شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة :
أولاً: عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وعيسى ابن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل، بل آخر الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم نبي، كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ : فليس بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام نبي .
وأما ما يذكر عند بعض المؤرخين مِن وجود أنبياء في العرب كخالد بن سنان وغيره، فهذا كذب ولا صحة له.
عيسى ابن مريم كان آية من آيات الله عز وجل، كما قال تعالى : وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ، كان آية في منشئه، وآية في وضعه .
أما منشؤه : فإن أمه مريم رضي الله عنها، حملت به من غير أب، أرسل الله عز وجل جبريل إليها فتمثل لها بشراً سويًا، ونفخ في فرجها فعَلَقت بعيسى عليه الصلاة والسلام، والله على كل شيء قدير، فالقادر على أن يخلق الولد من المني، قادر على أن يخلقه بهذه النفخة، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، لا يستعصي على قدرة الله شيء، إذا أراد شيئاً قال: كن فكان، فولدت، حملت، وقيل: إنه لم يبق في بطنها كما تبقى الأجنة، ولكنها حملته وشب سريعاً، ثم وضعته.
وكان في وضعه آية، أجاءَها المخاض أي : أجاء مريم المخاض إلى جذع النخلة، فقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً ، هي لم تتمن الموت لكنها تمنت أنه لم يأتها هذا الشيء حتى الموت ، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً عين تمشي تحتها في النخلة ، ثم قال : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً : تهز الجذع وهي امرأة قد أتاها المخاض، فتتساقط مِن هزها الرطب، رطباً جنيًا لا يفسد إذا وقع على الأرض، وهذا خلاف العادة، العادة أن المرأة عند النفاس تكون ضعيفة، والعادة عند هز النخلة ألا تهز مِن أسفل، تهز من فوق، من الجذع لا تهتز ولو هزها الإنسان، العادة أيضاً أن الرطب إذا سقط فإنه يسقط على الأرض ويتمزق، لكن الله قال: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ، الله أكبر! من آيات الله عزَّ وجلَّ، الله على كل شيء قدير.
وضعت الولد فأتت به قومها تحمله، تحمله طفلا وهي لم تتزوج، فقالوا لها يعرضونها بالبغاء، قالوا: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً : يعني كأنهم يقولون: من أين جاءك الزنى نسأل الله العافية وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية؟ وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا زنى فقد يُبتلى نسله بالزنى والعياذ بالله، كما جاء في الحديث في الأثر: من زنى زنى أَهلُه .
فهؤلاء قالوا: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فألهمها الله عزَّ وجلَّ ، أشارت إلى الولد ، إلى الطفل، أشارت إليه فكأنهم سخروا بها، قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ، هذا غير معقول! ولكنه التفت إليهم وقال هذا الكلام البليغ العجيب : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً : سبع جمل ، الله أكبر ، من طفل في المهد.
ولكن لا تتعجب، قدرة الله فوق كل شيء، أليست جلودنا وأيدينا وأرجلنا وألسنتنا يوم القيامة تشهد علينا بما فعلنا ؟ أجيبوا !
الطالب : نعم .
الشيخ : بلى ، لا تقول نعم، قل: بلى تشهد.
أليست الأرض تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها؟ الأرض تشهد بما عملت عليها من قول أو فعل : يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا : إذن هذا كلام عيسى ابن مريم، تكلم بهذه الكلمات العظيمة، سبع جمل وهو في المهد .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة :
أولاً: عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وعيسى ابن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل، بل آخر الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم نبي، كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ : فليس بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام نبي .
وأما ما يذكر عند بعض المؤرخين مِن وجود أنبياء في العرب كخالد بن سنان وغيره، فهذا كذب ولا صحة له.
عيسى ابن مريم كان آية من آيات الله عز وجل، كما قال تعالى : وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ، كان آية في منشئه، وآية في وضعه .
أما منشؤه : فإن أمه مريم رضي الله عنها، حملت به من غير أب، أرسل الله عز وجل جبريل إليها فتمثل لها بشراً سويًا، ونفخ في فرجها فعَلَقت بعيسى عليه الصلاة والسلام، والله على كل شيء قدير، فالقادر على أن يخلق الولد من المني، قادر على أن يخلقه بهذه النفخة، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، لا يستعصي على قدرة الله شيء، إذا أراد شيئاً قال: كن فكان، فولدت، حملت، وقيل: إنه لم يبق في بطنها كما تبقى الأجنة، ولكنها حملته وشب سريعاً، ثم وضعته.
وكان في وضعه آية، أجاءَها المخاض أي : أجاء مريم المخاض إلى جذع النخلة، فقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً ، هي لم تتمن الموت لكنها تمنت أنه لم يأتها هذا الشيء حتى الموت ، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً عين تمشي تحتها في النخلة ، ثم قال : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً : تهز الجذع وهي امرأة قد أتاها المخاض، فتتساقط مِن هزها الرطب، رطباً جنيًا لا يفسد إذا وقع على الأرض، وهذا خلاف العادة، العادة أن المرأة عند النفاس تكون ضعيفة، والعادة عند هز النخلة ألا تهز مِن أسفل، تهز من فوق، من الجذع لا تهتز ولو هزها الإنسان، العادة أيضاً أن الرطب إذا سقط فإنه يسقط على الأرض ويتمزق، لكن الله قال: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ، الله أكبر! من آيات الله عزَّ وجلَّ، الله على كل شيء قدير.
وضعت الولد فأتت به قومها تحمله، تحمله طفلا وهي لم تتزوج، فقالوا لها يعرضونها بالبغاء، قالوا: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً : يعني كأنهم يقولون: من أين جاءك الزنى نسأل الله العافية وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية؟ وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا زنى فقد يُبتلى نسله بالزنى والعياذ بالله، كما جاء في الحديث في الأثر: من زنى زنى أَهلُه .
فهؤلاء قالوا: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فألهمها الله عزَّ وجلَّ ، أشارت إلى الولد ، إلى الطفل، أشارت إليه فكأنهم سخروا بها، قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ، هذا غير معقول! ولكنه التفت إليهم وقال هذا الكلام البليغ العجيب : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً : سبع جمل ، الله أكبر ، من طفل في المهد.
ولكن لا تتعجب، قدرة الله فوق كل شيء، أليست جلودنا وأيدينا وأرجلنا وألسنتنا يوم القيامة تشهد علينا بما فعلنا ؟ أجيبوا !
الطالب : نعم .
الشيخ : بلى ، لا تقول نعم، قل: بلى تشهد.
أليست الأرض تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها؟ الأرض تشهد بما عملت عليها من قول أو فعل : يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا : إذن هذا كلام عيسى ابن مريم، تكلم بهذه الكلمات العظيمة، سبع جمل وهو في المهد .
الفتاوى المشابهة
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- من المقصود في قوله تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَح... - ابن باز
- تتمة شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعا... - ابن عثيمين
- الرد على من استدل بقوله تعالى ما المسيح... - اللجنة الدائمة
- الرد على من قال بأن عيسى ابن الله - اللجنة الدائمة
- دعوى زواج مريم ابنة عمران بعد ولادتها لع... - اللجنة الدائمة
- ذكر قصة مريم بنت عمران . - ابن عثيمين
- حال النبي عيسى عليه السلام وفق الكتاب وا... - اللجنة الدائمة
- كلام عيسى في المهد - اللجنة الدائمة
- مذهب أهل السنة والجماعة في عيسى ابن مريم - اللجنة الدائمة
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين