مسألتي : " الشرب قائمًا " و " كشف الفخذ " على ضوء قاعدة : " تعارض القول مع الفعل " ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : من فائدة هذه القاعدة وتطبيقها على بعض النصوص المتخالفة ظاهرًا أنه ثبت في السنة الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قائمًا ، وثبت - أيضًا - في السنة الصحيحة أنه نهى عن الشرب قائمًا ، ماذا يفعل الآن الفقيه الذي يريد الحق ولا يتأثَّر بالأجواء والعادات التي يعيش فيها أو بينها ؟ الآن فلنجرب تجربة ثانية ، نقدِّم القول على الفعل ، وسنسمع طبعًا اعتراضات كثيرة ، لكن هذه الاعتراضات قائمة على خلاف القاعدة : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا ، يقول بعض القدامى والمُحدَثين إن هذا النهي للتنزيه ، لماذا نقول أو نتأوَّل النهي بهذا المعنى وهو كراهة تنزيهية ؟ لأنه ثبت يقينًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شرب قائمًا ، أنا أقول : كان من الممكن أن يُقال بأن هذا النهي للكراهة التنزيهية ، لو كان عندنا ثابت تأريخيًّا أن فعله كان بعد النهي ، فيكون فعله بيانًا لقوله ، ونحن نعرف أنه من قواعد الشريعة - أيضًا - أن فعله - صلى الله عليه وسلم - هو بيان للشرع ، سواء كان قولًا أو غير قول ، وهذا منصوص في القرآن كما تعلمون وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، فبيانه - عليه السلام - يكون تارةً بقوله ، تارة بفعله ، تارة بإقراره ، فلو أنه كان عندنا تأريخ صحيح أنه شرب بعد النهي ، وقال قائل ما بأن هذا النهي للتنزيه ؛ لأن الرسول شرب بعد النهي ، ممكن ، لكنني أقول لا - أيضًا - ، وسوف تسمعون السبب ، سنطبِّق القاعدة كما طبَّقناها في بعض الأمثلة السابقة ، يمكن أن يكون شربه - عليه السلام - على الإباحة ، ما دام ما عندنا تاريخ المذكور آنفًا ، فيمكن أن نقول كان شربه على الإباحة وقبل النهي ، يأتي الجواب الثاني أو الاحتمال الثاني ، وهو أن يكون شرب قائمًا لعذر ، ومن كان معذورًا لا يُلحق به من ليس معذورًا ، وهذا أمر بدهي جدًّا ، أخيرًا نقول : يمكن أن يكون ذلك من خصوصيَّاته - عليه السلام - .
لمثل هذا - أيضًا - يُجاب عن حديث البخاري ومسلم الذي هو في " الصحيحين " من حديث أنس لما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، وكان على فرس له ، فانحسر الإزار عن فخذه - عليه السلام - ، وهو لها لفظان ، لا شك أن أحدهما ، وهذا يعود بنا إلى درسنا في الصباح الذين يقولون إنه ما في " الصحيحين " مقطوعًا بصحته ، هاتوا الآن جواب عن هذه المعارضة الموجودة في حديث واحد رواه البخاري بلفظ : فحسر الإزار عن فخذه ، ورواه مسلم فانحسر الإزار عن فخذه ، فلفظ البخاري حسر أي : قصدًا ، وهنا حينذاك يظهر حكم جديد ، بينما لفظ مسلم انحسر ؛ أي : ليس له كسب في ذلك ، لأنه يُطارد ويركض بفرسه ، وبطبيعة الحال الثوب يطيح مع الهواء وينكشف الفخذ ، هذا المعنى الثاني إذا أردنا أن نرجِّح قلنا رواية مسلم أصح من رواية البخاري في هذه اللفظة ، بينما نحن نقرأ في مصطلح علم الحديث أن ما رواه البخاري أصحُّ مما رواه مسلم ، ما رواه مسلم أصحُّ مما رواه أهل السنن ، و و إلى آخره من المسانيد ، هذه قاعدة ولكنها ليس مطردة ، ربَّ حديث لم يروه الشيخان رواه الإمام أحمد في " مسنده " أصح من كثير من الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم كلاهما معًا في " الصحيحين " ، القاعدة هذه قادة ليست مطَّردة ، وإنما يمكن أن نقول إنها قاعدة أغلبية .
