تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد حديث :( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد م... - ابن عثيمينالشيخ : من فوائد الحديث : أولا : ثبوت الخيار للمتبايعين ما داما لم يتفرقا ، لقوله صلى الله عليه وسلم :  فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا  . والثاني م...
العالم
طريقة البحث
فوائد حديث :( إذا تبايع الرجلان ، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً .... ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : من فوائد الحديث :
أولا : ثبوت الخيار للمتبايعين ما داما لم يتفرقا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا .
والثاني من فوائده أيضًا : مراعاة الشرع لأحوال الناس ، لأن هذا الخيار الذي جعل للمتبايعين إنما جعل رفقا بهما ، فإن الإنسان إذا لم تكن السلعة عنده فهي غالية في نفسه ، تجده حريصًا على أن يملكها ، فإذا ملكها فربما ترخص في نفسه ويختار ألا يتملكها ، وهذا شيء معلوم ، ولهذا يقال : " أحب شيء إلى الإنسان ما منع " ، فهي لما كانت في ملك غيره يجد نفسه متعلقة بها فإذا ملكها هانت عنده ، فجعل الشارع له الخيار ولكنه لم يجعله خيارا مطلقا ، لأنه لو جعله خيارا مطلقا لزم يكون العقد اللازم عقدا جائزا ، وإن جعله -أي : الخيار- إلى مدة غير معلومة بل هي منوطة بتشهي كل واحد صار الخيار مجهولا ، فلهذا جعله الشارع لمدة معينة تَجعل للإنسان حرية بعض الشيء ، ولا تُذهب لزوم العقد ولا توقع العقد في جهالة .
فالمسألة إما أن يقال : لا خيار مطلقا ، أو بثبوت الخيار مطلقا ، أو بثبوته ما داما راضيين به ، أو بثبوته ما داما في المجلس .
فالأحوال أربعة : فإذا قلنا : لا خيار لزم من ذلك التضييق على الناس وألا يعطوا فسحة يتروى فيها الإنسان ، وإذا جعلنا الخيار مطلقا لزم أن يكون العقد اللازم جائزا ، وإن قلنا : لهما الخيار إلى أن يرضيا صار الأجل مجهولا ، وإن جعلنا الخيار إلى مدة التفرق أعطيناهما بعض الحرية بدون جهالة ، وبدون ضرر .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : جواز قطع هذا الخيار منهما أو من أحدهما لقوله : أو يخير أحدهما الآخر ، أما من أحدهما فواضح لقوله : أو يخبر أحدهما الآخر ، وأما منهما ، فلأنه إذا جاز في حق أحدهما جاز في حق الآخر ، لأن الحق لهما فإذا أسقطاه وتبايعا على أن لا خيار بينهما بأن قال : بعتك هذا البيت بمئة ألف درهم على أن لا خيار لواحد منا ، هذا بيع على أن لا خيار .
أو يقول : بعتك بيتي بمئة ألف درهم ثم في أثناء المجلس يقول : لنتفق على قطع الخيار ، فإذا اتفقا انقطع الخيار ، وإن أبى أحدهما وقطعه الآخر فالحق له لقوله : أو يخير أحدهما الآخر .
ومن فوائد الحديث : جواز مد الخيار إلى ما بعد التفرق ، يؤخذ من الاحتمال الثاني في قوله : أو يخير أحدهما الآخر ، لأنه صالح للأمرين .
فإن قلت : كيف يكون صالحاً لأمرين متضادين ، الأول في قطع الخيار ، والثاني في مده ؟ !
قلنا : لأن النصوص العامة تدل على جواز الشروط بين المتعاقدين ما لم تخالف الشرع ، وهنا لا مخالفة للشرع .
ومن فوائد الحديث : أن الحق الخاص لآدمي يجوز له إسقاطه لقوله : أو يخير أحدهما الآخر ، فإذا كان الحق حقا محضًا للآدمي فله أن يسقطه ، لأنه لا أحد يطالبه في إثباته .
ومن فوائد الحديث : أن البيع من العقود اللازمة لقوله : فقد وجب البيع ، وكونه من العقود اللازمة هو الموافق لمصالح العباد ، لأنه لو كان البيع من العقود الجائزة ما تمكن أحد أن يتصرف فيما انتقل إليه من العوض على وجه تطمئن إليه نفسه ، لأنه يخشى في كل لحظة أن يقول الآخر : قد فسخت البيع ، فلهذا كان من المصلحة لعباد الله أن يكون عقد البيع من العقود اللازمة لكلٍ من الطرفين .
ومن فوائد الحديث : جواز إسقاط الإنسان ما هو حق له ، وإن لم يرض الآخر ، لقوله : ولم يترك واحد منهما البيع ، فإذا قال البائع مثلا للمشتري لما قال اخترت فسخ العقد ، قال : لا يمكن ، لأن هذا يضر بالسلعة ويهدم مستقبلها .
فجوابه أن يقول له : هذا حق جعله الشارع لي ، ولا يمكن أن تمنعني إياه . ولكن يجب أن نعلم أنه متى قصد المختار إضرار صاحبه كان ذلك حراماً عليه ، وإن كنا نحكم له بظاهر الحال ، لكنه حرام عليه ، لو أنه سامها ثم سامها ثم سامها حتى انتهى السوم إليه ثم باعه عليه ، وكان من نيته أن يفسخ البيع من أجل أن ينزل قيمة السلعة في نفوس الناس ، فإن ذلك حرام عليه ، لأنه إضرار بأخيه ، لكن إذا كان فسخه البيع عن رغبة لا عن قصد الإضرار فإن هذا حق له ، له أن يفعل ولو تضرر صاحبه ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع .
واعلم أن الناس اختلفوا في هذا الحديث اختلافا عظيماً ، والحقيقة أنه اختلاف لا طائل تحته ، وأن من تأمل الحديث وما يتضمنه من المعاني الجليلة وجد أنه لا يخالف القاعدة ، ولا يخالف القياس ، وأنه هو مقتضى القياس والنظر الصحيح ، وأن المراد بالتفرق هو التفرق بالبدن ، وليس التفرق بالقول ، وأن دعوى أنه التفرق بالقول وأن البيع يلزم بمجرد الإيجاب والقبول قول ضعيف جدًا ، وابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث كان إذا باع عليه أحدٌ شيئًا قام من المجلس وفارق المجلس لئلا يستقيل ، أو لئلا يفسخ البائع ، وهذا يدل على أن المراد بالافتراق هنا : المراد به افتراق الأبدان ، ولا حاجة إلى التكلف الذي ذهب إليه من زعم أنه ليس في البيع خيار مجلس .

Webiste