هل يجوز للمرأة أن تتزيَّن بأشكال مصنوعة ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : معنى ذلك ... أن المرأة إذا تزيَّنت بأشكال صناعية معناها حرام ؟
الشيخ : أشرتُ أنا في جوابي السابق أنه لا يجوز لها أن تغيِّر هذا الخلق إلا بنصٍّ ، وهذا النص مفقود ، فلما قلت : إلا بنصٍّ ؛ أردتُ أن أُلفِتَ النظر إلى أنه إذا كان هناك تغيير مأذون من الشارع الحكيم جاز ، مثلًا : فالذي خلق اللحية خلقَ شعر الإبط ، ففي الوقت الذي يأمر بإعفاء اللحية يأمر بنتف شعر الإبط ، فهذا النَّتف هو تغيير ، لكنه تغيير مأذون من الله - عز وجل - ، كذلك يقال عن الختان ، فالله خلق الرجل وله تلك الحشفة ، مع ذلك فقد جعل الختان من خصال الفطرة كنتف الإبط وقص الأظافر ، وهذه أمور في الواقع تغيير للذي خلقه الله لكن لأمرٍ من الله ، بينما أمَرَ بإعفاء اللحية وهي من خلق الله ، أما في الشارب فوسَّطَ الأمر ؛ فلا هو أمَرَ باستئصاله كما فعل بالعانة والإبط ولا هو أمر بإعفائه كما فعل باللحية ، وإنما أمَرَ بتخفيف شعر الشارب وقصِّه والأخذ من حافَّته ومن طرفه كما قال - عليه السلام - : مَن لم يأخُذْ مِن شاربه فليس منَّا ، لم يقل : مَن لم يأخذ شاربه ، وإنما قال : مَن لم يأخُذْ مِن شاربه .
فهكذا حينما يأتي الشرع فيه تفصيل لموقف الذي يجب أن يتَّخذه المسلم فهذا المسلم يُثبت إسلامه الحقَّ وخضوعه للرَّبِّ بتطبيقه لهذه التفاصيل التي جاءت مَنصوصةً في أحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - بدون فلسفة وبدون استعمال الرأي .
إذا عرفنا هذا يمكننا أن نُباشر الجواب عن السؤال السابق ؛ قلنا : إذًا المرأة لا ينبغي أن تغيِّر شيء أو أن تتعاطى شيئًا من الأصباغ ، فنقول ما قلنا فيما يتعلق بالشعر على أنواعه المذكورة في الحديث السابق .
هناك صبغٌ بالنسبة للمرأة أجمَعَ الشارع الحكيم لها به ، حتى قال - عليه الصلاة والسلام - : طيبُ الرجالِ ما ظَهَرَ ريحُه وخَفِيَ لونه ، وطيبُ النِّساءِ ما ظَهَرَ لونه وخَفِيَ ريحُه ، فيجوز للمرأة أن تتَّخذ من الأصباغ التي أَذِنَ الشارع الحكيم فيها ، فقد جاء في " سنن أبي داود " وغيره عن أم سلمة : " أن النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كنَّ يطليْنَ وجوههنَّ بوَرْس " ، نبت يصبغ للصفرة .
وكلنا يعلم أن من عادة النساء قديمًا وحديثًا - أيضًا - بالنسبة لبعضهنَّ عادة الخضاب ، خضب اليدين وخضب الرجلين ، هذا كله تغيير لهذا البياض أو السَّمار الذي خلقه الله - عز وجل - ، ولكنه تغيير مَأذون به ، بل مأمور به بالنسبة لبعض الأجناس من الناس ؛ فقد جاء في بعض الأحاديث أن امرأةً جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لِتُبايعَه على الإسلام ، ويبدو من جملة أو مجموعة من الأحاديث التي وردَتْ في مبايعة النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه المبايعة كانت بطريقة مدِّ المرأة ليدها دون أن تمسَّ يدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يمسّ هو يدها ، كانت تمدُّ اليد هكذا والرسول من الطرف الثاني دون أن يتلاقيا وأن يتماسَّا كما صرَّح في ذلك السيدة عائشة - رضي الله عنها - بقولها : " ما مسَّت يد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يد امرأة قطُّ " ، وكما أفاد ذلك حديث أميمة بنت رُقَيقة وكانت من اللاتي بايعْنَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيعة النساء ، فلما رأت النبي - عليه السلام - يبايع الرجال بمدِّ يده مصافحًا لهم قالت : يا رسول الله ، صافِحْنا في البيعة كما صافحت الرجال . فقال - عليه الصلاة والسلام - : إني لا أصافح النساء . فأبعد الرسول - عليه السلام - المصافحةَ بينه وبين النساء عمليًّا ، ونصب رمزًا لهذه المصافحة المُمْضاة بينه وبين النساء والمفعولة والمحقَّقة بينه وبين الرجال بمدِّ اليدين هكذا .