فالآن إذا افترضنا أن رواية البخاري حسرَ الإزارَ وليس الراجح انحسرَ الإزارُ ، حسرَ الإزارَ افترضنا أن هذه الرواية أصح ؛ بناء على القاعدة العامة أن ما رواه البخاري أصح مما رواه مسلم ، كيف التوفيق بين هذا الحديث الصحيح وبين قوله - عليه السلام - : الفخذ عورة ؟
نلجأ إلى القاعدة فنستريح ، الفخذ عورة تشريع عام للأمة ، عارضه هذا الفعل ، مع أن هذا الفعل فيه ذاك الإشكال ، يا ترى كان قصدًا منه أم دون قصد ؟ لكن نفترض أنه كان بقصد منه ، إذًا هذا فعل ، فقد يكون على الإباحة الأصلية ، وقد يكون لعذرٍ تضايق وهو يطارد فكشف الثوب ، وانحسر الثوب عن فخذه ، وقد يكون خصوصيَّة ، كذلك يُقال عن حديث القليب الذي دلَّى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - رجليه فطرق طارق الباب ، وهو أبو بكر الصديق ، فاستأذن النبي قال : ائذنوا له ، دخل وجلس عن يمين الرسول -عليه السلام - وأدلى رجليه في البئر ، وهكذا جاء عمر عن يساره ، وجاء عثمان فغطَّى الرسول - عليه السلام - على الرواية المُختلف فيها - أيضًا - ، فرواية تقول : قد انكشف الثوب عن ركبتيه ، في رواية : عن فخذه ، وفي رواية في " صحيح مسلم " : الشك من الراوي : بين فخذه وبين ساقيه ، لكن نحن تتبَّعنا الروايات فوجدنا الرواية الصحيحة خارج .
السائل : عن ساقه ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : عن ساقه ؟
الشيخ : لا ، أنا أريد أن أقول خلاف ذلك ، " عن فخذه " خارج الصحيح ، " عن فخذه " فهي التي ترجِّح أحد القولين الذي شكَّ بينهما الراوي عن فخذه أو عن ساقه ، الشاهد نفترض - أيضًا - أن الرواية الصحيحة كما قلنا أنه كان كاشفًا عن فخذه الذي قال في حديث القول : الفخذ عورة ، ولما دخل عثمان ستر فخذه ، وكانت الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - وهذا من فقهها وحرصها على الفقه وهي امرأة محجبة ، كانت تُراقب من الداخل ، من الخارج ماذا يفعل الرسول ؟ فلما خرج الجماعة قالت : يا رسول الله ، دخل أبو بكر ما غيَّرت من وضعك ، دخل عمر كذلك ، لما دخل عثمان بادرت فسترت فخذك ؟ قال - عليه السلام - : ألا أستحي ممن تستحيي منه الملائكة ؟ ، إذًا هو كشف فخذه أمام أبا بكر ، وفخذه أمام عمر ، إذًا كيف الفخذ عورة في القول ؟
نقول هذا فعل ويحتمل واحدة من ثلاثة : أما قوله ؛ فهي الشريعة العامة ، ولسنا بحاجة - والحالة هذه - أن نلجأ إلى بعض أقوال علماء المالكية الذين قسموا العورة توفيقًا بين الحديث القولي والحديث الفعلي إلى عورة كبرى وعورة صغرى ، فالعورة الكبرى السوءتان ، والعورة الصغرى الفخذان ، لا حاجةَ بنا حينما نطبِّق هذه القاعدة الفقهية ، فنستريح من مثل هذا التعديل الذي لا مسوِّغ له بعد أن عرفنا أن القاعدة العلمية تأمرنا بأن نعود إلى قوله - عليه السلام - وندع فعله لاحتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة ، هذا في الواقع ممَّا يساعد طالب العلم على أن يعرف كيف يوفِّق بين الأحاديث المتعارضة ، والقواعد في ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا والحمد لله ، لكن الذي يُناسب موضوعنا المتعلق بنهيه - عليه السلام - عن صيام يوم السبت هو ينبني على هذه القاعدة الفقهية ، " إذا تعارض القول والفعل قُدِّم القول على الفعل " ، تفضل .
السائل : أنهما قصتان ، قصة دخول أبي بكر وعمر ، ثم تلاهما عثمان ، هذا في بيت عائشة يعني وكان في هذه الحالة كاشفًا عن فخذه ، وسألت عائشة هذا السؤال ، أما قصة حديث أبي موسى وتدلية الرسول وأصحابه أرجلهم في البئر ؛ فليس فيها إلا أنه كشف عن ساقه ، وجاء أبو بكر وكشف عن ساقه ، وجاء عمر وجلس عن يساره ، وكشف عن ساقه ، ثم قال : بشِّر عثمان في بلوى تصيبه ، وجاء ولم يجد مكانًا على البئر ، فأوَّل سعيد بن المسيب بقبورهم ، فهذه ليس فيها إلا كشف الساقين فقط ، وليس فيها كشف الفخذ ؟
الشيخ : إذا كان كذلك ؛ فهذا الجمع جيد ، جزاك الله خير .
لمثل هذا - أيضًا - يُجاب عن حديث البخاري ومسلم الذي هو في " الصحيحين " من حديث أنس لما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، وكان على فرس له ، فانحسر الإزار عن فخذه - عليه السلام - ، وهو لها لفظان ، لا شك أن أحدهما ، وهذا يعود بنا إلى درسنا في الصباح الذين يقولون إنه ما في " الصحيحين " مقطوعًا بصحته ، هاتوا الآن جواب عن هذه المعارضة الموجودة في حديث واحد رواه البخاري بلفظ : فحسر الإزار عن فخذه ، ورواه مسلم فانحسر الإزار عن فخذه ، فلفظ البخاري حسر أي : قصدًا ، وهنا حينذاك يظهر حكم جديد ، بينما لفظ مسلم انحسر ؛ أي : ليس له كسب في ذلك ، لأنه يُطارد ويركض بفرسه ، وبطبيعة الحال الثوب يطيح مع الهواء وينكشف الفخذ ، هذا المعنى الثاني إذا أردنا أن نرجِّح قلنا رواية مسلم أصح من رواية البخاري في هذه اللفظة ، بينما نحن نقرأ في مصطلح علم الحديث أن ما رواه البخاري أصحُّ مما رواه مسلم ، ما رواه مسلم أصحُّ مما رواه أهل السنن ، و و إلى آخره من المسانيد ، هذه قاعدة ولكنها ليس مطردة ، ربَّ حديث لم يروه الشيخان رواه الإمام أحمد في " مسنده " أصح من كثير من الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم كلاهما معًا في " الصحيحين " ، القاعدة هذه قادة ليست مطَّردة ، وإنما يمكن أن نقول إنها قاعدة أغلبية .
فالآن إذا افترضنا أن رواية البخاري حسرَ الإزارَ وليس الراجح انحسرَ الإزارُ ، حسرَ الإزارَ افترضنا أن هذه الرواية أصح ؛ بناء على القاعدة العامة أن ما رواه البخاري أصح مما رواه مسلم ، كيف التوفيق بين هذا الحديث الصحيح وبين قوله - عليه السلام - : الفخذ عورة ؟
نلجأ إلى القاعدة فنستريح ، الفخذ عورة تشريع عام للأمة ، عارضه هذا الفعل ، مع أن هذا الفعل فيه ذاك الإشكال ، يا ترى كان قصدًا منه أم دون قصد ؟ لكن نفترض أنه كان بقصد منه ، إذًا هذا فعل ، فقد يكون على الإباحة الأصلية ، وقد يكون لعذرٍ تضايق وهو يطارد فكشف الثوب ، وانحسر الثوب عن فخذه ، وقد يكون خصوصيَّة ، كذلك يُقال عن حديث القليب الذي دلَّى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - رجليه فطرق طارق الباب ، وهو أبو بكر الصديق ، فاستأذن النبي قال : ائذنوا له ، دخل وجلس عن يمين الرسول -عليه السلام - وأدلى رجليه في البئر ، وهكذا جاء عمر عن يساره ، وجاء عثمان فغطَّى الرسول - عليه السلام - على الرواية المُختلف فيها - أيضًا - ، فرواية تقول : قد انكشف الثوب عن ركبتيه ، في رواية : عن فخذه ، وفي رواية في " صحيح مسلم " : الشك من الراوي : بين فخذه وبين ساقيه ، لكن نحن تتبَّعنا الروايات فوجدنا الرواية الصحيحة خارج .
