تم نسخ النصتم نسخ العنوان
التعليق على تفسير الجلالين : (( لا جرم )) حق... - ابن عثيمين لا جرم أن ما تدعونني إليه  وهو الكفر بالله والإشراك به  ليس له دعوة  أي ليس له استجابة دعوة  في الدنيا ولا في الآخرة  ولا جرم أيضا  أن مردنا إلى الله و...
العالم
طريقة البحث
التعليق على تفسير الجلالين : (( لا جرم )) حقا (( أنما تدعونني إليه )) لأعبده (( ليس له دعوة )) أي استجابة دعوة (( في الدنيا ولا في الأخرة وأن مردنا )) مرجعنا (( إلى الله وأن المسرفين )) الكافرين (( هم أصحاب النار )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
لا جرم أن ما تدعونني إليه وهو الكفر بالله والإشراك به ليس له دعوة أي ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ولا جرم أيضا أن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار .
قال المفسر: " لا جرم حقا " يعني أن معنى لا جرم حق، وعلى هذا فتكون لا زائدة، وجرم بمعنى حقا، وهذا ما ذهب إليه المؤلف، والمعربون اختلفوا فيها، والصواب في إعرابها أن لا نافية للجنس، وجرم اسمها، ومعنى جرم أي لا شك أو لابد، هذا هو الصواب، والتركيب واضح، ولا يحتاج أن يقدر أن لا زائدة، وجرم بمعنى قطع، وأن مصير الجملة إلى أن تكون مصدرا لعامل محذوف يعني: أحق حقا أن ما تدعون إليه، لا حاجة لهذا، إذا قلنا: لا شك أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، زال الإشكال.
وعلى هذا فتكون جرم اسم لا، وأن ما وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر لا وانتهى الموضوع، والمعنى يقول: لا شك ولا ارتياب أن الذي تدعونني إليه ليس له دعوة.
وقوله: أنما تدعونني إليه مكتوبة عندي مربوطة أي ما مربوطة بـ أن وحسب القواعد المعروفة أن تكون مفصولة، لأن المعنى لا جرم أن الذي تدعونني إليه، وإذا كانت ما موصولة فإنها تفصل عن أن كتابة، لكن رسم المصحف تمشى فيه العلماء على الرسم العثماني، احتراما للقرآن أن يغير. ولهذا تجدون الصلاة في المصحف مكتوبة بالواو، والزكاة بالواو، والربا بالواو، وإن رحمت الله قريب من المحسنين بالتاء المفتوحة، كل هذا إتباعا للرسم العثماني، احتراما لكتاب الله أن يدخله التغيير.
وقد اختلف العلماء هل يكتب القرآن حسب القواعد وفي كل وقت بحسبه، أو على الرسم العثماني ؟
فقيل أنه يجوز أن يكتب على القواعد في كل وقت بحسبه، لأن المقصود أن يتلى كتاب الله على حسب ما نزل لا على حسب ما كتب، والقرآن نزل مقروء، إذا الكتابة ما هي إلا اصطلاحات تخضع لأعراف الناس.
والقول الثاني أنه لا يجوز أن يغير أبدا، سدا للباب، ومنعا للتغيير، حتى لا يجزئ أحد أن يغير في كتاب الله عز وجل، وهذا لا شك أنه يرمي إلى قوة احترامنا للقرآن الكريم، والأول يرمي إلى قوة إيصال القرآن إلى الناس على وجه لا إشكال فيه.
والقول الثالث: أنك إن كتبته للدارسين المبتدئين فلا بأس أن تكتبه حسب القواعد المعروفة، لأن الدارسين المبتدأين لا يعرفونه، وأما إذا كنت تريد أن تكتبه ليقرأ فهذا يكتب على حسب الرسم العثماني. والظاهر أن هذا القول المفصل أرجح الأقوال الثلاثة.
لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة أن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وما: اسمها، وليس له دعوة: خبرها الجملة.
يقول: " أنما تدعونني إليه لأعبده " ولكن هذا التفسير قاصر، الذي دعوه إليه أن يكفر بالله ويشرك به، هم دعوه إلى أمرين، والمؤلف قصره على أمر واحد وهو عبادة غير الله، وهذا إشراك.
" ليس له دعوة أي ليس له استجابة دعوة " والصواب أنه ليس له دعوة يدعى بها ولا دعوة يجيبها، فمعنى: ليس له دعوة يعني لا يستحق أن يدعى، وهو أيضا لا يستجيب إذا دعي، كما قال الله تعالى: والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا فرضا ما استجابوا لكم زد على ذلك أنكم تريدون أن ينفعوكم في الآخرة والأمر ليس كذلك ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير وهذه الآية كقوله تعالى : ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة هذا الذي تدعوه لا يمكن أن يستجيب لك إلى يوم القيامة أبدا.
وهم عن دعائهم غافلون هم: يجوز أن يكون المدعوون ويجوز أن يكون الداعون، والهاء في دعاءهم يجوز عودها لهذا وهذا حسب الضمير السابق وإذا حشر الناس وهو الوقت الذي يريد هؤلاء الداعون أن ينتفعوا بالمدعوين وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين لأن الله يقول : إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب أي المودة والمحبة التي كانوا يضمرونها لهم في الدنيا وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرئوا منا طيب.
على كل حال ليس له دعوة المؤلف يقول: " ليس له دعوة مستجابة " يعني لا يستجيب الدعوة، والصواب أن لها معنيين: لا يستجيب ولا يستحق، فهو لا يستحق أن يدعى ولو دعي لم يستجب.
ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة نعم لا يستطيع هذا في الدنيا ولا في الآخرة، فالأصنام لا تنفع عابديها لا في الدنيا ولا في الآخرة قال: وأن مردنا إلى الله ذكرهم بالحساب رحمه الله وجزاه خيرا.
" وأن مردنا أي مرجعنا إلى الله " عز وجل في الدنيا والآخرة، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول فالمرد هو الله في الدنيا وفي الآخرة وأن المسرفين هم أصحاب النار يعني: ولا جرم أيضا أن المسرفين هم أصحاب النار، فهذه ثلاثة أشياء كلها جزم بها جزما:
أولا: أن ما تدعونه إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، والثاني: أن مردنا إلى الله، والثالث: أن المسرفين هم أصحاب النار.
المسرف اسم فاعل من الإسراف وهو تجاوز الحد، ويكون كفرا ويكون دون الكفر، فالإنسان الذي يملأ بطنه من الطعام والشراب مسرف لكنه ليس بكافر، لأن الله قال: كلوا واشربوا ولا تسرفوا وكذلك الإسراف اللباس وغيره لا يؤدي إلى الكفر، لكن الإسراف في عبادة الله بأن تتجاوز عبادة الله إلى عبادة غيره هذا هو الكفر، وهذا هو مراد هذا الرجل المؤمن.
وأن المسرفين هم أصحاب النار هم: ضمير فصل، وقد سبق لنا أن ضمير الفصل من حيث الإعراب لا محل له من الإعراب، فلا يؤثر فيما قبله، ولا يؤثر فيه ما قبله، وسبق لنا أن لضمير الفصل فوائد:
التوكيد والحصر وتمييز الخبر عن الصفة، وضربنا لذلك مثلا.

Webiste