تم نسخ النصتم نسخ العنوان
التعليق على تفسير الجلالين في قوله تعالى : (... - ابن عثيمين"  كذلك  أي مثل ذلك الإيحاء  يوحي إليك و  أوحى  إلى الذين من قبل الله  فاعل الإيحاء "، كذلك تأتي في القرآن كثيرا، وإعرابها في جميع المواطن إلا يسيرا أن ...
العالم
طريقة البحث
التعليق على تفسير الجلالين في قوله تعالى : (( كذلك )) أي مثل ذلك الإيحاء (( يوحي إليك و )) أوحى (( إلى الذين من قبلك الله )) فاعل الإيحاء (( العزيز )) في ملكه (( الحكيم )) في صنعه .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
" كذلك أي مثل ذلك الإيحاء يوحي إليك و أوحى إلى الذين من قبل الله فاعل الإيحاء "، كذلك تأتي في القرآن كثيرا، وإعرابها في جميع المواطن إلا يسيرا أن تقول : الكاف: نائبة المناب مثل منصوبة على أنها مفعول مطلق وعاملها ما يأتي بعدها، الكاف: بمعنى مثل منصوبة على أنها مفعول مطلق عاملها ما يأتي بعدها، حول الكاف إلى مثل تقول: مثل ذلك، أين العامل فيها ؟ يوحي، أي يوحي إليك مثل ذلك الإيحاء الله العزيز الحكيم، طيب.
وقوله ذلك المشار إليه الوحي النازل على الرسول عليه الصلاة والسلام، يوحي إليك، الوحي: في اللغة الإعلام بسرعة وخفاء، ويطلق على الرمز: فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ويطلق على الإلهام كما في قوله: وأوحى ربك إلى النحل وقوله: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه أما في الاصطلاح فالوحي: إعلام الله تعالى بالشرع لأنبيائه ورسله،
وقوله: وإلى الذين من قبلك الواو حرف عطف وإلى الذين من قبلك معطوفة على إليك، وإذا كانت معطوفة على إليك كان تقدير الفعل ويوحي إلى الذين من قبلك، لكن لاحظوا أن المؤلف رحمه الله صرفها، فقال: " وأوحى إلى الذين من قبلك " فقدر فعلا ماضيا مع أنها معطوفة على معمول فعل مضارع فلماذا ؟ لأن إيحاء الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستمر، وإيحائه إلى من سبقه ماض منتهي، فلهذا قدر المؤلف فعلا ماضيا، ولكننا نقول الأصل عدم التقدير، لأن القرآن كامل لا يحتاج إلى تقدير إلا ما دعت الضرورة إليه، هنا لا ضرورة ونقول: كذلك يوحي إليك و يوحي إلى الذين من قبلك ويكون ذكر الإيحاء لن سبقنا من باب ذكر صورة الحال، فإنه سبحانه وتعالى حين وحيه إلى من سبق يوحي ... في المضارع فيكون هذا على حكاية الحال.
وقوله: وإلى الذين من قبلك المراد بهم الأنبياء والرسل، " الله فاعل الإيحاء " لو قال : فاعل يوحي كان أحسن من حيث بيان الإعراب، فعلى هذا نقول: يوحي فعل مضارع، والله فاعل، يوحي الله، الله هو علم على ربنا عز وجل، قيل: وأصله الإله، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، كما حذفت الهمزة من خير وشر في قولهم: فلان خير من فلان أو فلان شر من فلان، والتقدير أخير وأشر، الله: معنى هذه الكلمة العظيمة قيل أنه اسم جامد ليس له معنى فهو غير مشتق، لكن هذا القيل غير صحيح لأن الله تعالى قال: ولله الأسماء الحسنى والاسم المجرد عن معنى لا يدخل في الحسنى بل ولا في الحسن، فكل اسم من أسماء الله فإنه متضمن لصفة من صفات الله أو أكثر، وليس في أسماء الله اسم جامد لا يحمل معنى أبدا، وعلى هذا فنقول: الله مشتق من الإلوهية، والإلوهية هي التذلل للمألوه مع المحبة والتعظيم، إذن فالله بمعنى المتأله إليه حبا وتعظيما.
