باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح، فقال: ( أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل ). متفق عليه. وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) يقوله مرارا ( إن كان أحدكم مادحا لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكى على الله أحدا ). متفق عليه. وعن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ). رواه مسلم.
فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، كره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك. ومما جاء في الإباحة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: ( أرجو أن تكون منهم ) أي: من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها، وفي الحديث الآخر: ( لست منهم )، أي: لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ( ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ) والأحاديث في الإباحة كثيرة.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه :
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدح، فقال : أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل متفق عليه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه : أن رجلاً ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك ، يقوله مرارًا، إن كان أحدكم مادحًا لا محالة، فليقل: أحسبه كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحدًا متفق عليه.
وعن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه : أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان : ما شأنك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب رواه مسلم.
فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة.
قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال : إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خِيف عليه شيء من هذه الأمور، كُره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك.
ومما جاء في الإباحة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : أرجو أن تكون منهم أي : من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها ، وفي الحديث الآخر : لست منهم أي: لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : ما رآك الشيطان سالكاً فجًا إلا سلك فجًا غير فجك والأحاديث في الإباحة كثيرة " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب ذكره المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* لبيان مدح الإنسان ، هل ينبغي للإنسان أن يمدح أخاه بما هو فيه أو لا ؟ وهذا له أحوال :
الحال الأولى : أن يكون في مدحه خير وتشجيع له على الأوصاف الحميدة والأخلاق الفاضلة ، فهذا لا بأس به ، لأنه تشجيع ، تشجيع لصاحبه ، فإذا رأيت من رجل الكرم والشجاعة وبذل النفس والإحسان إلى الغير فذكرته بما هو فيه أمامه مِن أجل أن تشجعه وتثبته حتى يستمر على ما هو عليه ، فهذا حسن وهو داخل في قوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى .
والثاني : أن تمدحه لتبين فضله بين الناس وينتشر ويحترمه الناس ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
أما أبي بكر فإن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث ذات يوم وقال : من أصبح منكم صائماً ؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر أنا، فقال من عاد اليوم مريضا؟ فقال أبو بكر أنا وذكر أشياء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرأ إلا دخل الجنة . وكذلك لما حدث : أن من جر ثوبه خيلاء لن ينظر الله إليه، قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده ، فقال: أنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء .
وقال لعمر: إن الشيطان ما سلكت فجا إلا سلك فجا غير فجك : يعني إذا سلكت طريقا فإن الشيطان يهرب منه ويذهب إلى طريق آخر ، كل هذا لبيان فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذا لا بأس به.
الثالث : أن يمدح غيره ويغلو في إطرائه ويصفه بما لا يستحق فهذا محرم ، وهو كذب وخداع ، مثل أن يذكر رجلاً أميرًا أو وزيرًا أو ما أشبه ذلك ويطريه ويصفه بما ليس فيه من الصفات الحميدة ، فهذا حرام عليه ، وهو أيضا ضرر على الممدوح .
الرابع : أن يمدحه بما هو فيه ، لكن يُخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه ويزهو بنفسه ويترفع على غيره ، فهذا أيضًا محرم لا يجوز ، وذكر المؤلف أحاديث في ذلك : أن رجلًا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم آخر فأثنى عليه فقال: ويحك قطعت عنق صاحبك : يعني معناه : كأنك ذبحته بسبب مدحك إياه ، لأن ذلك يوجب أن هذا الممدوح يترفع ويتعالى .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحثى التراب في وجوه المداحين : يعني إذا كان هذا الإنسان معروف ما جلس مجلسًا أمام أحد له جاه وشرف إلا امتدحه ، هذا مداح ، والمداح غير المادح ، المادح هو الذي يُسمع منه المدح مرة بعد أخرى ، لكن المداح كلما جلس عند إنسان كبيراً أو أميرا أو قاضيا أو عالم أو ما أشبه ذلك قام يمدحه ، هذا حقه أن يحثي في وجهه التراب ، لأن رجلا امتدح عثمان رضي الله عنه فقام المقداد وأخذ الحصباء ونفضها في وجه المداح ، فسأله عثمان لما صنع ذلك ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ، وعلى كل حال فالذي ينبغي للإنسان ألا يتكلم إلا بخير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، والله الموفق.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدح، فقال : أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل متفق عليه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه : أن رجلاً ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك ، يقوله مرارًا، إن كان أحدكم مادحًا لا محالة، فليقل: أحسبه كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحدًا متفق عليه.
وعن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه : أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان : ما شأنك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب رواه مسلم.
فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة.
قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال : إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خِيف عليه شيء من هذه الأمور، كُره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك.
ومما جاء في الإباحة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : أرجو أن تكون منهم أي : من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها ، وفي الحديث الآخر : لست منهم أي: لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : ما رآك الشيطان سالكاً فجًا إلا سلك فجًا غير فجك والأحاديث في الإباحة كثيرة " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب ذكره المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* لبيان مدح الإنسان ، هل ينبغي للإنسان أن يمدح أخاه بما هو فيه أو لا ؟ وهذا له أحوال :
الحال الأولى : أن يكون في مدحه خير وتشجيع له على الأوصاف الحميدة والأخلاق الفاضلة ، فهذا لا بأس به ، لأنه تشجيع ، تشجيع لصاحبه ، فإذا رأيت من رجل الكرم والشجاعة وبذل النفس والإحسان إلى الغير فذكرته بما هو فيه أمامه مِن أجل أن تشجعه وتثبته حتى يستمر على ما هو عليه ، فهذا حسن وهو داخل في قوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى .
والثاني : أن تمدحه لتبين فضله بين الناس وينتشر ويحترمه الناس ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
أما أبي بكر فإن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث ذات يوم وقال : من أصبح منكم صائماً ؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال: من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر أنا، فقال من عاد اليوم مريضا؟ فقال أبو بكر أنا وذكر أشياء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرأ إلا دخل الجنة . وكذلك لما حدث : أن من جر ثوبه خيلاء لن ينظر الله إليه، قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده ، فقال: أنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء .
وقال لعمر: إن الشيطان ما سلكت فجا إلا سلك فجا غير فجك : يعني إذا سلكت طريقا فإن الشيطان يهرب منه ويذهب إلى طريق آخر ، كل هذا لبيان فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذا لا بأس به.
الثالث : أن يمدح غيره ويغلو في إطرائه ويصفه بما لا يستحق فهذا محرم ، وهو كذب وخداع ، مثل أن يذكر رجلاً أميرًا أو وزيرًا أو ما أشبه ذلك ويطريه ويصفه بما ليس فيه من الصفات الحميدة ، فهذا حرام عليه ، وهو أيضا ضرر على الممدوح .
الرابع : أن يمدحه بما هو فيه ، لكن يُخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه ويزهو بنفسه ويترفع على غيره ، فهذا أيضًا محرم لا يجوز ، وذكر المؤلف أحاديث في ذلك : أن رجلًا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم آخر فأثنى عليه فقال: ويحك قطعت عنق صاحبك : يعني معناه : كأنك ذبحته بسبب مدحك إياه ، لأن ذلك يوجب أن هذا الممدوح يترفع ويتعالى .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحثى التراب في وجوه المداحين : يعني إذا كان هذا الإنسان معروف ما جلس مجلسًا أمام أحد له جاه وشرف إلا امتدحه ، هذا مداح ، والمداح غير المادح ، المادح هو الذي يُسمع منه المدح مرة بعد أخرى ، لكن المداح كلما جلس عند إنسان كبيراً أو أميرا أو قاضيا أو عالم أو ما أشبه ذلك قام يمدحه ، هذا حقه أن يحثي في وجهه التراب ، لأن رجلا امتدح عثمان رضي الله عنه فقام المقداد وأخذ الحصباء ونفضها في وجه المداح ، فسأله عثمان لما صنع ذلك ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ، وعلى كل حال فالذي ينبغي للإنسان ألا يتكلم إلا بخير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ، والله الموفق.
الفتاوى المشابهة
- شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول ا... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال:... - ابن عثيمين
- ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن كان... - الالباني
- ما حكم مدح الرسول صلى الله عليه و سلم في ذكر... - ابن عثيمين
- المدح - اللجنة الدائمة
- قراءة حديث أبي موسى رضي الله عنه : ( سمع النبي... - الالباني
- باب : " باب يحثى في وجوه المداحين " . شرح حديث... - الالباني
- شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رجلا كا... - الالباني
- ما حكم المدح؟ وما دلالته للممدوح؟ - ابن باز
- باب : " باب ما جاء في التمادح " . شرح حديث أبا... - الالباني
- باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة... - ابن عثيمين