رجل فاتته الجماعة فوجد أحد المصلين يصلي فظنه يتم الصلاة فدخل معه ثم تبين له أنه كان يصلي النافلة فما حكم ائتمام المفترض بالمتنفل وهل تعد جماعة ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : ذهبت إلى المسجد لأداء إحدى الصلوات فوجدت الجماعة قد انتهوا من صلاتهم، ووجدت رجلاً يصلي منفرداً فظننت أنه يتم الفريضة فصففت معه، وبعد أن سلم قمت لأكمل صلاتي وبعد انتهائي قال لي: إنما كنت أصلي راتبة وليست الفريضة، فما الحكم في هذا من ناحية ائتمام المفترض بالمتنفل؟ وهل يعتبر أنا صلينا جماعة أم لا؟
الشيخ : ائتمام المفترض بالمتنفل جائز، ودليل ذلك أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فتكون نافلة له وفريضة لهم وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله تعالى أو أقره النبي صلى الله عليه وسلم بعد علمه به فإنه يكون جائزا ومشروعا إذا كان من العبادات، وعلى هذا نقول: إن ائتمام المفترض بالمتنفل جائز ولا حرج فيه بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل، لأن صلاة المأموم حينئذ أكمل من صلاة الإمام، ولا ينبغي أن يكون المؤتم أكمل من الإمام، ولكن هذا التعليل في مقابلة النص فلا عبرة به.
وجواب بعضهم عن حديث معاذ بأنه يمكن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به، جواب غير سديد، وذلك لأننا لو فرضنا أو سلمنا جدلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فإن الله تعالى قد علم به بلا شك، ولو كان مما لا يرضاه الله عز وجل ما أقرهم على ذلك، ولهذا إذا وقع شيء يخفى على النبي عليه الصلاة والسلام وهو مما لا يرضاه الله بينه كما في قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا وبهذه الآية نعلم أن كل فعل يقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي زمن نزول الوحي ولم ينكره الله عز وجل فإنه يكون من الأمور الجائزة.
وإذا ثبت الدليل وانتفى المعارض المقاوم فإنه يجب القول بمقتضى الدليل، وأنه يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل.
أما هل تكونا جماعة؟ فنقول: نعم، إن صلاتك معهم تكون جماعة، وذلك أنه ينبغي إذا دخل جماعة في مسجد قد فاتتهم الصلاة ينبغي لهم أن يصلوا جماعة حتى يحصلوا أجر الجماعة، ولكن أجر هذه الجماعة لا تكون كأجر الجماعة السابقة الأصلية، لأنها في الغالب أقل ولأنها متخلفة عنها.
وإنما قلت: يستحب أن يصلوا جماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله، وهذا عام يشمل صلاة الجماعة الأولى الأصلية وصلاة الجماعة الثانية التي كانت من أجل الضرورة لفوات الجماعة الأولى.
وأما قول من قال من أهل العلم: إن من أتوا إلى المسجد بعد انتهاء الجماعة فإنهم لا يصلون جماعة فإنه قول لا دليل عليه، والأثر الذي رووه عن ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل أوجها وأسبابا قد تكون معلومة لنا أو لا، فلعل ابن مسعود رضي الله عنه رجع فصلى في بيته لأمور اعتبارية اعتبرها في ذلك الوقت وهو أنه يخشى لو صلى وشاهده العامة ظنوا أن هذا في صلاة مشروعة أو أنه لا يريد الصلاة خلف ذلك الإمام أو ما أشبه ذلك من الأسباب، ويدل لهذا أن صاحب المغني رحمه الله ذكر أن ممن روي عنهم استحباب الجماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى، ممن رأى ذلك ابن مسعود رضي الله عنه، كما هو معلوم لمن اطلع عليه.
