تم نسخ النصتم نسخ العنوان
من شرح كتاب " الترغيب والترهيب " ، حديث عائشة... - الالبانيالشيخ : الحديث الثاني : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ .السَّهو...
العالم
طريقة البحث
من شرح كتاب " الترغيب والترهيب " ، حديث عائشة : " قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ فيه تَماثِيلُ " .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : الحديث الثاني : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ سَفرٍ وقد سَترتُ سَهْوةً لي بقرامٍ .
السَّهوة : الطاقة في الحائط . بقرامٍ : الستارة . فيه تَماثِيلُ : أي : فيه صور .
وهنا فائدة لغوية بالنسبة لِبُعدنا اليوم عن اللغة العربية ، أو لسيطرة بعض الاصطلاحات ؛ فنحن اليوم نفهم من لفظة تمثال أو تماثيل الأصنام ، هذا التمثال المالكي مثلًا ، نحن ما نقول : هذه صورة ، هي صورة بلا شك ، كما أن الصور التي نقتنيها على الورق هي - أيضًا - في لغة العرب تماثيل ، والشاهد على ذلك هو هذا الحديث ، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - حينما دخل على السيدة عائشة في هذه القصة فرآها وقد علَّقت قرامًا ، ستارة عليها تماثيل ، التماثيل تُوضع على الجدر ولا تُوضع على الأستار ، لكن اللغة واسعة ، فإن قلت : صورة فممكن تكون صورة بمعنى الصنم أو صورة ليس لها ظلٌّ ، كذلك إن قلت : تمثال فهو بمعنى الصورة ، قد يكون مجسَّم وقد يكون غير مجسَّم ، فجاء هذا الاستعمال في هذا الحديث بالمعنى الذي لا ينتبه له كثير من الناس . أيضًا الرسول - عليه الصلاة والسلام - رأى تماثيل على الستارة ؛ أي : صور ، صور يعني إما ملوَّنة بدهان أو مطرَّزة تطريز ، فليست هي أصنامًا .
قالت : " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفرٍ وقد سترت سَهْوة لي بقرامٍ فيه تماثيل ، فلمَّا رآه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تلوَّن وجهه " ؛ أي : تغيَّر غضبًا واحمرَّ ، وقال : يا عائشة ، أشدُّ الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله ، أي : الذين يعملون أعمالًا من التصوير سواء كان مجسَّمًا أو غير مجسَّم ، يتشبَّهون بخلق الله - عز وجل - لخلقه ، يضاهون بخلق الله ؛ أي : بما يخلق الله ، فالله يخلق هذه الأجسام هذه الخيالات وهم - أيضًا - يضاهون ، والمضاهاة ليس من الضروري كما هو معلوم أن تكون الجميع ، ليش ؟ ... فالذي ينحت التمثال أو يصوِّر الصورة على الورق ؛ فهو يضاهي ربَّ العالمين من حيث الهيكل والصورة ، ولكن أهم شيء في ذلك هو نفخ الروح ، ولذلك لما كان عاجزًا عنه يُعذَّب يوم القيامة بأن يُؤمر بأن ينفخ الروح فلا يستطيع وليس بنافخ ، فإذًا المضاهاة المقصودة هنا والتي جعلها الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث علَّة تحريم التصوير هي المضاهاة الشكلية الظاهرة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - قال : يا عائشة ، أشدُّ الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله . قالت : " فقطَّعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين " .
وفي رواية قالت : " دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي البيت قِرامٌ فيه صور . هنا استعمل الراوي لفظة صور مقابل تماثيل ، فالمعنى واحد . فتلوَّن وجهه ، ثم تناول السِّتر فهتكه - أي : مزَّقه - ، فقال : إن من أشدِّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصوِّرون هذه الصور .