الشاهد : جاءت امرأة لتبايع الرسول - عليه السلام - فمدَّت يدها .
قدَّمتُ هذه المقدمة لكي لا يتبادر إلى ذهن أحد من الحاضرين من قول راوي الحديث أن المرأة مدَّت يدها لمصافحة الرسول ، أن لا يتبادر إلى ذهن أحد أن هذا المدَّ كان لمصافحة الرسول ؛ فإن الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ما كان مِن عادته أن يصافح النساء ؛ إذًا لماذا مدَّت يدها ؟ لأن هذا المدَّ كان بدل المصافحة بينه - عليه السلام - وبين الرجال ، فلما مدَّت اليد رأى الرسول - عليه السلام - يدَها غير مخضَّبة بالحنَّاء ، فقال مستنكرًا : هذه يد رجل أم يد امرأة ؟! ؛ يعني أن النساء يجب أن يتميَّزْنَ في مظهرهنَّ الخارجي الذي يجوز لهنَّ أن يظهِرْنَه وأن يبرِزْنَه للرجال أن يختلفْنَ في ذلك عن الرجال كما يختلفن في لباسهنَّ ، فقد أجاز لهنَّ الكشف عن الوجه فلا يجوز أن يكون مزخرفًا مزيَّنًا ، وأجاز لهنَّ أن يبرزن أيديهنَّ فحضَّهنَّ على تغيير أيديهنَّ بالخضاب ، هذا تغيير ، لكنه تغيير مأمور به .
خلاصة القول : للمرأة المسلمة أن تتعاطى من الأصباغ ما أباحَه الشارع ، وقد ذكرتُ لكم نوعًا من ذلك كالخضاب وكتلطيف الوجه بنوع من الصِّباغ المعروف يومئذٍ .
ولكن لا يجوز في سبيل الترخُّص في استعمال ما أجازَه الشارع للمرأة من الخضب وتغيير لون الوجه أن تتوصَّلَ بذلك إلى التشبُّه بالكافرات أو الفاسقات ، فكلنا يعلم - مثلًا - أن الموضة القديمة في النساء في حمرة الشفاه أنها كانت قانية ، كانت حمراء غامقة سابقًا ، ثم بدأت الموضة تتطوَّر تتطوَّر حتى أصبح في لون الشفة الطبيعية ، فكلُّ ما يأتينا من الغرب سواء ما كان متعلقًا بالرجال أو بالنساء نحن نقلد الأوربيين في ذلك ؛ وبخاصَّة النساء ، فما تكاد تظهر موضة إلا وتتسابق النساء المصريات والفاسقات إلى الإتيان وتحقيق هذه الموضة الجديدة ، كان - مثلًا - ولا يزال حتى اليوم طلي الوجه بالأبيض ثم تليه الخدين بشيء من الحمرة ؛ هذه الأنواع من الأصباغ باعتبار أن مصدرها من بلاد الكفار فلا يجوز استعمالها ، لا لمجرَّد التغيير فإن أصل التغيير قد أثبتُّه لكم ببعض الأحاديث عن الرسول - عليه السلام - .
