وأخيرًا : انتهى مطاف العلماء المحقِّقين بعد هذا الخلاف الطويل العريض إلى ما ذكره الإمام النووي في كتابه الكبير " المجموع شرح المهذَّب " عن عمر بن الخطاب أنه مسح على جوربين رقيقين ، مسح عمر بن الخطاب على جوربين رقيقين ، ومن المعتاد الاستدلال بمثل هذه المناسبة أن عمر بن الخطاب من الخلفاء الراشدين ، وقد أُمِرنا بالاقتداء بهم ، وهو ههنا بلا شك موضع القدوة ؛ لأنه ليس هناك في السنة ما يُخالف هذا الذي ذكره الإمام النووي عن عمر بن الخطاب ، بل إطلاق جواز المسح في الشرع على الجوربين هذا الإطلاق يشمل أيَّ جورب كان ؛ كان ثخينًا أو رقيقًا ، كان شفَّافًا أو صفيقًا ، لأنهم - أيضًا - من جملة الشروط التي شدَّدوا فيها أن لا ينفذ الماء منه إلى القدم ، هذا - أيضًا - شرط من تلك الشروط ، وحسبكم أن تتذكَّروا معي قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : "كلُّ شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطلٌ ولو كان مائة شرط" ، وهذا كلام واضح ؛ لأن أيَّ حكم في الشرع جاء مطلقًا سواء كان فرضًا أو كان نهيًا أو كان رخصةً حينما يأتي إنسان فيضع لكل ذلك شرطًا من عنده ألغى الحكم من أصله .
فإذا قيل : رَخَّص الرسول - عليه السلام - في المسح على الجوربين ، ثم جاء إنسان فقال : لكن بشرط كذا ؛ أن يكون " كرَّاديًّا " مثلًا ، وقد قيل هذا ، يكون من الجوارب التي ما عاد نلبسها نحن اليوم هاللي محيكة بصنع بيتي من الصوف المبروم الثَّخين ، إي هذا وين بدنا نحصِّله ؟ معناها بقى لا تمسح على الجوربين !! لأنه وضع شرط لا يمكننا الآن أو يتعسَّر علينا الآن تحقيقه .
فإذًا هذا الشرط لا يجوز وضعه إلا بأمر من الله أو من نبيِّه - عليه السلام - ؛ فمادام أنه لم يأت أيُّ شرط فنحن على الإطلاق ، مسح على الجوربين مسح على الخفين ، الحمد لله رب العالمين كما قال : { وما كان ربك نسيًّا } ، وكما في حديث في سنده ضعف لكن معناه يشهد له الآية السابقة : "وسكت عن أشياء" شو أول الحديث ؟
السائل " عيد " : "إن الله" .
الشيخ : "إن الله فرض فرائض فلا تضيِّعوها ، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء رحمةً بكم فلا تسألوا عنها" . نعم ؟
السائل : "من غير نسيان" .
الشيخ : "فلا تسألوا أو لا تبحثوا عنها" .
فإذًا هذه الشروط لو كان الله - عز وجل - يُريدها أن تكون مشروعةً في عباده ما نسيها وإنما كان شرعها ، فما دام أنه لم يشرَعْها فنحن على الرخصة المطلقة ، وأحسن ما أُلِّف في هذا الموضوع بخصوص المسح على الجوربين والشروط التي قِيلت فيه هو كتاب الشيخ جمال الدين القاسمي وهو " المسح على الجوربين " ؛ فهو في الواقع كتاب جمع أقوال العلماء وناقشها مناقشة في مقرونة بعلم وفقه ، وكنت أنا علَّقت عليه وحقَّقته وجعلت له ذيلًا في آخره بيَّنت فيه بعض الأحكام التي تهمُّ - أيضًا - العامل بهذه الرخصة ، وهو مسألة متى يبدأ المسح ومتى ينتهي ؛ فمن شاء التوسع فليرجع إلى هذه الرسالة .