جاء الشاهد الذي أشرت إليه فيما علَّقته على حديث عمر الأول ؛ إنَّ الذين يصنعون هذه الصور قلنا : إن اسم الإشارة إلى الصورة غير المجسَّمة ، وهذا هو الدليل ؛ لأن قصة السيدة عائشة لها هذه المناسبة وهذا السبب ، وهو دخول الرسول عليها و قد علَّقت الستارة وعليها التماثيل والصور ، فقال - عليه الصلاة والسلام - مُشيرًا إلى هذه الصور التي على الستارة : إن من أشدِّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصوِّرون هذه الصور ؛ ولذلك فإن قرأتم أو سمعتم أنَّ هذه الأحاديث التي فيها هذا الترهيب الشديد من التصوير إنما يُراد بها الذين كانوا يصنعون الأصنام والتي تُعبَدُ من دون الله حمل الحديث على هذه التماثيل باطل ؛ لأن الرسول - عليه السلام - إنما يشير إلى الصور التي كانت في قرام السيدة عائشة ، ونحن نعلم بالضرورة أن هذه الصور أوَّلًا ليست أصنامًا مجسَّمة ، وثانيًا لم تأتِ السيدة عائشة بهذا القِرام بهذه الستارة التي فيها الصور لِتُعظِّمها أو تعبدها من دون الله - عز وجل - ، حاشا لها من ذلك .
إذًا فتأويل هذه الأحاديث وحملها على الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله ، ونتيجة ذلك أنَّ التصوير المحرَّم انقضى زمنه كما ينعق أقولها صراحةً بعضهم بهذا الكلام ، انقضى زمنه ؛ لأنُّو كان هذا النهي كان نتاج للقضاء على الشرك والوثنية ، وانتهى أمر الشرك الوثنية ؛ ولذلك فتعاطي الصور لا سيَّما إذا كانت غير مجسَّمة لا بأس بها عند هؤلاء الذين يتأوَّلون الأحاديث على المعاني التي تدل الأحاديث على خلافها كما سمعتم في قصة السيدة عائشة - رضي الله عنها - التي سمعتموها الآن .
وفي رواية أخرى عن السيدة عائشة ، ويبدو أنها قصة أخرى ؛ لأن هذه الرواية تقول : إنها اشترت نمرقةً وهي المخدَّة ، في القصة الأولى ... تدور حول الستارة ؛ فالرسول - عليه السلام - في تلك القصة أنكَرَ التصاوير وهي على الستارة ، وتأكيدًا لتحريم استعمالها مزَّق الستارة كما سمعتم ، الآن قصة أخرى تقول السيدة عائشة أنها اشترت نمرقة وهي مخدَّة ، وتلاحظون شيئًا في القصة الآتية نستطيع بها أن نُفسِّر طرفًا من القصة السابقة ، ففي هذه القصة السابقة سمعتُم بأنَّ الرسول - عليه السلام - بعد أن هَتَكَ الستارة ماذا صنعت السيدة عائشة بهذه الستارة ؟ قطَّعتها واتَّخذت منها وسادتين ، أي : نمرقتين ، فهنا يقول البعض بأن الصور كانت ظاهرة على الوسادتين اللَّتين اتخذَتْهما السيدة عائشة من الستارة التي هَتَكَها الرسول - عليه السلام - ، فإن سُلِّم بهذا التفسير - أي : كانت الصور ظاهرة على الوسادتين - ؛ نقول : هذا يمكن أن يكون قبل القصة الآتية التي فيها إنكار الرسول - عليه السلام - على السيدة عائشة شراءَها النمرقة - أي : الوسادة - وفيها الصور ؛ فكيف يمكن أن نجمع بين إقرار الرسول - عليه السلام - للوسادتين وعليهما الصور في هذا التأويل الذي تأوَّله البعض وبين إنكار الرسول - عليه السلام - على السيدة عائشة حين اشترت النمرقة وعليها صور كما سترون ؟ فإن سُلِّم بأن الصور كانت ظاهرة في الوسادتين - وهذا خلاف ما يقوله العلماء لأنها مقطَّعة - فنقول هذا كان كمرحلة من مراحل التدرُّج في التشريع ، فحينما هتك الستارة أنكر تعليق الصور ، فلمَّا اتخذت من الستارة وسادتين وعليها صور جدلًا أقرَّ ذلك مبدئيًّا ، ثم في مرحلة أخرى أنكر - أيضًا - حتى الصور التي على الوسادة ، وينتج من هذا أنَّه لا يجوز أن يكون في البيت صورة سواء كانت معلَّقة يعني محترمة ، أو كانت موطوءة يعني مهانة ، لا فرق حين ذاك ؛ فكما تُمنع تلك المعلَّقة تُمنع هذه الموطوءة بالأقدام بدليل ... .

Webiste