خلاصة القول : الأصل فيما خلق الله - عز وجل - الإنسان عليه ذكرًا كان أو أنثى أن لا يغيِّر إلا بدليل شرعي ، الأصل المنع ؛ ولذلك أكد هذا الأصل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث خطير جدًّا لأنه إما أنه يدعو على المغيِّر لخلق الله بالطرد من رحمة الله أو أنه يخبر وهذا شر وأخطر من الأول أنه فعلًا مَطرود من رحمة الله ، وذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : لَعَنَ الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، وفي حديث آخر : والواصلات والمستوصلات ، والفالجات المغيِّرات لخلق الله للحُسْن .
الشاهد : أن الرسول - عليه السلام - يصرِّح فيقول : لعن الله النامصات والمتنمِّصات ، النامصة هي الناتفة هي المزيِّنة الحلَّاقة التي تنتف الشعر من غيرها ، هذه هي النامصة ، والمتنمِّصة هي المرأة المَنتوفة من تلك النامصة ، كلتاهما ملعونة بصريح هذا الحديث ، ومعنى الحديث كما قدَّمت بين يديه إما أنه دعاء باللعنة على هذا الجنس من النساء ، أو إخبار عن واقعهنَّ عند الله أنهنَّ ملعونات ومطرودات من رحمة الله - عز وجل - .
-- وعليكم السلام ورحمة الله --
ومن هذا الحديث يمكن أن نأخذ الدليل الواضح المبين للإجابة عن السؤال السابق للمرأة التي خرج على ذقنها شعرات ، هذه الشعرات أنبَتَها الله - عز وجل - نباتًا حَسَنًا ولا شك ، فلا يجوز هذا النَّمص لأنه تغيير لخلق الله - عز وجل - ، إلا كما قلنا بدليل شرعي ، ولكن الدليل هنا غير موجود بل هو مفقود ، كذلك في تمام الحديث بعد قوله : لَعَنَ الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، ذكر في الحديث هذه الجملة ، ولعله قد فاتني ذكرها سابقًا ، والواشمات والمستوشمات ، الوشم معروف لدى الجميع يكثر في بلاد ... وبخاصة في النساء وفي كثير من الرجال ، الواشم الذي يشم غيره بالوشم ، والمستوشم الذي يطلب الوشم من غيره ببدنه وفي جسده ، أيضًا كلٌّ من هذَين يقول الرسول - عليه السلام - إنه ملعون .
ثم عطف على ذلك فقال : والواصلات والمستوصلات كما في بعض الروايات ، والواصلات هي المرأة يسَّاقط شعرها شعر رأسها ، فتريد أن تتزيَّن لزوجها بشعر مستعار سابقًا ، وبباروكة في العصر الحاضر أصبحت ... ومهنة خاصَّة هذه الباروكات تُعلَّق من شتى الأشكال والأنواع والقياسات ، فتختار المرأة ما تشاء من ألوان الشعر الذي سمَّاه الرسول - عليه السلام - بالزور ، زور كذب .
ولقد ابتُلِينا في بعض الدوائر أن نرى النساء فيستغرب الإنسان عهدي بهذه المرأة الفاسقة أن شعرها أشقر ، وإذا بي أراها بعد أيام بشعر أسود ، وبعد أيام أخرى بشعر بني ، وهكذا ، هذا في الواقع تمثيل عملي من هذا النوع من البشر بأنه غير راضٍ عن خلق الله - تبارك وتعالى - ، ومن أجل ذلك جاء هذا الوعيد الشديد بقوله - عليه السلام - : لعن الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، والواصلات ؛ أي : شعرها بشعر مستعار من غيرها ، أو بشعر مَصنوع كما هو الشأن اليوم في هذا الجنس من الشعر المستعار المعروف بالباروكة .
عيد عباسي : ... .
الشيخ : كيف ؟
عيد عباسي : ... .
الشيخ : نعم .