السائل : عن ساقه ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : عن ساقه ؟
الشيخ : لا ، أنا أريد أن أقول خلاف ذلك ، " عن فخذه " خارج الصحيح ، " عن فخذه " فهي التي ترجِّح أحد القولين الذي شكَّ بينهما الراوي عن فخذه أو عن ساقه ، الشاهد نفترض - أيضًا - أن الرواية الصحيحة كما قلنا أنه كان كاشفًا عن فخذه الذي قال في حديث القول : الفخذ عورة ، ولما دخل عثمان ستر فخذه ، وكانت الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - وهذا من فقهها وحرصها على الفقه وهي امرأة محجبة ، كانت تُراقب من الداخل ، من الخارج ماذا يفعل الرسول ؟ فلما خرج الجماعة قالت : يا رسول الله ، دخل أبو بكر ما غيَّرت من وضعك ، دخل عمر كذلك ، لما دخل عثمان بادرت فسترت فخذك ؟ قال - عليه السلام - : ألا أستحي ممن تستحيي منه الملائكة ؟ ، إذًا هو كشف فخذه أمام أبا بكر ، وفخذه أمام عمر ، إذًا كيف الفخذ عورة في القول ؟
نقول هذا فعل ويحتمل واحدة من ثلاثة : أما قوله ؛ فهي الشريعة العامة ، ولسنا بحاجة - والحالة هذه - أن نلجأ إلى بعض أقوال علماء المالكية الذين قسموا العورة توفيقًا بين الحديث القولي والحديث الفعلي إلى عورة كبرى وعورة صغرى ، فالعورة الكبرى السوءتان ، والعورة الصغرى الفخذان ، لا حاجةَ بنا حينما نطبِّق هذه القاعدة الفقهية ، فنستريح من مثل هذا التعديل الذي لا مسوِّغ له بعد أن عرفنا أن القاعدة العلمية تأمرنا بأن نعود إلى قوله - عليه السلام - وندع فعله لاحتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة ، هذا في الواقع ممَّا يساعد طالب العلم على أن يعرف كيف يوفِّق بين الأحاديث المتعارضة ، والقواعد في ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا والحمد لله ، لكن الذي يُناسب موضوعنا المتعلق بنهيه - عليه السلام - عن صيام يوم السبت هو ينبني على هذه القاعدة الفقهية ، " إذا تعارض القول والفعل قُدِّم القول على الفعل " ، تفضل .
السائل : أنهما قصتان ، قصة دخول أبي بكر وعمر ، ثم تلاهما عثمان ، هذا في بيت عائشة يعني وكان في هذه الحالة كاشفًا عن فخذه ، وسألت عائشة هذا السؤال ، أما قصة حديث أبي موسى وتدلية الرسول وأصحابه أرجلهم في البئر ؛ فليس فيها إلا أنه كشف عن ساقه ، وجاء أبو بكر وكشف عن ساقه ، وجاء عمر وجلس عن يساره ، وكشف عن ساقه ، ثم قال : بشِّر عثمان في بلوى تصيبه ، وجاء ولم يجد مكانًا على البئر ، فأوَّل سعيد بن المسيب بقبورهم ، فهذه ليس فيها إلا كشف الساقين فقط ، وليس فيها كشف الفخذ ؟
الشيخ : إذا كان كذلك ؛ فهذا الجمع جيد ، جزاك الله خير .
الفتاوى المشابهة
- ما هو الجواب على من يقول : إذا كان الفخذ عورة... - الالباني
- هل الفخذ من العورة ؟ - الالباني
- حكم كشف الفخذ والنظر إليه - ابن عثيمين
- أرجو منكم الجمع بين الأدلة التي فيها أن الفخذ... - الالباني
- تقريب تحرير مسألة استقبال القبلة واستدبارها بغ... - الالباني
- القول في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : (... - الالباني
- ما هو الصواب في كشف الفخذ لما جاء في كتاب * فق... - الالباني
- كيف التوفيق بين نهي النبي - صلى الله عليه وسلم... - الالباني
- مسألة الكشف عن الفخذ ، هل هناك تعارض بين كشف ا... - الالباني
- الكلام على مسألتي الشرب قائماً وكشف الفخذ على... - الالباني
- مسألتي : " الشرب قائمًا " و " كشف الفخذ " على... - الالباني