تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد قوله تعالى : (( فما أوتيتم من شيء فمتا... - ابن عثيمينيقول الله عز وجل :  فما أوتيتم من شيء...  إلى آخره.في هذه الآية فوائد : منها التزهيد في الدنيا وأنها زائلة .ومن فوائدها : إنذار الكفار بأن ما هم فيه من ...
العالم
طريقة البحث
فوائد قوله تعالى : (( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
يقول الله عز وجل : فما أوتيتم من شيء... إلى آخره.
في هذه الآية فوائد : منها التزهيد في الدنيا وأنها زائلة .
ومن فوائدها : إنذار الكفار بأن ما هم فيه من النعيم ليس بشيء بالنسبة لنعيم الآخرة.وذكر أهل التاريخ أن ابن حجر رحمه الله صاحب فتح الباري كان قاضي القضاة في مصر، فمر ذات يوم برجل يهودي زيات يعني يعمل في الزيت كل ثيابه وسخة وأوانيه وفي تعب شديد، فمر ابن حجر العسقلاني رحمه الله وهو قاضي القضاة مر بمركبه تجره الخيول أو البغال وفي أبهة، فأوقفه اليهودي وقال: ما تقولون في قول نبيكم: إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كيف يتفق هذا مع الحال التي نحن عليها الآن ؟ أنت مؤمن وفي هذا النعيم، واليهودي يهودي وفي هذا العناء والتعب، كيف يتفق ؟ فأجابه الحافظ ابن حجر بجواب على البديهة فقال : ما أنا فيه من النعيم بالنسبة لنعيم الآخرة سجن، لأن الآخرة خير وهذا ليس بشيء، وأنت بما أنت فيه من العناء بالنسبة لعذاب النار في جنة، فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، آمن على طول لأن هذا دخل عقله وأن ما قاله الرسول حق، الدنيا مهما كانت فهي بالنسبة للآخرة سجن ما هي شيء، ولكن الدنيا مهما كانت من الضيق فهي بالنسبة للنار جنة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن حياتنا هذه دنيا،دنيا من الدنو أي القرب أو من الدناءة أي الخسة والحقارة، تشمل المعنيين جميعا، فهي قريبة لأنها سابقة على الآخرة، من حين يولد الإنسان وهو فيها، وهو دنيئة أي حقيرة بالنسبة للآخرة، إذن دنيا مؤنث أدون، وهي إما من الدنو وإما من الدناءة والحقارة، ففيها تحقير الدنيا .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن ما عند الله خير من الدنيا بأجمعها لقوله : وما عند الله خير وأبقى إذا فيه التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة .
من فوائد الآية الكريمة: الثناء على من جمع بين الإيمان والتوكل لقوله : للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون .
من فوائدها : أن التوكل عبادة يجب إفراد الله به، وجه الدلالة ؟ تقديم المعمول، هذا دليل وجوب إفراد الله به، وأما الدليل على أنه عباده فلأن الله تعالى ذكره في مقام الثناء ولا ثناء إلا في عبادة .
ومن فوائد الآية الكريمة : فضيلة الجمع بين هذه الصفات المذكورة، لأن كل صفة منها صفة مدح لا شك، لكن اجتماعها يكون أكمل، أرأيت لو وصفت إنسانا بالكرم فقلت فلان كريم أليس مدحا ؟ طيب، إذا قلت: شجاع انضم الآن الكرم إلى الشجاعة وانضمام الصفتين بعضهما إلى بعض يولد صفة ثالثة وهو جمعه بين الصفات، طيب وهكذا نقول في كل الصفات المتعددة : أن جمعها يزيد الموصوف بها ثناء، طيب .
من فوائد الآية الكريمة : وجوب التوكل على الله لقوله: وعلى ربهم يتوكلون حيث قدم المعمول.
فإن قال قائل : أيجوز أن يتوكل على الغير فيما يقدر عليه ؟ الجواب: نعم، ولكن لا يجعل هذا التوكل تفويضا يتعلق القلب به، لأن هناك فرقا بين أن أقول: يا فلان وكلتك تشتري لي كذا وكذا، هنا أعتمد عليه لكني لا أفوض الأمر إليه، بل أنا حين أقول: يا فلان اشتري لي كذا وكذا أعتبر نفسي فوقه أو دونه ؟ فوقه،لأني أنا الآن الذي بيدي الأمر آمره وأنهاه، لكن الاعتماد الذي هو التفويض المطلق هذا لا يكون إلا لله عز وجل، فإذا أورد علينا إنسان هذا الإيراد الذي ذكرته نقول : الجواب سهل التوكيل في الشيء لا يدل على التفويض المطلق، التوكيل على الشيء لا يتعلق القلب بنفس المتوكل عليه، بخلاف التوكل على الله، فبهذا يظهر الفرق. ويقال للإنسان الذي وكل غير :إنه ليس ناقص التوكل، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل علي بن أبي طالب في حجة الوداع أن ينحر عنه بقية هديه.
وكل عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية، اسمع القصة أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دينارا وقال: اشتري لي به أضحية فاشترى أضحيتين بدينار ثم باع واحدة منهما بدينار، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقصه شيء، ديناره الذي سلمه له رجع إليه، وشاته التي يريدها حصلت له، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في بيعه فكان لا يشتري شيئا إلا ربح فيه حتى لو اشترى ترابا لربح فيه ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، العلماء أخذوا من هذه القصة جواز التصرف في مال الغير لمصلحة، لأن عروة تصرف اشترى شاتين وهو مأمور بشاة واحدة، باع واحدة وهو لم يؤمر بالبيع لكن هذا لمصلحة الغير،إلا أنه مع ذلك موقوف على إجازته فلو أن هذا المتصرف قال له صاحبه: لا أرضى بهذا التصرف فإنه يرد، لو علمنا أن فلانا يريد أن يبيع بيته قد عرضه للبيع وجاء شخص وبذل فيه مالا كثيرا، بذل مثل قيمته مرتين، فجاء رجل وتقدم وباع، يجوز أو لا يجوز ؟ يجوز لأني أعرف أن الرجل عازم على بيع البيع، وهو إذا عزم على بيع البيت سيكون بيعه بثمن المثل، فإذا جاء إنسان بذل أكثر من قيمة المثل مرتين مثلا وتقدم شخص لم يوكل وباعه فالبيع صحيح، لأن هذا تصرف للغير بما يحبه، لكن لو فرض أن صاحب البيت قال: لا أجيز هذا، فحينئذ يرد البيع، فيبقى إشكال آخر مع المشتري يقول: أنا اشتريت ولا علي منك أنت وصاحبك، والموكل يقول: أنا لم أرضى، والوكيل يقول: أنا راضي، فما الحل ؟ الحل إذا كان الوكيل قد أخبر المشتري بأنه وكيل وأن البيت لفلان ثم قال فلان وهو الموكل: أنا لا أرضى بهذا البيع فسخ، وإلا بقي البيع وضمن الوكيل ما يطلبه الموكل، والله الموفق.

Webiste