تم نسخ النصتم نسخ العنوان
يباشر تغسيل الموتى أناس غير ملمين بأحكام... - اللجنة الدائمة الفتوى رقم (  20739  )  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة...
العالم
طريقة البحث
يباشر تغسيل الموتى أناس غير ملمين بأحكام تغسيل الميت وتنظيفه
اللجنة الدائمة
الفتوى رقم ( 20739 )
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم (3035/ 9) وتاريخ 15 / 6 / 1419 هـ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3746)، وتاريخ 17 / 6 / 1419 هـ، وقد تضمن كتاب معاليه تساؤلات واردة إلى الرئاسة حول تجهيز الميت ودفنه هذا نصها: فقد ورد للرئاسة العامة تساؤلات حيال ما يتعلق بالميت ودفنه، يقول مرسلها: لقد لاحظت أمورًا مخالفة في عدة مناطق وقفت عليها بنفسي وربما تكون هذه الظواهر المخالفة توجد في بقية المناطق وهي كما يلي: 1- يباشر تغسيل الموتى أناس غير ملمين بأحكام تغسيل الميت وتنظيفه وتكفينه على الوجه الشرعي، بل تحكمهم السرعة في ذلك حتى وصل الأمر على أن الميت يشرع في تغسيله وتجهيزه بين الأذان والإقامة بحدود مدة عشر دقائق. 2- أثناء حمل الجنازة إلى القبر تحصل أذكار وألفاظ علنية مثل:
(الله أكبر، البقاء لله، كل نفس ذائقة الموت .. إلخ). 3- وضع الميت في القبر على النحو التالي: أ - القبر معد من البلوك وعلى هيئة حفرة وعمقها بحدود (25 - 30 سنتيمتر). ب - يوضع الميت على شقه الأيمن وتوضع ألواح إسمنتية لتغطية القبر مباشرة على جسم الميت. 4- تمكين الناس من إلقاء نظرة على بعض الأموات الذين يعرفون بالصلاح، حيث إنه بعد التكفين يترك الرأس والوجه مكشوفين فترة لتمكين من يرغب إلقاء النظرة على الجنازة وإضفاء الهالة على صاحبها. 5- بعد الدفن يقوم شخص بتلقين الميت، فيقول: (يا فلان إذا سئلت عن ربك فقل ربي الله.. إلخ)، أنكرت عليهم ذلك مرتين. 6- عدم المبالاة في السير بالجنازة وإدخالها إلى المسجد، سواءً كان الرأس في المقدمة أو العكس. لذا آمل من سماحتكم التفضل بالإجابة عليها حتى يتسنى نشرها تعميمًا للفائدة.

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: أولاً: السنة الإسراع في تجهيز الميت وغسله ، فإذا أمكن غسل
الميت الغسل الشرعي وتجهيزه في المدة المذكورة فإنه لا مانع من ذلك ولا محذور فيه، لكن إذا ترتب على الإسراع في تغسيله وتجهيزه الإخلال بذلك فإنه لا يجوز؛ لأن المغسل مؤتمن على عمله، فلا يجوز له الإخلال بجزء منه، والمشروع في غسل الميت أن ينوي المغسل غسل الميت ويسمي عند الشروع في غسله، ويلف على يده خرقة، ثم ينجيه ويوضئه وضوء الصلاة، ولا يمس عورته بيده مباشرة ثم يغسل رأسه، وإن كان رجلاً استحب غسل لحيته بماء وسدر أو نحوهما من المنظفات كصابون وأشنان، ويقص شاربه ويقلم أظافره إن كان بها طول، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يغسله مرة ثانية وثالثة، وإن لم ينق زاد إلى خمس أو سبع غسلات حتى ينقى، والنظر في ذلك إلى الغاسل بحسب الحاجة، لا التشهي أو السرعة، فلو حصل الإنقاء بغسلة واحدة أو اثنتين أجزأ، كغسل الحي لكن المستحب أن يغسله ثلاثًا وأن يقطع الغسل على وتر، فإن لم ينق بثلاث غسل خمسًا أو سبعًا؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غسل
