تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :  إنه ليؤتى...
العالم
طريقة البحث
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) متفق عليه ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إنه ليؤتى بالرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة : ذكر المؤلف هذا الحديث في : " باب المستضعفين والفقراء من المسلمين " ، وذلك لأن الغالب أن السمنة إنما تأتي من البِطنة أي : من كثرة الأكل ، وكثرة الأكل يدل على كثرة المال والغنى، والغالب على الأغنياء ، الغالب عليهم البَطَر والأَشَر وكفر النعمة، حتى إنهم يوم القيامة يكونون بهذه المثابة، يؤتى بالرجل العظيم السمين يعني : كثير اللحم والشحم، عظيم كبير الجسم، لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة، والبعوضة معروفة مِن أمهن الحيونات وأهونها وأضعفها، وجناحها كذلك.
وفي هذا الحديث إثبات الوزن يوم القيامة، وقد دلّ على ذلك كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ، وقال جل وعلا : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : اتقوا النار ولو بشق تمرة .
فالوزن يوم القيامة وزن عدل، ليس فيه ظلم، يجازى فيه الإنسان على حسب ما عنده من الحسنات والسيئات، قال أهل العلم : " فمن رجُحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجُحت سيئات على حسناته استحق أن يعذب في النار، ومن تساوت حسناته وسيئاته كان مِن أهل الأعراف، الذين يكونون بين الجنة والنار لمدة، على حسب ما يشاء الله عز وجل، وفي النهاية يدخلون الجنة " .
ثم إن الوزن وزن حسي بميزان له كِفتان، توضع في إحداهما السيئات وفي الأخرى الحسنات، وتثقل الحسنات، وتخف السيئات إذا كانت الحسنات أكثر، والعكس بالعكس.
ثم ما الذي يوزَن ؟ ظاهر هذا الحديث أن الذي يوزن الإنسان، الذي يوزن هو الإنسان، وأنه يخف ويثقل بحسب أعماله.
وقال بعض العلماء : " بل الذي يوزن صحائف الأعمال، توضع صحائف السيئات في كفة، وصحائف الحسنات في كفة، وما رَجُح فالعمل عليه " .
وقيل : بل الذي يوزن العمل، لأن الله تعالى قال : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فجعل الوزن للعمل، وقال تعالى : وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ، فقوله : كلمتان ثقيلتان في الميزان : يدل على أن الذي يوزن هو العمل، وهذا هو ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة، وربما يوزن هذا وهذا، أي توزن الأعمال وتوزن صحائف الأعمال.
وفي هذا الحديث التحذير مِن كون الإنسان لا يهتم إلا بنفسه ، أي بتنعيم جسده، والذي ينبغي للعاقل أن يهتم بتنعيم قلبه، ونعيم قلب الإنسان بالفطرة ، وهي التزام دين الله عز وجل، وإذا نَعُم القلب نَعُم البدن ولا عكس.
قد ينعم البدن ويؤتى الإنسان من الدنيا ما يُؤتى من زهرتها، ولكن قلبه في جحيم والعياذ بالله.
وإذا شئت أن تتبين هذا فاقرأ قوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، لم يقل : فلننعمن أبدانهم، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة : وذلك بما يجعل الله في قلوبهم من الأنس، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وغير ذلك، حتى إن بعض السلف قال : " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف " : يعني من انشراح الصدر، ونور القلب والطمأنينة والسكون .
أسأل الله أن يشرح قلبي وقلوبكم للإسلام ، وينورها بالعلم والإيمان إنه جواد كريم.

Webiste