ثم والشاهد الأكبر هنا في خاتمة هذا الحديث بعد أن ذَكَرَ جنسًا آخر لم نعهَدْه في هذا الزمن ، لكن يبدو أنه كان معروفًا سابقًا فقال : والفالجات ، فالفالجات هي المرأة يكون لها أسنان خلقها الله - عز وجل - كاللؤلؤ المرصوص بعضه إلى بعض ، فلا يعجبها ذلك لِانحراف عقلها وفساد فطرتها ، فتأخذ المِبْرد وتنشر ما بين السِّنَّين حتى ينفلجا ؛ يصبحان هكذا ، فيظهر السِّنُّ كأنه ناب من أنياب الكلاب ، هذا الذي يُعجبها ، أما خلق الله فليست راضيةً عنه ، هذا الجنس كان قديمًا ، ولا نعرفه الآن ، وعسى أن لا نراه إن شاء الله ، أيضًا من الأجناس التي لَعَنَها الرسول - عليه السلام - ، ما العلة ؟
حكمَ هذه الأنواع من المعاصي التي لُعِنَ أصحابها بيان علة اللعن فقال في خاتمة الحديث : المغيِّرات لخلق الله للحُسْن ، فهذه النساء تفعل هذه الأنواع من التغيير لماذا ؟ للحسن ؛ أي : إن خلق الله ليس حسنًا في زعمها ، فهي تحسِّن ما قبح الله في خلقه والعياذ بالله ، هذا لسان حالها ، المغيِّرات لخلق الله للحُسْن ، وإلا فلماذا هذا التغيير ؟ لو أن امرأةً أو رجلًا خُلِقَ وفي جسمه هبوط على بصره ، فأجرى عملية ليرى جيدًا ؛ هذا تغيير ، لكنه ليس للحُسْن ، وإنما هو للضرورة ، فلا يشمل الحديث السابق هذا النوع من التغيير ، كما أنه لا يشمل الأنواع التي أَذِنَ الشارع فيها لسبب ما ؛ لا سيما ما كان من ذلك من الفطرة كما قال : خمسٌ من الفطرة : حفُّ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والختان ، وقصُّ الأظافر ، هذه خمسة ، في حديث آخر : عشرٌ من الفطرة وذَكَرَ فيها : وإعفاء اللحية .
ولذلك وأنا عوَّدتكم أن أكون صريحًا معكم يجب أن لا نحطَّ وأن لا نوجِّه حملاتنا العلمية على النساء فقط ، بل يجب أن نوجِّه ذلك ... إلى الرجال قبل النساء ؛ لأن المفروض أن الرجال أن يكونوا كما قال الله - عز وجل - : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ، فإذا كان لا يجوز للمرأة المسلمة أن تغيِّر خلق الله ولو في مثل تلك الشعرات التي أنبَتَها الله في ذقنها فأولى وأولى ثم أولى وأولى أن لا يجوز للرجل الذي خلقَه الله - عز وجل - ذا لحية أن يأخذ لحيته ، ولا أقول : أن يحلق لحيته ، فالحلق أبلغ من الأخذ ، الحلق هو الاستئصال ؛ فلا ينبغي أن يأخذ من لحيته ما يجعله قريبًا من التشبُّه بالنساء ؛ فكيف أن يحلقَها ؟ لذلك أكَّد الرسول - عليه السلام - هذا بقوله : حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى .
لعلي بهذا أكون قد أجبت عن السؤال السابق أنُّو إذًا لا يجوز للمرأة أن تتزيَّن بشيء من الأصباغ ؛ الجواب : في بعض الأحوال وبعض الأصباغ يجوز ، والبعض الآخر الذي فيه تشبُّه بالكافرات والفاسقات لا يجوز .
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته --
تفضل .