وعلى هذا فالقول بأن الجماعة بعد الجماعة إذا فاتت أنها بدعة وتكره أو ما أشبه ذلك قول لا وجه له لا سيما وأنه قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلا دخل فأراد أن يصلي وحده فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من يقوم مع هذا فيتصدق عليه فقام معه أحد الصحابة، وهذا دليل على أن الجماعة بعد الجماعة مشروعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
وأما قول من قال: إن هذا فيه متصدق ومتصدق عليه، فلا يقاس عليه من دخلا بعد فوات الجماعة فنقول: إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من صلى جماعة من قبل أن يعيد الجماعة مع هذا من أجله فكيف بمن لم يصليا جماعة أصلا؟ فاستحباب الجماعة بحقهما أولى، ولا حرج أن نقول: كل منكما متصدق ومتصدق عليه.
نعم، إن اعتيدت الجماعة الثانية في المسجد بحيث جعلت عادة راتبة يصلي هؤلاء ثم يأتي بعدهم قوم يصلون فإن هذا لا شك أنه من الأمور التي ينهى عنها، لأنها تؤدي إلى تفرق المسلمين والتواني عن الجماعة الأولى ويحصل فيها مفاسد، فيفرق بين الأمر العارض وبين الأمر الدائم المستمر، فاتخاذ جماعة أخرى في المسجد عادة راتبة لا شك أنه ينهى عنه، لأنه ليس من هدي الصحابة رضي الله عنهم.
أما إذا فاتت الجماعة نفرا بغير قصد ولكن من أجل الضرورة فإنه في هذه الحال لاشك في أنه يستحب أن يصلوا جماعة، ولا يصلوا فرادى ولا شك أن كل واحد من الناس إذا دخل جماعة في المسجد بعد أن سلم الإمام ثم قالوا: ما نصلي جماعة، كل واحد يصلي وحده، لا شك أن في هذا تفرقة بين المسلمين، فإن اجتماعهم على إمام وصلاتهم جميعا أقرب إلى الائتلاف والاجتماع من كون كل واحد منهم يتفرق عن الآخر.
وهذا ظاهر لمن تدبره وتأمله، بل إنه صريح في الأحاديث فيما ذكرناه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: من يتصدق على هذا وفيما ذكرناه من قوله: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده والله الموفق.
السائل : جزاكم الله خيرا.
الشيخ : ائتمام المفترض بالمتنفل جائز، ودليل ذلك أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فتكون نافلة له وفريضة لهم وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وأقره الله تعالى أو أقره النبي صلى الله عليه وسلم بعد علمه به فإنه يكون جائزا ومشروعا إذا كان من العبادات، وعلى هذا نقول: إن ائتمام المفترض بالمتنفل جائز ولا حرج فيه بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل، لأن صلاة المأموم حينئذ أكمل من صلاة الإمام، ولا ينبغي أن يكون المؤتم أكمل من الإمام، ولكن هذا التعليل في مقابلة النص فلا عبرة به.
وجواب بعضهم عن حديث معاذ بأنه يمكن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به، جواب غير سديد، وذلك لأننا لو فرضنا أو سلمنا جدلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فإن الله تعالى قد علم به بلا شك، ولو كان مما لا يرضاه الله عز وجل ما أقرهم على ذلك، ولهذا إذا وقع شيء يخفى على النبي عليه الصلاة والسلام وهو مما لا يرضاه الله بينه كما في قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا وبهذه الآية نعلم أن كل فعل يقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي زمن نزول الوحي ولم ينكره الله عز وجل فإنه يكون من الأمور الجائزة.
وإذا ثبت الدليل وانتفى المعارض المقاوم فإنه يجب القول بمقتضى الدليل، وأنه يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل.
أما هل تكونا جماعة؟ فنقول: نعم، إن صلاتك معهم تكون جماعة، وذلك أنه ينبغي إذا دخل جماعة في مسجد قد فاتتهم الصلاة ينبغي لهم أن يصلوا جماعة حتى يحصلوا أجر الجماعة، ولكن أجر هذه الجماعة لا تكون كأجر الجماعة السابقة الأصلية، لأنها في الغالب أقل ولأنها متخلفة عنها.
وإنما قلت: يستحب أن يصلوا جماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله، وهذا عام يشمل صلاة الجماعة الأولى الأصلية وصلاة الجماعة الثانية التي كانت من أجل الضرورة لفوات الجماعة الأولى.
