تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة الشريط من شرح كتاب البر والصلة من بلوغ... - ابن عثيمينالسائل : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحادي...
العالم
طريقة البحث
تتمة الشريط من شرح كتاب البر والصلة من بلوغ المرام.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب البر والصلة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال متفق عليه .

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، نتكلم الآن على بقية حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيما يتعلق بالبر والصلة وغيرهما، قال عليه الصلاة والسلام : إن الله كره لكم قيل وقال وسبق الكلام على هذا، وكثرة السؤال : يعني كره الله سبحانه وتعالى لنا أن نكثر السؤال، وهذا يحتمل أنه يراد به سؤال المال، وأن يراد به السؤال عن العلم، وكل منهما فيه تفصيل، أما سؤال المال : فسؤال المال محرم إلا للحاجة، فمن سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا والعياذ بالله يعني إنسان ما هو محتاج إلى المال لكن يريد أن يجمع المال ويكثره، فجعل يسأل الناس، فإن هذا يسأل كأنما يسأل جمرا، إن أكثر كثر الجمر وإن أقل قل الجمر، وهذا تحذير من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن سؤال الناس المال، والثاني : أن يسأل لحاجة، لحاجة وضرورة، كإنسان فقير لا يجد قوته فهذا له أن يسأل بقدر ما يدفع به ضرورته، وإن تورع عن السؤال فهو أفضل، حتى لو صار يكد كدة لا تليق بمثله إذا كان ليس عليه ضرر فهو أولى، أولى من سؤال الناس، وربما يكون إذا لجأ إلى ذلك سببا لرزقه من حيث لا يحتسب، لأنه اتقى الله عز وجل، الثالث : أن يسأل من يرى أن في سؤاله له منة عليه، كإنسان تعرف منزلتك عنده ومحبته لك وتمون عليه، يأتيه مثلا شيء وتذهب إليه وتقول : يا فلان أهد علينا من هذا الذي أتاك، أهد علينا من نخلك مثلا، أهد علينا من طعامك، أو ما أشبه ذلك، المهم أنك تعرف أنك إذا سألته فلك المنة عليه، هذا أيضا لا بأس به، مثل أن يسأل الإنسان أخاه، صديقه الصداقة التامة وما أشبه ذلك، هذا سؤال المال .
أما سؤال العلم : فسؤال العلم أقسام : قسم واجب أن تسأل وذلك فيما يخفى عليك من أمور دينك الذي تحتاج إليه، مثل إنسان فعل شيئا في الصلاة لا يدري هل هو جائز أو لا، يجب أن يسأل، إنسان عنده مال، يجب أن يسأل هل فيه زكاة أو ما فيه زكاة، إنسان يريد أن يحج يجب أن يسأل كيف يحج، المهم : السؤال عن ما لا يمكنك جهله في الدين واجب، الثاني : السؤال لزيادة العلم وكثرة العلم، وهذا ما يحصل من الطلبة، تجد الطالب يسأل ليزاد علما، فهذا لا شك أنه مطلوب، وينبغي للإنسان أن يسأل ليزداد علما، ولقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يتتبع أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسألهم عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أنه ليأتي الرجل في وقت القائلة يعني عند منتصف النهار فيجده قائلا، فيتوسد ابن عباس رداءه عند عتبته حتى يخرج ويسأله عن الحديث، وهو ابن عباس ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يتكبر عن العلم، بل يفعل هذا لينال حديثا واحدا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا طيب ومحمود ويشكر الإنسان عليه، الثالث : أن يسأل ليتتبع الرخص، يسأل عن العلم ليتتبع الرخص، مثلا : يأتي إلى شخص من العلماء يسأله يقول : ما تقول في هذا ؟ قال له العالم : هذا حرام ما يجوز، فقال بنفسه : هذا شديد، هذا متشدد دور واحد آخر، ذهب لآخر قال : هذا مكروه، قال : بعد نبي الدرجة الثالثة، ما يكفيني هذا دور واحد، ذهب إلى آخر قال : هذا مباح، قال : هذا الصواب، هذا حرام عليه، يحرم على الإنسان أن يسأل ليتتبع الرخص، وقد ذكر العلماء رحمهم الله : " أن من تتبع الرخص فسق "، أي صار فاسقا غير مقبول الشهادة ولا متبوع الولاية، لأنه يلعب بدين الله، كيف تسأل هذا الرجل على أن ما يقوله، على أن ما يقوله هو شرع الله ثم إذا لم يوافق هواك تذهب إلى آخر، معناه : أنك تريد أن تكون الشريعة على حسب إيش ؟ على حسب هواه ومزاجه، هذا لا يجوز، حتى قال بعض العلماء : من تتبع الرخص تزندق، صار زنديق والعياذ بالله، فأنت إذا أتيت إلى عالم تثق به، بعلمه وأمانته وأن ما يقوله ويفتيك به هو شريعة الله لا تتعداه إلا عند الضرورة، أحيانا يكون الإنسان في قرية ليس عنده إلا طالب علم صغير لكنه أعلم منه، فيسأله ومن نيته أنه إذا وجد عالما أعلم من هذا الطالب العلم سأله فهذا لا بأس، يشبه هذا أكل الميتة عند إيش ؟ عند الضرورة، الإنسان إذا اضطر للأكل بياكل ولو ميتة وبعدين يأكل الطيب، هذا لا بأس به، كم قسم ذكرنا ؟ ثلاثة أقسام، القسم الرابع : أن يسأل تعنتا، وإحراجا للمسؤول وإشقاقا عليه، ما قصده العلم، لكن قصده أن يحرج هذا العالم، فهذا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من ضار ضار الله به وإذا علمت من السائل أنه يريد هذا يريد التعنت والإشقاق فلك أن تحجب العلم عنه، لك أن تقول : ما لك عندي فتوى، ولا يعد هذا من كتمان العلم، بل هذا من التعذير المفيد، ولهذا قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام في الذين يأتونه من أهل الكتاب يستفتونه قال : فإن جاءوك فاحكم بينهم نعم ؟ أو أعرض عنهم وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ فمثل هؤلاء الذين يتتبعون العلماء ليحرجوهم إما في مجالس علم وحلق العلم وإما على انفراد هؤلاء أحق ما يكون فيهم أن يسفهوا ويهجروا ولا يجابوا، متى علمت أن هذا الرجل، رجل يريد إشقاق العلماء وتعنتهم فإنه لا يجاب، أما بالنسبة لفعله فهو مؤذي ومريد للإضرار، ومن ضار ضار الله به، فصارت هذه الجملة من رسول الله صلى الله عليه وسلم : كثرة السؤال تحتاج إلى هذا التفصيل، لا سؤال العلم ولا سؤال المال، بقي هناك شيء آخر : السؤال عن الحال، بعض الناس يأتي إليك يسألك يحرجك ماذا تفعل ؟ إذا قمت من النوم ويش تسوي ؟ إذا صليت الفجر ويش تسوي ؟ إذا صار في الضحى ويش تسوي ؟ يسألك عن حالك، أو إيش لون صلتك بأولادك ؟ إيش لون صلتك بأهلك ؟ هذا لا يجوز، اللهم إلا رجلا يسأل طالب علم كيف يرتب وقته من أجل أن يقتدي به فهذا لا بأس به، به مصلحة، لأن بعض الناس يحب أن يعرف من العالم كيف يمضي وقته من أجل إيش ؟ يفعل مثله، ومن ذلك : سؤال الصحابة رضي الله عنهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يعمل في السر، وإيش عمله في بيته ؟ فلما أخبروهم، فلما أخبرت النساء هؤلاء القوم، قالوا : هذا عمل قليل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ثم كل منهم أراد أن يتبع طريقا، والقصة المعروفة المشهورة لا يتسع المقام لذكرها، إذا صار السؤال كم ؟ عن سؤال المال وإيش ؟ والعلم والحال، والله الموفق .