الشيخ : أشرتُ أنا في جوابي السابق أنه لا يجوز لها أن تغيِّر هذا الخلق إلا بنصٍّ ، وهذا النص مفقود ، فلما قلت : إلا بنصٍّ ؛ أردتُ أن أُلفِتَ النظر إلى أنه إذا كان هناك تغيير مأذون من الشارع الحكيم جاز ، مثلًا : فالذي خلق اللحية خلقَ شعر الإبط ، ففي الوقت الذي يأمر بإعفاء اللحية يأمر بنتف شعر الإبط ، فهذا النَّتف هو تغيير ، لكنه تغيير مأذون من الله - عز وجل - ، كذلك يقال عن الختان ، فالله خلق الرجل وله تلك الحشفة ، مع ذلك فقد جعل الختان من خصال الفطرة كنتف الإبط وقص الأظافر ، وهذه أمور في الواقع تغيير للذي خلقه الله لكن لأمرٍ من الله ، بينما أمَرَ بإعفاء اللحية وهي من خلق الله ، أما في الشارب فوسَّطَ الأمر ؛ فلا هو أمَرَ باستئصاله كما فعل بالعانة والإبط ولا هو أمر بإعفائه كما فعل باللحية ، وإنما أمَرَ بتخفيف شعر الشارب وقصِّه والأخذ من حافَّته ومن طرفه كما قال - عليه السلام - : مَن لم يأخُذْ مِن شاربه فليس منَّا ، لم يقل : مَن لم يأخذ شاربه ، وإنما قال : مَن لم يأخُذْ مِن شاربه .
فهكذا حينما يأتي الشرع فيه تفصيل لموقف الذي يجب أن يتَّخذه المسلم فهذا المسلم يُثبت إسلامه الحقَّ وخضوعه للرَّبِّ بتطبيقه لهذه التفاصيل التي جاءت مَنصوصةً في أحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - بدون فلسفة وبدون استعمال الرأي .
إذا عرفنا هذا يمكننا أن نُباشر الجواب عن السؤال السابق ؛ قلنا : إذًا المرأة لا ينبغي أن تغيِّر شيء أو أن تتعاطى شيئًا من الأصباغ ، فنقول ما قلنا فيما يتعلق بالشعر على أنواعه المذكورة في الحديث السابق .
هناك صبغٌ بالنسبة للمرأة أجمَعَ الشارع الحكيم لها به ، حتى قال - عليه الصلاة والسلام - : طيبُ الرجالِ ما ظَهَرَ ريحُه وخَفِيَ لونه ، وطيبُ النِّساءِ ما ظَهَرَ لونه وخَفِيَ ريحُه ، فيجوز للمرأة أن تتَّخذ من الأصباغ التي أَذِنَ الشارع الحكيم فيها ، فقد جاء في " سنن أبي داود " وغيره عن أم سلمة : " أن النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كنَّ يطليْنَ وجوههنَّ بوَرْس " ، نبت يصبغ للصفرة .
وكلنا يعلم أن من عادة النساء قديمًا وحديثًا - أيضًا - بالنسبة لبعضهنَّ عادة الخضاب ، خضب اليدين وخضب الرجلين ، هذا كله تغيير لهذا البياض أو السَّمار الذي خلقه الله - عز وجل - ، ولكنه تغيير مَأذون به ، بل مأمور به بالنسبة لبعض الأجناس من الناس ؛ فقد جاء في بعض الأحاديث أن امرأةً جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لِتُبايعَه على الإسلام ، ويبدو من جملة أو مجموعة من الأحاديث التي وردَتْ في مبايعة النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه المبايعة كانت بطريقة مدِّ المرأة ليدها دون أن تمسَّ يدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يمسّ هو يدها ، كانت تمدُّ اليد هكذا والرسول من الطرف الثاني دون أن يتلاقيا وأن يتماسَّا كما صرَّح في ذلك السيدة عائشة - رضي الله عنها - بقولها : " ما مسَّت يد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يد امرأة قطُّ " ، وكما أفاد ذلك حديث أميمة بنت رُقَيقة وكانت من اللاتي بايعْنَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيعة النساء ، فلما رأت النبي - عليه السلام - يبايع الرجال بمدِّ يده مصافحًا لهم قالت : يا رسول الله ، صافِحْنا في البيعة كما صافحت الرجال . فقال - عليه الصلاة والسلام - : إني لا أصافح النساء . فأبعد الرسول - عليه السلام - المصافحةَ بينه وبين النساء عمليًّا ، ونصب رمزًا لهذه المصافحة المُمْضاة بينه وبين النساء والمفعولة والمحقَّقة بينه وبين الرجال بمدِّ اليدين هكذا .