قال: " الله العزيز في ملكه الحكيم في صنعه " أولا قال: العزيز في ملكه، لكن لم يفسر معنى العزة، العزيز في الأصل الغالب، العزيز يعني الغالب القاهر لمن سواه عز وجل، واستمع إلى قول الله تعالى عن المنافقين: يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل من يريدون بالأعز ؟ يريدون أنفسهم، ويريدون بالأذل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ماذا قال الله ردا عليهم ؟ قال: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين أي لله الغلبة ولرسوله وللمؤمنين وتأمل قوله: ولله العزة ولم يقل: والله الأعز مع أنهم هم يقولون: الأعز والأذل، لم يقل: والله أعز قال: ولله العزة، لأنه لو قال: والله هو الأعز لأثبت للمنافقين عزة مفضولة، لكن الحقيقة أنه لا عزة للمنافق، بل هو مغلوب دائما، بل حاله تدل على أنه مغلوب لأنه مختفي جبان، يظهر أنه مسلم وليس بمسلم، ولهذا: نقول إن الكافرين الخلص الصرحاء أشجع من المنافقين لأنهم يصرحون ويعلنون، المنافق ذليل يظهر الإسلام خوفا من المسلمين، ويبطن الكفر لأنه كافر والعياذ بالله، الخلاصة العزيز المؤلف رحمه الله لم يبين معناها فنقول: العزة يعني الغلبة.
الحكيم يقول: " في صنعه " وهذا ناقص جدا، لأن حكمة الله تعالى في صنعه وفي شرعه، فهو حكيم في صنعه أي في خلقه، وهو حكيم في شرعه، واقرأ قول الله تعالى في سورة الممتحنة: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا كل هذه أحكام شرعية ثم قال: ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم فهو جل وعلا حكيم في شرعه، وحكيم في صنعه يعني في خلقه، كل ما خلقه الله تعالى فالحكمة تقتضي وجوده، وكل ما أعدمه الله تعالى فالحكمة تقتضي عدمه، هذا أمر مسلم به، كل ما شرع الله إيجابا أو تحريما أو تحليلا فالحكمة تقتضي شرعه كذلك، الواجب تقتضي الحكمة إيجابه، والمحرم تقتضي الحكمة تحريمه، والمباح تقتضي الحكمة إباحته، لكن لا يلزم من وجود الحكمة في ذلك أن تكون معلومة لنا، لا يلزم من هذا، هو فيه حكمة لكن قد نعلمها وقد لا نعلمها، وهل إذا حجب عنا علمها يعني العدم ؟ لا، لأننا قاصرون في كل شيء، خلق الإنسان ضعيفا في كل شيء، ضعيف في قوته في إدراكه في علمه في كل شيء، ولهذا قالوا ما هي الروح يا محمد ؟ قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85] ختم الآية بقوله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا كأنه يقول: ما بقي عليكم من العلم إلا الروح حتى تسألوا عنها، بل الذي فاتكم من العلم أكثر من الذي أدركتموه ولهذا قال : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ولذلك واجب المسلم تجاه خلق الله وتجاه شرع الله أن يستسلم تماما، وأن يقول: هذا هو الحكمة، أضرب مثلا في الشرائع، لماذا يأتي الناس بحصى حجرات صغيرة يضربون بها مكانا معينا ؟ قد يقال قائل : ما الحكمة ؟ فنقول: مجرد كون الله شرع ذلك دليل على الحكمة، ونكتفي بهذا مع أن من أعظم الحكم فيه كمال التعبد، أن يأتي الإنسان بحجر يضرب بها مكانا لمجرد امتثال أمر الله، ففيها كمال التعبد، لأن انقاد النفس لما تعلم فائدته أسهل من انقيادها لما لا تعلم فائدته، وانقيادها لما لا تعلم فائدته أبلغ في التذلل والتعبد لله عز وجل، مع أن هذا العمل مقرون بذكر، كل حصاة ترميها تقول: الله أكبر، مقرون أيضا بإتباع كل حصاة ترميها وأنت تشعر أنك متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، على كل حال نقول: إن قصر المؤلف الحكيم على حكمة الصنعة قاصر بلا شك، فهو حكيم في صنعه وحكيم في شرعه تبارك وتعالى.

Webiste