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، آخر الجمل التي في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى كره لنا إضاعة المال، المال جعله الله عز وجل قياما للناس في أمور دينهم وأمور ودنياهم، ودليل ذلك قوله تعالى : وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا أي تقوم به مصالح دينكم ودنياكم، فالصدقات تقوم بالمال، والنفقات الواجبة تقوم بالمال، والجهاد يقوم بالمال، وكسوة العاري تقوم بالمال، وطلب العلم يقوم بالمال، كل المصالح في الدين والدنيا تقوم بالمال، فهو قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم، وتصريف المال يسأل عنه المرء يوم القيامة، لأنه يسأل عن ماله من أين اكتسبه ويسأل عن ماله فيما أنفقه، ثم الإنسان إما أن ينفق المال يبتغي به وجه الله في سبل الخير، كالصدقة على الفقراء والمساكين وبذله في الجهاد في سبيل الله، وفي كتب العلم، وإعانة طلبة العلم، وبناء المساجد، وغير هذا من أنواع البر فهذا هو صاحب المال حقيقة، وهو الذي انتفع بماله حقيقة، لأنه قدمه لنفسه يجده أحوج ما يكون إليه يوم القيامة، القسم الثاني : بالعكس بذل المال فيما يغضب الله عز وجل، وفيما لا يرضاه، إما بآلات اللهو وإما بشرب الدخان وإما بشرب الخمر وإما بالمسكرات وإما بالمخدرات أو بغير ذلك، هذا صار ماله خسارة عليه في الدنيا والآخرة والعياذ بالله، ومنه قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ومن ذلك أمم النصارى التي تخسر الأموال العظيمة من أجل بث النصرانية، ذلك الدين الباطل، الدين المبني على أوهام وخرافات، ليس على عقيدة ولا على معقود، فتجدهم ينفقون الأموال الطائلة الهائلة في سبيل تضليل المسلمين وتنصير المسلمين، هؤلاء ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون . القسم الثالث : من ينفق ماله لا بهذا ولا بهذا، عبثا ولعبا فهذا من السفه، وهو من إضاعة المال، فلا يجوز للإنسان أن يبذل ماله إلا لما فيه مصلحة دينية أو دنيوية، ولهذا منع الله عز وجل أن نعطي السفهاء أموالنا، لأن السفهاء لا يحسنون التصرف، يصرفونها في أشياء غير نافعة، وقد أشرنا إلى أن بذل المال في شرب الدخان من إضاعة المال، وهو كذلك لا شك في هذا، إذ أن شرب الدخان ليس فيه مصلحة للبدن ولا تقوية للعقل ولا ترتيب للفكر، بل هو ضرر محض، ولهذا ذهب العلماء المحققون إلى تحريمه، هذا قبل أن يحدث الطب الحديث، الذي أجمع علماء الطب على أن الدخان ضار، ولم يختلف منهم اثنان، فإذا كان الطب يشهد بضرره وفيه إضاعة المال كان حراما، فالعاقل هو الذي يحمي نفسه من هذا العمل الخبيث، وإذا كان قد ابتلي به فليحاول الإقلاع عنه، ولو رويدا رويدا، يعني قد لا يكون عند الإنسان عزيمة قوية بحيث يتركه بتاتا، فنقول : اتركه شيئا فشيئا، وجانب الذين يشربونه، لا تجلس إليهم، ابتعد عنهم، مع الاستعانة بالله وصدق النية، وإذا فعلت ذلك فإن الله عز وجل سوف يعينك على هذا،
أسأل الله أن يحمينا وإياكم عما يغضبه ويوفقنا وإياكم لما يرضيه .

Webiste