التعليق على تفسير الجلالين : (( إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم )) أي مقبلين عليهم ومدبرين عنهم فكفروا كما سيأتي ، والإهلاك في زمنه فقط (( أ )) ن أي بأن (( لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل )) علينا (( ملائكة فإنا بما أرسلتم به )) على زعمكم (( كافرون )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم إلى آخره إذ هذه ظرْف للتعليل يعني عن تعليل الصاعقة التي أهلكتهم سبب ذلك أنَّ الرسل جاءتهم من بين أيديهم ومن خلفهم قال المفَسِّر: " أي مُقْبِلين عليهم ومدبرين عنهم فكفَروا كما سيأتي والإهلاك في زمنه فقط " نعم إذ جاءتهم الرسل مِن بين أيديهم ومن خلفهم قوله: من بين أيديهم ومن خلفهم يقول المؤلف: " أي مقبلين عليهم ومدبرين عنهم " يعني تارة يقبلون فيَدْعون وتارة يدْبرون فيهَدِّدُون إذا لم يؤمنوا، ويحتمِل أن يكون المراد من بين أيديهم ومن خلفهم أي أتَوْهم بالآيات الماضية والآيات المستقبَلة فلم يقَصِّروا في بيان الحق بل جاءوا ببيان الحق مِن كلِّ وجه، وقوله: " فكفروا " هذا هو المقصود مِن الإنذار أنهم كفروا فأُهْلِكوا ولهذا قال: " والإهلاك في زمنِه فقط " أي في زمن الكفر وليس في زمن المجيء، لأنَّ الرسل جاءت أولًا ثم دعت ودعت فلما أصروا على كفرهم أُهلِكُوا، " أن أي بأن لا تعبدوا إلا الله " أفادنا المؤلف رحمه الله أنَّ أن هنا مصدرية والتقدير: بألا تعبدوا. أي جاءتهم بعدم عبادة غير الله، ويحتمل أن تكون أن تفسيرية لأنه سبقَها معنى القول دون حروفِه لأنَّ مجيء الرسل جاءوا بكلام ووحْي يتكلَّمون به ففيه معنى القول دون حروفه، وكلما جاءت أن بعد ما فيه معنى القول دون حروفه فإنهم يسمونها تفسيرية مثل قوله تعالى: وأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا أوحينا أن اصنع الفلك وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي فـأن هنا تفسيرية فكلما جاءت أن بعد ما تضمن معنى القول دون حروفه فإنها تكون تفسيرية يا أسامة، إذًا أن هنا يحتمل أن تكون مصدرية كما مشى عليه المفسر، وأن تكون تفسيرية، ينبني على هذا الخلاف كيف نعرِب لا؟ إن أعربنا أن مصدرية فـلا نافية والفعل منصوب بـأن، وإن أعربناها تفسيرية فـلا ناهية والفعل مجزوم بـلا فإعراب تعبدوا إذًا يتنَزَّل على الخلاف في أن قل يا أخ! إذا جعلناها تفسيرية يكون الفعل مجزومًا بماذا؟ كيف تعرب الفعل إذا كانت أن تفسيرية؟ ... أحسنت فعل مضارع مجزوم بـلا الناهية، وإذا أعربنا أن مصدرية زكي؟ منصوبة بـأن تمام، وتكون على هذا لا نافية بالفاء وعلى الأول تكون ناهية، ألا تعبدوا إلا الله قالوا إلى آخره لا تعبدوا إلا الله هو معنى قول لا إله إلا الله، لأن لا إله بمعنى لا معبود حقٌّ إلا الله وهذا يقول: لا تعبدوا إلا الله فهي بمعنى لا إله إلا الله، وهي بمعنى قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ومتى حقَّقَ الإنسان هذه الكلمة لا إله إلا الله فلا بدَّ أن يقومَ بطاعة الله لا بد، ما دمت تشهد بأنَّه لا إله إلا الله فلا بد أن تتَّخِذَ الوسائل التي تُوصِلك إلى هذا الإله الذي شهدتَّ أنه لا إلهَ سواه، قالوا الفاعل من؟ قومُ عادٍ وثمود " قالوا لو شاء ربنا لَأنزل علينا ملائكة فإنَّا بما أرسلْتم به على زعمِكم كافرون "هذا الجواب، جواب في غاية السقوط: لو شاء ربنا أن نهتدي وألا نعبدَ إلا الله لأنزل ملائكة، وعلى هذا التقدير الذي قلت لكم يكون مفعول شاء محذوفًا أي: لو شاء ربنا ألا نعبدَ إلا إياه لأنزل ملائكة، انتبه فـلو شرطية وشاء فعل الشرط وجواب الشرط لأنزل ملائكة ومفعول شاء محذوف التقدير: لو شاء ألا نعبد إلا إياه لأنزل ملائكة. هذه الحجة حُجَّة باطلة، لأنَّ المرسَل إليهم هل هم ملائكة أو بشر؟ بشر ما في إشكال فكيف يُنْزِلُ الله ملائكةً على بشر؟ ثم إنَّ الله قال في جواب هذا: ولو أنزلْنا ملكًا لجعلناه رجلًا [كذا] يعني بصورة رجل، لا يمكن أن ينزِل ملكًا بصورة الـمَلك على بشر، لو فُرِض أنَّ الله أنزل ملكًا لجعله بصورة البشر وحينئذ تعود الشبهة ولَلَبَسْنَا عليهم ما يلْبِسُون أرأيتم لو أرسلَ الله إلى بني آدم جبريل وله ستمائة جناح قد سدَّ الأفق يتطَابق هذا مع الناس؟ أبدًا بل يهرَبُون منه ولا يقفون أمامه فإذا كان كذلك بطلت هذه الحجة، لأننا نقول لهؤلاء ولِمَن قال مثل قولهم: لو أنزل الله ملكًا لجعله رجلًا وحينئذ تعود الشبهة، طيب إذًا الحجة باطلة لأنزل ملائكة وقوله: لو شاء ربنا لأنزل -علينا- ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون الفاء هنا للتفريع أي: فبناءً على أنه لم ينْزِل ملائكة إنا بما أرسلتم به كافرون. نسأل الله العافية أكَّدُوا كفرهم وقالوا: بما أرسلتم به كافرون فقُدِّم المفعول، لأنَّ بما أرسلتم متعلق بايش؟ بـكافرون فلماذا قُدِّم عليه؟ لوجهين: الوجه الأول مراعاة فواصل الآيات لو قال: فإنا كافرون بما أرسلتم به لم تتناسب الفواصل، ولَمَّا قال: بما أرسلتم به كافرون. تناسبت الفواصل ومراعاةُ المناسبة أمرٌ ثابت أرأيتم موسى وهارون أيهما أفضَل ومَن الذي يُقدِّم في القرآن؟ موسى إلا في آية واحدة، مِن أجل التناسب في سورة طه ذكر الله عن السحرة أنهم قالوا: قالوا آمنا برب هارون وموسى مع أنهم كانوا قالوا: آمَنَّا برَبِّ موسى وهارون هذا قول السحرة لكن لَمَّا نقله الله عنهم في سورة طه قُدِّمَ ذكر هارون، لتناسب الآيات مع أنَّ موسى أفضل، وموسى هو الذي نطق بتقديمِه السحرة كما في آياتٍ عدة لكن الله عز وجل نقل كلامهم في سورة طه مُقَدِّما هارون، لتناسب الفواصل، هنا فإنا بما أرسلتم به كافرون قُدِّم المتعلِّق وهو بما أرسلتم على المتعلَّق، لسببين: السبب الأول: مراعاة الفواصل، السبب الثاني: الحصر كأنّ هؤلاء المكذِّبين المعاندين قالوا: لو أنا آمنا بكل شيء لكفرْنا بما أرسلتم به فكأنهم يقولون: لا نكفر بأي شيء إلا بما أرسلتم به، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر، شوف العناد بما أرسلتم به كافرون كأنهم قالوا: لا نكفر إلا بما أرسلتم به هذا معنى الحصر فيكون هذا أبلغَ في العناد كأنهم يقولون: لو آمنا كل شيء فلن نؤمِن بما أرسِلْتم به، ثم إنَّ قوله: بما أرسلتم به قالوه على سبيل التنزل ولهذا قال المفسر: " على زعمكم " وإنما قلنا: إنهم قالوه على سبيل التنَزُّل، لأنهم لو قالُوه على سبيل الإقرار لآمنوا لكانوا مؤمنين لكن قالوه على سبيل التنزل بما أرسلتم به كافرون
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى:" لا نفرق بين أحد من رسله ". - ابن عثيمين
- حاجة الناس إلى الرسل - اللجنة الدائمة
- تفسير قوله تعالى :" لله ما في السماوات وما ف... - ابن عثيمين
- قال المصنف رحمه الله تعالى : ونرى أن من كفر... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى((....آمن الرسول بما أنزل إل... - ابن عثيمين
- سؤال عن معنى قوله تعالى : (( إذ جاءتهم الرسل... - ابن عثيمين
- قال المصنف :" أو رسله " - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) - ابن عثيمين
- فوائد قوله تعالى : (( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم... - ابن عثيمين
- التعليق على تفسير الجلالين : (( إذ جاءتهم ال... - ابن عثيمين