الشاهد : جاءت امرأة لتبايع الرسول - عليه السلام - فمدَّت يدها .
قدَّمتُ هذه المقدمة لكي لا يتبادر إلى ذهن أحد من الحاضرين من قول راوي الحديث أن المرأة مدَّت يدها لمصافحة الرسول ، أن لا يتبادر إلى ذهن أحد أن هذا المدَّ كان لمصافحة الرسول ؛ فإن الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ما كان مِن عادته أن يصافح النساء ؛ إذًا لماذا مدَّت يدها ؟ لأن هذا المدَّ كان بدل المصافحة بينه - عليه السلام - وبين الرجال ، فلما مدَّت اليد رأى الرسول - عليه السلام - يدَها غير مخضَّبة بالحنَّاء ، فقال مستنكرًا : هذه يد رجل أم يد امرأة ؟! ؛ يعني أن النساء يجب أن يتميَّزْنَ في مظهرهنَّ الخارجي الذي يجوز لهنَّ أن يظهِرْنَه وأن يبرِزْنَه للرجال أن يختلفْنَ في ذلك عن الرجال كما يختلفن في لباسهنَّ ، فقد أجاز لهنَّ الكشف عن الوجه فلا يجوز أن يكون مزخرفًا مزيَّنًا ، وأجاز لهنَّ أن يبرزن أيديهنَّ فحضَّهنَّ على تغيير أيديهنَّ بالخضاب ، هذا تغيير ، لكنه تغيير مأمور به .
خلاصة القول : للمرأة المسلمة أن تتعاطى من الأصباغ ما أباحَه الشارع ، وقد ذكرتُ لكم نوعًا من ذلك كالخضاب وكتلطيف الوجه بنوع من الصِّباغ المعروف يومئذٍ .
ولكن لا يجوز في سبيل الترخُّص في استعمال ما أجازَه الشارع للمرأة من الخضب وتغيير لون الوجه أن تتوصَّلَ بذلك إلى التشبُّه بالكافرات أو الفاسقات ، فكلنا يعلم - مثلًا - أن الموضة القديمة في النساء في حمرة الشفاه أنها كانت قانية ، كانت حمراء غامقة سابقًا ، ثم بدأت الموضة تتطوَّر تتطوَّر حتى أصبح في لون الشفة الطبيعية ، فكلُّ ما يأتينا من الغرب سواء ما كان متعلقًا بالرجال أو بالنساء نحن نقلد الأوربيين في ذلك ؛ وبخاصَّة النساء ، فما تكاد تظهر موضة إلا وتتسابق النساء المصريات والفاسقات إلى الإتيان وتحقيق هذه الموضة الجديدة ، كان - مثلًا - ولا يزال حتى اليوم طلي الوجه بالأبيض ثم تليه الخدين بشيء من الحمرة ؛ هذه الأنواع من الأصباغ باعتبار أن مصدرها من بلاد الكفار فلا يجوز استعمالها ، لا لمجرَّد التغيير فإن أصل التغيير قد أثبتُّه لكم ببعض الأحاديث عن الرسول - عليه السلام - .
خلاصة القول : الأصل فيما خلق الله - عز وجل - الإنسان عليه ذكرًا كان أو أنثى أن لا يغيِّر إلا بدليل شرعي ، الأصل المنع ؛ ولذلك أكد هذا الأصل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث خطير جدًّا لأنه إما أنه يدعو على المغيِّر لخلق الله بالطرد من رحمة الله أو أنه يخبر وهذا شر وأخطر من الأول أنه فعلًا مَطرود من رحمة الله ، وذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : لَعَنَ الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، وفي حديث آخر : والواصلات والمستوصلات ، والفالجات المغيِّرات لخلق الله للحُسْن .
