تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة الشريط بشرح حديث :( من هم بالحسنة فلم ي... - ابن عثيمينالشيخ : ثم قال المؤلف رحمه الله : الحديث السابع والثلاثون : عن ابن عباس رضي الله عنه. والأحسن أن يقال : رضي الله عنهما، لأن عبد الله مؤمن وأبوه مؤمن. وه...
العالم
طريقة البحث
تتمة الشريط بشرح حديث :( من هم بالحسنة فلم يعملها ).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ثم قال المؤلف رحمه الله : الحديث السابع والثلاثون : عن ابن عباس رضي الله عنه. والأحسن أن يقال : رضي الله عنهما، لأن عبد الله مؤمن وأبوه مؤمن. وهنا مضاف ومضاف إليه، ابن مضاف وعباس مضاف إليه، فهما رجلان. فالأفضل أن يقال، الأولى أن يقال: عنهما، عَنِ رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فِيْمَا يرويه عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ . قوله : "فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثاً قدسياً، نعم، فيما يرويه أنه قال : إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ والسيئات ، كتب وقوعها وكتب ثوابها. فهي واقعة بقضاء الله وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ. وهي أيضاً مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث. فقوله : كتب الحسنات والسيئات أي كتب إيش؟ وقوعها وثوابها. أما وقوعها : ففي اللوح المحفوظ، وأما ثوابها : فبما دل عليه الشرع.
ثُمَ بَيَّنَ ذَلِك : أي فصله، فَمَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً مَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً . والهم هنا ليس مجرد حديث النفس، لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه. لكن المراد عزم عليها، عزم على أن يفعل ولكن لم يفعل، تكاسل ولم يفعل، فيكتبها الله حسنة كاملة. كيف يثاب وهو لم يعمل؟ يثاب على العزم مع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة.
واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:
الوجه الأول : أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها. فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تبارك وتعالى : وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ . وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه، هذا الأول.
الثاني : أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها. يتركها لحسنة أفضل منها. فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل. ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا. ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين فتح مكة، وقال : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟ فقال: صَلّ هَا هُنَا فكرر عليه، فقال له : شَأنُكَ إذن . فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.
الثالث : أن يتركها تكاسلاً، تكاسلا مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى. فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال : اذهب بنا نتمشى. فترك الصلاة وذهب معه يتمشى. فهذا إيش؟ يثاب
على الهم الأول والعزم الأول. ولكن لا يثاب على الفعل، لأنه لم يفعله بدون عذر، وبدون انتقال إلى ما هو أفضل. ثم قال في الحديث : وَإِن هَمَّ بِهَا فَعمَلَهَا تكتب الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة . إذا هَمَّ بِهَا فَعمِلهَا تكتب عشر حسنات - والحمد لله -. ودليل هذا من القرآن قول الله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . يقول إذن نعم عَشرَ حَسَنَات. هذه العشر حسنات كتبها الله على نفسه ووعد بها وهو لا يخلف الميعاد. وسَبعمَائةِ ضِعف : تحت مشيئة الله، إن شاء ضاعف إلى هذا، وإن شاء لم يضاعفه إلى سَبعمَائةِ ضِعف إلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ : يعني: أكثر من سبعمائة ضعف. وَإِن هَمَّ بِسَيئةٍ انتهيتا الآن من الهم بالحسنة. وبينها الله عز وجل بيانا واضحا. إذا هم بها وإذا عملها. ونحن أضفنا إلى ذلك من قواعد الشريعة إذا هم بها وتركها. طيب. قال : وَإِن هَمَّ بِسَيئةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنةً كَامِلَةً وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف. اعتنى النووي رحمه الله في هذا الكتاب بهذا الحديث. إِذا هَمَّ بِالسَيئةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ تعالى عِندَهُ حَسَنةً كَامِلَةً أفهمت؟ لماذا؟ جاء في الحديث : لأنهُ إِنَمّاٍ تَرَكَهَا مِن جَرائي أي من أجلي. فتكتب حسنة كاملة، لأنه تركها لله.
واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال :
الحال الأولى : أن يهم بالسيئة يعني : عزم بقلبه، ما هو مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله عزّ وجل، فهذا هو الذي يؤجر، تكتب حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يعطى عشر حسنات.
الثانية، الحال الثانية : أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها: كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليت لي مثل مال فلان أعمل فيه مثل عمل فلان. وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله. فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة، بل يكتب وزر نيته، كما جاء في الحديث بلفظه : فَهوَ بِنيَّتهِ فَهُمَا في الوِزرِ سواء هذا إيش؟ الحالة هذه ما هي؟ الحال الثانية.
الحال الثالثة : أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز. فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً. ودليل ذلك : قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ: يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ. فَمَا بَالُ المقتُول؟ - ليش يكون في النار- قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ . فكتب عليه عقوبة القاتل. ومثاله : لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز يكتب عليه وزر السارق، لأنه همّ بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز. هذه ثلاث حالات.
فيه حال رابعة : أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز. ولا. نعم. فهذا لا له ولا عليه، لا له ولا عليه. وهذا يقع كثيراً، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها. فهذا لا يمكن أن يثاب لأنه لم يتركها لله. ولا يمكن أن يعاقب لأنه ما فعل ما يوجب العقوبة. وعلى هذا فيكون قوله في الحديث : كَتَبَهَا الله عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً متى؟ إذا تركها لله عزّ وجل. وَإِن هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيئةً وَاحِدةً ، - الحمد لله -. ولهذا قال الله عزّ وجل : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ . وقال الله عز وجل : إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ . وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال الصالحة، والجزاء على الأعمال السيئة.
قال النووي - رحمه الله -: " فانظر يا أخي، فانظر - ... طيب - قال: فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ، وقوله : "عِندَهُ" إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله : " كَامِلَةً " للتأكيد وشدة الاعتناء بها. وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فأكدها بكاملة وإن عملها كتبها سيئة واحدة. فأكد تقليلها بواحدة. ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة سبحانه لا نحصي ثناءً عليه. وبالله التوفيق ".
هذا تعليق طيب من المؤلف - رحمه الله -.

Webiste