرة، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ويستحب مع هذا أن يقرأ آية الكرسي أيضًا بعد كل صلاة، وقل هو الله أحد والمعوذتين: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة، بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر.
وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يوفق جميع المسلمين للأخذ بالسنة، والاستقامة عليها والسير عليها، والتواصي بها إنه سميع قريب.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم.
الفتاوى المشابهة
- أفضلية الضم بعد الرفع من الركوع - ابن باز
- حكم ضم اليدين بعد الرفع من الركوع - ابن باز
- حكم ضم اليدين بعد الرفع من الركوع - ابن باز
- ما صفة صلاة النبي ﷺ؟ - ابن باز
- ما حكم من نصحناه برفع اليدين قبل الركوع وبعد... - ابن عثيمين
- وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع - الفوزان
- الكلام على الركوع والرفع منه وصفتها وما يقال... - ابن عثيمين
- صفات ما يقال بعد الرفع من الركوع. - ابن عثيمين
- تتمة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - ابن باز
- ما يقول إذا رفع من الركوع - اللجنة الدائمة
- صفة صلاة النبي ﷺ بعد الرفع من الركوع - ابن باز