الشاهد : أن الرسول - عليه السلام - يصرِّح فيقول : لعن الله النامصات والمتنمِّصات ، النامصة هي الناتفة هي المزيِّنة الحلَّاقة التي تنتف الشعر من غيرها ، هذه هي النامصة ، والمتنمِّصة هي المرأة المَنتوفة من تلك النامصة ، كلتاهما ملعونة بصريح هذا الحديث ، ومعنى الحديث كما قدَّمت بين يديه إما أنه دعاء باللعنة على هذا الجنس من النساء ، أو إخبار عن واقعهنَّ عند الله أنهنَّ ملعونات ومطرودات من رحمة الله - عز وجل - .
-- وعليكم السلام ورحمة الله --
ومن هذا الحديث يمكن أن نأخذ الدليل الواضح المبين للإجابة عن السؤال السابق للمرأة التي خرج على ذقنها شعرات ، هذه الشعرات أنبَتَها الله - عز وجل - نباتًا حَسَنًا ولا شك ، فلا يجوز هذا النَّمص لأنه تغيير لخلق الله - عز وجل - ، إلا كما قلنا بدليل شرعي ، ولكن الدليل هنا غير موجود بل هو مفقود ، كذلك في تمام الحديث بعد قوله : لَعَنَ الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، ذكر في الحديث هذه الجملة ، ولعله قد فاتني ذكرها سابقًا ، والواشمات والمستوشمات ، الوشم معروف لدى الجميع يكثر في بلاد ... وبخاصة في النساء وفي كثير من الرجال ، الواشم الذي يشم غيره بالوشم ، والمستوشم الذي يطلب الوشم من غيره ببدنه وفي جسده ، أيضًا كلٌّ من هذَين يقول الرسول - عليه السلام - إنه ملعون .
ثم عطف على ذلك فقال : والواصلات والمستوصلات كما في بعض الروايات ، والواصلات هي المرأة يسَّاقط شعرها شعر رأسها ، فتريد أن تتزيَّن لزوجها بشعر مستعار سابقًا ، وبباروكة في العصر الحاضر أصبحت ... ومهنة خاصَّة هذه الباروكات تُعلَّق من شتى الأشكال والأنواع والقياسات ، فتختار المرأة ما تشاء من ألوان الشعر الذي سمَّاه الرسول - عليه السلام - بالزور ، زور كذب .
ولقد ابتُلِينا في بعض الدوائر أن نرى النساء فيستغرب الإنسان عهدي بهذه المرأة الفاسقة أن شعرها أشقر ، وإذا بي أراها بعد أيام بشعر أسود ، وبعد أيام أخرى بشعر بني ، وهكذا ، هذا في الواقع تمثيل عملي من هذا النوع من البشر بأنه غير راضٍ عن خلق الله - تبارك وتعالى - ، ومن أجل ذلك جاء هذا الوعيد الشديد بقوله - عليه السلام - : لعن الله النامصات والمتنمِّصات ، والواشمات والمستوشمات ، والواصلات ؛ أي : شعرها بشعر مستعار من غيرها ، أو بشعر مَصنوع كما هو الشأن اليوم في هذا الجنس من الشعر المستعار المعروف بالباروكة .
عيد عباسي : ... .
الشيخ : كيف ؟
عيد عباسي : ... .
الشيخ : نعم .
