تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب حمل الناس على ظواهرهم، وأن يكل الإنسان سرائرهم إلى الله عز وجل " :أولاً: اعلم أن ال...
العالم
طريقة البحث
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى . قال الله تعالى (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني ماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى ) متفق عليه . وعن طارق بن أشيم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى ) رواه مسلم . وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها فقال ( لا تقتله ) فقلت يا رسول الله قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعدما قطعها فقال ( لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال ) متفق عليه . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم على مياههم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي ( يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا فقال ( أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ) متفق عليه ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب حمل الناس على ظواهرهم، وأن يكل الإنسان سرائرهم إلى الله عز وجل " :
أولاً: اعلم أن العِبرة في الدنيا بما في الظواهر، اللسان، والجوارح، وأن العبرة في الآخرة بما في السرائر، بالقلب.
فالإنسان يوم القيامة يُحاسب على ما في قلبه، وفي الدنيا على ما في لسانه وجوارحه، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ : تُختبر السرائر والقلوب. وقال تعالى: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ .
فاحرص يا أخي على طهارة قلبك قبل طهارة جوارحك ، كم من إنسان يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، لكن قلبه فاسد.
هاهم الخوارج حدَّث عنهم النبي عليه الصلاة والسلام، أنهم يصلون، ويصومون، ويتصدقون، ويقرؤون القرآن، ويقومون الليل، ويبكون، ويتهجدون، ويحقر الصحابي صلاته عند صلاتهم، لكن قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنَّ إسلامهم لا يتجاوز حناجرهم : لا يدخل الإيمان قلوبهم.
مع أنهم صالحوا الظواهر، لكن ما نفعهم.
فلا تغتر بصلاح جوارحك، انظر قبل كل شيء إلى قلبك، نسأل الله أن يصلح قلبي وقلوبكم، أهم شيء القلب.
رُفع رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قد شرب الخمر فجلده، ثم مرة أخرى فجلده، فسبه رجل من الصحابة، وقال أظنه: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال له الرسول: لا تفعل ، لا تسبه، فإن يحب الله ورسوله : شوف القلب، القلب هو الأصل، ولهذا قال الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ .
أما في الدنيا وبالنسبة لنا مع غيرنا، فالواجب إجراء الناس على ظواهرهم، لأننا لا نعلم الغيب، لا نعلم ما في القلوب، ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنما أقضي بنحو ما أسمع ، ولسنا مكلفين بأن نبحث عما في قلوب الناس، ولهذا قال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ، وأمرهم إلى الله، يعني المشركين إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله : إذن عملنا بالظواهر ولا لا؟ عملنا بالظواهر، إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، عصم دمه وماله، وحسابه على الله، نحن ليس لنا إلا الظاهر.
وكذلك أيضا مَن قال لا إله إلا الله، حرم دمه وماله، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم ذكر المؤلف حديثين عجيبين فيهما قصتان عجيبتان:
الأول: حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أرأيتَ إن لقيتُ رجلاً من المشركين، فقاتلته، فضربني بالسيف حتى قطع يدي، ثم لاذ مني بشجرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أفأقتله؟ قال: لا تقتله : شف مشرك قطع يد رجل مسلم، ولاذ بالشجرة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله. أأقتله؟
قال: لا تقتله ، كيف قطع يدي يا رسول الله وهو مشرك أأقتله ؟ قال: لا تقتله، إن قتلته فأنت مثله قبل أن يقول هذه الكلمة : يعني تكون كافراً ، مع العلم بأني أنا وأنتم، نظن أن هذا الرجل قال: لا إله إلا الله أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله خوفاً من؟ إيش؟ من القتل، ومع ذلك يقول: لا تقتله، عصم دمه وماله.
وفي هذا الحديث أيضاً : الدليل على أن ما أتلفه الكفار من أموال المسلمين وما جنوه على المسلمين غير مضمون، يعني الكافر لو أتلف شيئاً للمسلمين، أو قتل نفساً ما يضمن إذا أسلم، فالإسلام يمحو ما قبله، هذه القصة عجيبة.
القصة الثانية: بعثَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد في سرية إلى الحُرَقة من جهينة، فلما وصلوا إلى القوم وغشوهم، هرب منهم رجل، هرب فر من المشركين، فلحقه أسامة ورجل من الأنصار يتبعونه يريدون قتله، فلما أدركوه قال: لا إله إلا الله، أما الأنصاري فكان أفقه من أسامة، كفَّ عنه، تركه لما قال: لا إله إلا الله. وأما أسامة فقتله.
فلما رجعوا إلى المدينة وبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسامة: قتلته بعد أن قال لا إله إلا لله قال: نعم يا رسول الله، قال ذلك يتعوذ من القتل، يستجير بها من القتل، قال: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: نعم قالها يتعوذ من القتل ، كرر ذلك عليه، حتى قال له في رواية لمسلم: ما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ ، الله أكبر !! ما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ ، أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟
يقول رضي الله عنه: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل هذا اليوم
، لأنه لو كان كافراً ثم أسلم عفا الله عنه، لكن الآن فعل هذا الفعل وهو مسلم، مشكل كان الرسول مشكل جداً على أسامة.
الرسول عليه الصلاة والسلام يكرر: أَقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ ما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءتك يوم القيامة؟ ، مع العلم بأن الذي يغلب على الظن ما فهمه أسامة أنه قاله إيش ؟ متعوذاً من القتل ، يستجير بها من القتل، لكن مع ذلك إذا قال لا إله إلا الله، خلاص، ويجب الكف عنه، ويعصم بذلك دمه وماله، وإن كان قالها متعوذاً أو قالها نفاقاً، حسابه على الله.
فهذا دليل على أننا نحمل الناس في الدنيا على ظواهرهم، أما ما في القلوب فموعده يوم القيامة، تنكشف السرائر، ويُحصَّل ما في الضمائر، ولهذا علينا أيها الأخوة أن نطهر قلوبنا قبل كل شيء، ثم جوارحنا.
أما بالنسبة لمعاملتنا لغيرنا، فعلينا أن نعامل غيرنا بالظاهر.
واسمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إليَّ يعني تخاصمون مخاصمات بينكم ، ولعل يعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض : يعني أفصح وأقوى دعوى ، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقتطع له جمرة من النار، فليستقل أو ليستكثر .
فحمل النبي عليه الصلاة والسلام الأمر في الخصومة على إيش؟
الطالب : على الظاهر .

الشيخ : على الظاهر، لكن وراءك النار إذا كنت كاذباً في دعواك، وأنك أخذت القاضي بلسانك وشهادة الزور، فإنما يقتطع لك جمرة من النار فاستقل أو استكثر.
وخلاصة هذا الدرس: أن الإنسان يُعامل في الدنيا على الظاهر، وأما يوم القيامة فعلى الباطن.
فعلينا نحن أن نعامل غيرنا بما يظهر لنا مِن حاله، وأمره إلى الله، وعلينا نحن أنفسنا أن نُطهر قلوبنا، نُطهر القلوب لا يكون فيها شيء، لا يكون فيها بلاء، كِبر، حِقد، حسد، شرك، شك، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من هذه الأخلاق، فإن هذا خطير، خطير جداً، نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى أحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي إلى أحسنها إلا هو، وأن يجنبنا سيئات الأعمال والأخلاق، لا يجنبنا إياها إلا هو .

Webiste