ابنته: اغسلها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا الحديث متفق عليه، وهذا لفظ البخاري ، وإن كان المتوفى امرأة فيضفر رأسها بثلاثة قرون عند غسلها، وتجعل من ورائها ويستحب أن يجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده، وإن طيبه كله فحسن، وبعد الفراغ من تغسيل الميت يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، يدرج فيها إدراجًا، ويوضع الحنوط والطيب فيما بينهما، وإن كفن في قميص وإزار ولفافة، أو لفافة فقط أجزأ. والمرأة تكفن في خمسة أثواب، درع وخمار وإزار ولفافتين، وإن كفنت في لفافة واحدة أجزأ ذلك. فإذا فعل المغسل ومن يكفن الميت ذلك ولو المجزئ في تلك المدة المذكورة فلا بأس بذلك، لكن ينبغي لمن يغسل الميت ويجهزه أن يعنى بذلك على أكمل وجه
وأحسنه، وأن لا يقتصر على الواجب فقط، كما يحرم عليه أن يخل بما يجب في غسل الميت وتكفينه، بل يحرص على أن يأتي مع الواجب بما يستحب في ذلك، وينبغي أن يكون المغسل أمينًا، ويدل لذلك ما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ؛ لأن غير الأمين لا يؤمن في استيفاء الغسل وأن ينشر ما رآه من قبيح في الميت. ثانيًا: رفع الصوت بالتهليل والأذكار عند تشييع الميت إلى المقبرة بدعة منكرة ولا أصل له، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا تبع الجنازة أنه لا يسمع له صوت بالتهليل أو القراءة أو نحو ذلك، ولم يأمر بذلك أصحابه رضي الله عنهم، بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يتبع الميت بصوت أو نار، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، هذا هو مذهب الأئمة الأربعة، وهو المأثور عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ولا أعلم فيه مخالفًا)، وقال رحمه الله أيضًا: (وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن
على عهد القرون المفضلة ). فالواجب على من يحمل الميت وتابعه أن يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة صحابته رضي الله عنهم، وأن يمشي مع الجنازة بخشوع وخضوع لله، وتذكر للموت وما بعده دون الابتداع في دينه بما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثالثًا: السنة أن يجعل في القبر الذي يدفن فيه الميت لحد، وأن يسد باللبن كما فعل الصحابة بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي عليه عمل المسلمين من عهد الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من سلفنا الصالح إلى اليوم، وأما الشق فمكروه، وهو أن يحفر في الأرض شقًّا مستطيلاً يوضع فيه الميت، ويجعل عليه سقف؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللحد لنا والشق لغيرنا رواه أبو داود والنسائي والترمذي ، لكن إذا كانت طبيعة الأرض لا يمكن أن يحفر فيها اللحد فيجوز الشق؛ لقول الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ، وقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ . كما أنه يستحب أن يكون القبر واسعًا عميقًا قدر
قامته تقريبًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفروا وأوسعوا وأعمقوا رواه أبو داود في (سننه) ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم قدرًا في ذلك، والأمر فيه سعة بحمد الله، لكن ينبغي أن يراعى في القبر عند حفره تعميقه بالقدر الذي يمنع خروج الرائحة، ويحفظ الجثة من نبش السباع ونحوها. وعلى ذلك فإن بناء القبر من البلك المصنع من الإسمنت وتغطية القبر بألواح إسمنتية خلاف السنة، والأفضل أن يسد القبر باللبن؛ لما ذكر، لكن إذا دعت الحاجة لذلك نظرًا لطبيعة الأرض فلا بأس به. وأما جعل القبر من البلك بعمق (25 - 30) سم وتغطيته بألواح إسمنتية مما يلزم منه مماسة هذه الألواح لجثة الميت وضغطها عليه فلا يجوز، وهو خلاف السنة كما ذكر، ولما في ذلك من الإهانة للميت وعدم احترامه، وحرمة الإنسان ميتًا كحرمته حيًّا، وحفر القبر بهذا العمق لا يواري جثة الميت، ولا يحفظ الميت من جرف السيول وانكشافه. رابعًا: السنة أن يغطى جسم الإنسان كله بعد وفاته، وكذلك بعد الفراغ من غسله وتكفينه؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة ،
رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم ، والمراد بالتسجية التغطية وعلى ذلك عمل الصحابة رضي الله عنهم، استنادًا لما كان عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك ما روته عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم في خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، أي: بيتها، فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها ..) الحديث رواه البخاري ، فقوله فكشف عن وجهه بعد أن مات وهو في بيته لم يصل عليه بعد يدل على مشروعية تغطية الميت كله وستره عن العيون، ولذلك قال النووي في شرح مسلم : (إن تسجية الميت مجمع عليها، والحكمة في ذلك صيانة الميت عن الانكشاف وستر صورته المتغيرة بالموت عن الأعين ). وعلى ذلك فإن ترك وجه الميت مكشوفًا فترة لمن يرغب إلقاء نظرة عليه من عامة الناس وإضفاء الهالة عليه كما ذكر في السؤال بدعة لا أصل لها، ومخالف لما أجمع
عليه المسلمون، وقد يؤدي ذلك إلى الغلو المحرم في ذلك الميت أو نشر عيوبه إن رؤي على هيئة غير حسنة، لكن إن أحب أهله أن يكشفوا عن وجهه قبل غسله أو بعد غسله لتقبيله أو ليروه لفترة قصيرة لا تؤثر على تأخير تجهيزه أو دفنه، فلا مانع من ذلك، بشرط أن لا تراه أو تقبله امرأة أجنبية منه إن كان رجلاً، وكذلك أن لا يرى المرأة الميتة إلا محارمها، ويدل لذلك حديث عائشة السابق، وما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وذكره البخاري تعليقًا، وأخرجه الإمام مسلم والنسائي والبيهقي وابن حبان وغيرهم، وما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه ، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (ج 6 ص 56) وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه . خامسًا: الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد دفن الميت وتسوية قبره أن يدعى للميت ويسأل الله له المغفرة والتثبيت، ولا بأس حين الدعاء له أن يقف قليلاً عند القبر، ويدل لذلك ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل وبعد الانتهاء من الدعاء والاستغفار للميت وسؤال الله التثبيت له فإنه ينصرف. هذا هو المشروع والثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما تلقين الميت بقول: (يا فلان إذا سئلت عن ربك فقل ربي الله.. إلخ) وتلقينه الشهادة ونحو ذلك بعد الدفن فإنه لا أصل له، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم من بعده، قال ابن القيم رحمه الله: (لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت، وحديث التلقين لا يصح) أ. هـ. وذكر محاسن الميت وأمارات الخير عليه بعد موته دون غلو ودون تحديد بزمن أو مكان معين لا بأس به؛ ليعرف الناس فضله فيدعوا ويستغفروا له، ويقتدوا به في صالح أعماله، لكن لا يتخذ ذلك عادة بأن يقف أحد الأشخاص في المقبرة فيذكر محاسن الميت وصفاته الطيبة؛ لما ذكر في أول الجواب، ولما قد يؤدي إليه ذلك من الغلو في الميت مما يؤدي إلى تبرك العوام والجهلة به، وحصول ما لا تحمد عقباه. سادسًا: الدخول بالجنازة للمسجد من جهة الرأس أو العكس لم يرد فيه شيء من الشرع فيما نعلم، والأمر فيه سعة،
فأيهما كان أيسر على من يحمله فهو أولى، سواء أدخلت الجنازة للمسجد من جهة الرأس أو من جهة الأرجل، فالكل جائز ولا حرج في ذلك ولا ينكر على من فعل أيهما ولا يشنع عليه في ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

Webiste