ثم والشاهد الأكبر هنا في خاتمة هذا الحديث بعد أن ذَكَرَ جنسًا آخر لم نعهَدْه في هذا الزمن ، لكن يبدو أنه كان معروفًا سابقًا فقال : والفالجات ، فالفالجات هي المرأة يكون لها أسنان خلقها الله - عز وجل - كاللؤلؤ المرصوص بعضه إلى بعض ، فلا يعجبها ذلك لِانحراف عقلها وفساد فطرتها ، فتأخذ المِبْرد وتنشر ما بين السِّنَّين حتى ينفلجا ؛ يصبحان هكذا ، فيظهر السِّنُّ كأنه ناب من أنياب الكلاب ، هذا الذي يُعجبها ، أما خلق الله فليست راضيةً عنه ، هذا الجنس كان قديمًا ، ولا نعرفه الآن ، وعسى أن لا نراه إن شاء الله ، أيضًا من الأجناس التي لَعَنَها الرسول - عليه السلام - ، ما العلة ؟
حكمَ هذه الأنواع من المعاصي التي لُعِنَ أصحابها بيان علة اللعن فقال في خاتمة الحديث : المغيِّرات لخلق الله للحُسْن ، فهذه النساء تفعل هذه الأنواع من التغيير لماذا ؟ للحسن ؛ أي : إن خلق الله ليس حسنًا في زعمها ، فهي تحسِّن ما قبح الله في خلقه والعياذ بالله ، هذا لسان حالها ، المغيِّرات لخلق الله للحُسْن ، وإلا فلماذا هذا التغيير ؟ لو أن امرأةً أو رجلًا خُلِقَ وفي جسمه هبوط على بصره ، فأجرى عملية ليرى جيدًا ؛ هذا تغيير ، لكنه ليس للحُسْن ، وإنما هو للضرورة ، فلا يشمل الحديث السابق هذا النوع من التغيير ، كما أنه لا يشمل الأنواع التي أَذِنَ الشارع فيها لسبب ما ؛ لا سيما ما كان من ذلك من الفطرة كما قال : خمسٌ من الفطرة : حفُّ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والختان ، وقصُّ الأظافر ، هذه خمسة ، في حديث آخر : عشرٌ من الفطرة وذَكَرَ فيها : وإعفاء اللحية .
ولذلك وأنا عوَّدتكم أن أكون صريحًا معكم يجب أن لا نحطَّ وأن لا نوجِّه حملاتنا العلمية على النساء فقط ، بل يجب أن نوجِّه ذلك ... إلى الرجال قبل النساء ؛ لأن المفروض أن الرجال أن يكونوا كما قال الله - عز وجل - : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ، فإذا كان لا يجوز للمرأة المسلمة أن تغيِّر خلق الله ولو في مثل تلك الشعرات التي أنبَتَها الله في ذقنها فأولى وأولى ثم أولى وأولى أن لا يجوز للرجل الذي خلقَه الله - عز وجل - ذا لحية أن يأخذ لحيته ، ولا أقول : أن يحلق لحيته ، فالحلق أبلغ من الأخذ ، الحلق هو الاستئصال ؛ فلا ينبغي أن يأخذ من لحيته ما يجعله قريبًا من التشبُّه بالنساء ؛ فكيف أن يحلقَها ؟ لذلك أكَّد الرسول - عليه السلام - هذا بقوله : حفُّوا الشارب ، وأعفوا اللحى ، وخالفوا اليهود والنصارى .
لعلي بهذا أكون قد أجبت عن السؤال السابق أنُّو إذًا لا يجوز للمرأة أن تتزيَّن بشيء من الأصباغ ؛ الجواب : في بعض الأحوال وبعض الأصباغ يجوز ، والبعض الآخر الذي فيه تشبُّه بالكافرات والفاسقات لا يجوز .
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته --
تفضل .
الفتاوى المشابهة
- هل يجوز للمرأة أن تتزيَّن بالكحل والمساحيق ؟ و... - الالباني
- هل يجوز للمرأة أن تؤمَّ النساء ؟ - الالباني
- هل يحق للمرأة أن تزيل الشعر عن ساقيها ؟ - الالباني
- كلمة عن تغيير خلق الله.؟ - الالباني
- هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر ذراعيها وساقيها.؟ (... - الالباني
- ما حكم نتف شعر اليدين والساقين بالنسبة للنساء ؟ - الالباني
- حكم تزين المرأة لزوجها وصبغ شعرها - ابن باز
- هل يجوز للمرأة أن تزيل الشعر من جميع أجزاء ج... - ابن عثيمين
- هل يجوز للمرأة أن تتنمَّص لزوجها؟ - ابن باز
- هل يجوز للمرأة أن تنتف شيئا من شعر وجهها؟ - الالباني
- هل يجوز للمرأة أن تتزيَّن بأشكال مصنوعة ؟ - الالباني