وأما قول من قال من أهل العلم: إن من أتوا إلى المسجد بعد انتهاء الجماعة فإنهم لا يصلون جماعة فإنه قول لا دليل عليه، والأثر الذي رووه عن ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل أوجها وأسبابا قد تكون معلومة لنا أو لا، فلعل ابن مسعود رضي الله عنه رجع فصلى في بيته لأمور اعتبارية اعتبرها في ذلك الوقت وهو أنه يخشى لو صلى وشاهده العامة ظنوا أن هذا في صلاة مشروعة أو أنه لا يريد الصلاة خلف ذلك الإمام أو ما أشبه ذلك من الأسباب، ويدل لهذا أن صاحب المغني رحمه الله ذكر أن ممن روي عنهم استحباب الجماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى، ممن رأى ذلك ابن مسعود رضي الله عنه، كما هو معلوم لمن اطلع عليه.
وعلى هذا فالقول بأن الجماعة بعد الجماعة إذا فاتت أنها بدعة وتكره أو ما أشبه ذلك قول لا وجه له لا سيما وأنه قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلا دخل فأراد أن يصلي وحده فقال النبي عليه الصلاة والسلام: من يقوم مع هذا فيتصدق عليه فقام معه أحد الصحابة، وهذا دليل على أن الجماعة بعد الجماعة مشروعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
وأما قول من قال: إن هذا فيه متصدق ومتصدق عليه، فلا يقاس عليه من دخلا بعد فوات الجماعة فنقول: إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من صلى جماعة من قبل أن يعيد الجماعة مع هذا من أجله فكيف بمن لم يصليا جماعة أصلا؟ فاستحباب الجماعة بحقهما أولى، ولا حرج أن نقول: كل منكما متصدق ومتصدق عليه.
نعم، إن اعتيدت الجماعة الثانية في المسجد بحيث جعلت عادة راتبة يصلي هؤلاء ثم يأتي بعدهم قوم يصلون فإن هذا لا شك أنه من الأمور التي ينهى عنها، لأنها تؤدي إلى تفرق المسلمين والتواني عن الجماعة الأولى ويحصل فيها مفاسد، فيفرق بين الأمر العارض وبين الأمر الدائم المستمر، فاتخاذ جماعة أخرى في المسجد عادة راتبة لا شك أنه ينهى عنه، لأنه ليس من هدي الصحابة رضي الله عنهم.
أما إذا فاتت الجماعة نفرا بغير قصد ولكن من أجل الضرورة فإنه في هذه الحال لاشك في أنه يستحب أن يصلوا جماعة، ولا يصلوا فرادى ولا شك أن كل واحد من الناس إذا دخل جماعة في المسجد بعد أن سلم الإمام ثم قالوا: ما نصلي جماعة، كل واحد يصلي وحده، لا شك أن في هذا تفرقة بين المسلمين، فإن اجتماعهم على إمام وصلاتهم جميعا أقرب إلى الائتلاف والاجتماع من كون كل واحد منهم يتفرق عن الآخر.
وهذا ظاهر لمن تدبره وتأمله، بل إنه صريح في الأحاديث فيما ذكرناه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: من يتصدق على هذا وفيما ذكرناه من قوله: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده والله الموفق.
السائل : جزاكم الله خيرا.
الفتاوى المشابهة
- الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته الجماعة الأولى - ابن باز
- ما التوفيق بين النهي عن إقامة الجماعة الثانية... - الالباني
- هل يجوز صلاة المتنفل بالمفترض والمفترض بالمتنف... - الالباني
- دخل رجل المسجد وقد انتهت الصلاة فهل له أن يأتم... - الالباني
- صلى الفجر جماعة ثم رأى رجلا فاتته الصلاة... - اللجنة الدائمة
- هل تصح صلاة المتنفل بالمفترض؟ - ابن باز
- جواز ائتمام المتنفل بالمفترض - ابن عثيمين
- هل يجوز لرجل دخل المسجد بعد انتهاء صلاة الجماع... - الالباني
- حكم ائتمام المفترض بالمتنفل - ابن عثيمين
- ائتمام المفترض بالمتنفل - اللجنة الدائمة
- رجل فاتته الجماعة فوجد أحد المصلين يصلي فظنه... - ابن عثيمين