تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمينالقارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس رضي الله عنه :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: إذا سقطت...
العالم
طريقة البحث
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: ( إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها )، ولا يدعها للشيطان وأمر أن تسلت القصعة قال: ( فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة ) رواه مسلم . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت . ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت) رواه البخاري . وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ) رواه البخاري .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان، وأمر أن تسلت القصعة قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تُسبق، أو لا تكاد تُسبق ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حَقٌ على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه رواه البخاري "
.

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النّووي في كتابه رياض الصّالحين في: " باب التواضع " : فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاثة : لعقها يعني لحسها ، حتى يكون ما بقي من الطّعام فيها داخلا في طعامه الذي أكله من قبل، وفيه فائدة ذكرها بعض الأطبّاء : أن الأنامل تُفرز عند الأكل شيئا يُعين على هضم الطعام، فيكون في لعق الأصابع بعد الطّعام فائدتان: فائدة شرعية: وهي الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفائدة صحّيّة طبّيّة وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم.
والمؤمن لا يهمّه ما يتعلّق بالصّحّة البدنيّة، أهم شيء اتّباع الرسول صلى الله عليه وسلّم والإقتداء به، لأنّ فيه صحّة القلب، وكلّما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلّم أتبع، كان إيمانه أقوى، وكذلك قال عليه الصّلاة والسّلام : إذا سقطت لقمة أحدكم : يعني على الأرض أو على السّفرة فليأخذها وليمط ما بها من أذى ولا يدعها للشيطان : فإذا سقطت اللقمة، أو التّمرة، أو ما أشبه ذلك على السّفرة فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى تراب أو عيدان أو ما أشبه ذلك وكلها ، تواضعاً لله عزّ وجلّ وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وحرمان للشيطان ، لأنّك إذا تركتها أكلها الشّيطان، والشّيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة، وفيما إذا أكل ولم يسمّ ، فإنّ الشّيطان يشاركه في أكله.
والثالث: أمر بسلت الصّحن، القصعة يعني الإناء الذي فيه الطعام، إذا انتهيت فاسلته : بمعنى أن تلحسه، تمر يدك عليه وما علق بأصابعك تلعقه وهذا أيضًا من السّنّة التي غفل عنها كثير من الناس مع الأسف، كثير من الناس حتّى من طلبة العلم إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيًا فيها لا يلعقون الصّحفة ، وهذا خلاف ما أمر به النّبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ بيّن الرسول عليه الصّلاة والسّلام الحكمة من ذلك فقال: فإنّكم لا تدرون في أيّ طعامكم البركة : قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة.
وفي هذا الحديث حسن تعليم الرسول عليه الصّلاة والسّلام، وأنه إذا ذكر الحُكم ذكر الحِكمة منه، لأنّ ذكر الحِكمة مقرون بالحكم يفيده فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: بيان سموّ الشّريعة، وأنها شريعة مبنية على المصالح، فما من شيء أمر الله به ورسولُه إلاّ والمصلحة في وجوده، وما من شيء نهى الله عنه ورسولُه إلاّ والمصلحة في عدمه.
المسألة الثانية: زيادة اطمئنان النّفس ، لأن الإنسان بشر ، قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسولُه ، لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانا وازداد يقينه ونشط على فعل المأمور أو ترك المحظور.
ثمّ ذكر حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصّة الأعرابيّ الذي جاء بقعود له : ناقة ليست كبيرة ، أو جمل ليس بكبير ، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء ، وهي غير القصواء التي حجّ عليها ، هذه ناقة أخرى ، وكان من هدي الرسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه يسمّي دوابّه وسلاحه وما أشبه ذلك، يقول : الناقة الفلانيّة، السّيف الفلاني، الرمح الفلاني ، وهذا من هدي الرسول عليه الصّلاة والسّلام ، العضباء : كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تُسبق أو لا تكاد تُسبق، فجاء هذا الأعرابي بقَعوده فسبق العضباء ، فكأن ذلك شقّ على الصّحابة رضي الله عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما نفوسهم : إن حقًا على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه : فكلّ ارتفاع يكون في الدّنيا فإنه لابدّ أن يؤول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الإرتفاع ارتفاع في النّفوس وعلوّ في النّفوس، فإن الوضع إليه أسرع، لأن الوضع يكون عقوبة ، أما إذا لم يصحبه شيء فإنه لابدّ أن يرجع ويوضع ، كما قال الله تبارك وتعالى : إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام : ظهر فيه من كلّ نوع ، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس : ذهبت كل هذه الزّينة ، وكل هذا النبات الذي اختلط من كلّ صنف كلّه يزول ، كأن لم يكن، وهكذا الدّنيا كلها تزول كأن لم تكن ، حتى الإنسان بنفسه يبدو صغيراً ضعيفاً ثمّ يقوى ، فإذا انتهت قوّته عاد إلى الضّعف والهرم ثم إلى الفناء والعدم ، فما من شيء ارتفع من الدّنيا إلاّ وضعه الله عزّ وجلّ ، وفي قوله عليه الصّلاة والسّلام: من الدّنيا دليل على أنه ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات : هؤلاء لا يضعهم الله عزّ وجلّ ما داموا على وصف العلم والإيمان ، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله ، بل يرفع لهم الذّكر ويرفع درجاتهم في الآخرة ، والله الموفّق.

Webiste