تم نسخ النصتم نسخ العنوان
في التفريق بين أنواع التوسل البدعي والتوسل الش... - الالبانيالسائل : ... حول إيضاح ما إذا كنت ... توسل الأنبياء والصالحين والأولياء شرك ، أنا أقول ذلك إذا كان المتوسِّل يعتقد بأن المتوسَّل به يملك من الأمر شيء عن...
العالم
طريقة البحث
في التفريق بين أنواع التوسل البدعي والتوسل الشركي ، وتوجيه قصة توسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالعباس عمِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : ... حول إيضاح ما إذا كنت ... توسل الأنبياء والصالحين والأولياء شرك ، أنا أقول ذلك إذا كان المتوسِّل يعتقد بأن المتوسَّل به يملك من الأمر شيء عند الله ؛ يعني أن يأمر فيسمع ربُّ العالمين ، هذا ولا شك شرك ، أما إذا كان في اعتقاده بأن هذا الإنسان له من القربة إلى الله بعمله الصالح بتقواه يتوسَّل إليه إلى الله - سبحانه وتعالى - كما هو الأمر بالنسبة للأنبياء وفيهم الوجيه ... الله ، وفيهم العبد الصالح ؛ فهؤلاء أناس وبشر مختارون من الله - سبحانه وتعالى - ؛ يمكن يعني الإنسان بما له من القدرة عند الله أن يتوسل بهم إلى الله ؛ علمًا إذا كان معتقد بأن هؤلاء لا يملكون شيء لا لأنفسهم ولا لغيرهم ... الموضوع أنُّو التوسل بالصالحين أو الأولياء شرك ، إذا كان يعتقد بأنُّو يملكوا شيء لأنُّو الأمر كله إلى الله ؛ لكن إذا يعتبر أنُّو هدول لهم قربة أو مقام بعملهم الصالح بتقواهم بما أنزل الله عليهم من رسالة - مثلًا - ، اختارهم اصطفاهم ؛ أيوا ، فهون يبقى أصبح مجال الشرك فيها غير وارد ؟

الشيخ : الجواب .

السائل : ... إذا أحبِّيت أنا أضيف بس كلمة .

الشيخ : تفضل ، بس بدون تكرار بلا مؤاخذة ، بدون تكرار ؛ لأن الوقت ضيِّق ، نعم .

السائل : موضوع توسل سيدنا عمر بالعباس عمِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ هذا عمل صحابي جليل .

الشيخ : لا شك .

السائل : ... تقول بأنُّو ؟

الشيخ : أشرك ؟ حاشا !
الجواب : أوَّلًا أذكِّرك بأنه لم يكُنْ بحثي في التوسل ، ولم أتلفَّظ بلفظة التوسل في هذه الليلة مطلقًا فأنت شُبِّه لك الأمر ، أنا تكلَّمت ولعلك تذكر جيِّدًا معي حينما ذكرت قول الله - تبارك وتعالى - : { إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي } إلى آخر الآية ، فقلت أنُّو هذه الآية يخالفها اليوم كثير من المسلمين الذين يُنادون غير الله ، أنا ما قلت عن التوسل ، أنا أقول هذا لأن هناك كثيرًا من المشايخ لا يفرِّقون بين التوسل بالنبي والرجل الصالح وبين مناداته من دون الله - عز وجل - ، وما أظنُّك معهم في هذا ؛ لأن مناداة الرجل الصالح شيء والتوسل به إلى الله شيء آخر ؛ ذلك لأن الرجل الجاهل حينما يقول : " يا باز أغِثْني " ؛ هذا أوَّلًا ما ذكر الله مطلقًا ، ما ذكره مطلقًا ، ثم هو طلب من هذا الولي الصالح " عبد القادر الجيلاني " - رحمه الله - طلب منه شيئًا لا يستطيعه هذا العبد الصالح لو كان في قيد الحياة ؛ فكيف يستطيعه بعد الممات ؟ هذا نسمِّيه شركًا ؛ أي : الطلب من الأولياء والصالحين بعد مماتهم طلب منهم مباشرةً هذا شرك ، وبحثي في هذه الكلمة السابقة كان يدور حول هذا النوع من الشرك ، وهو مناداة غير الله - عز وجل - الذي خصَّه بالله { إِنَّ صَلَاتِي } ، والذبح لغير الله الذي خصَّه لله وبقوله : { وَنُسُكِي } ؛ فالظاهر أنه اشتبه عليك الأمر بسبب من سببين فهمتُ أن أحدهما ليس كذلك ؛ حينما سألتُك أنك لا توافق هؤلاء المشايخ في خلطهم بين التوسل بالنبي وبين مناداة النبي من دون الله ؛ فهذا شيء وقد نفيتَه والحمد لله .
الشيء الآخر - وهذا الذي يبدو لي - أن ذهنك مشغول بمسألة التوسل ، وبما يُقال وتلوكُه الألسن عن الجماعة السلفية إنهم ينكرون مسألة التوسل بالأنبياء والصالحين ؛ فهذا كان في نفسك فاندفعت تسأل - ولا بأس - لكن متوهِّمًا أني أنا تكلَّمت عن التوسل في هذه الليلة وقلت : إن التوسل شرك ، لك أن تسأل عن التوسل ، وعليَّ أن أجيب ، ولكن ليس لك أن تقول : إني أنا أو غيري نسمِّيه شركًا ؛ لأننا نفرِّق كل التفريق - ولنا رسالة مؤلفة في هذا الصدد ، لعلها موجودة في المكتبة هنا عند إخواننا اسمها : " التوسل أنواعه وأحكامه " - ؛ فهناك ذكرنا بتفصيل وبيان أن التوسل منه ما هو مشروع ، ومنه ما ليس بمشروع ، هذا القسم الثاني منه ما هو شرك ، ومنه ما ليس بشرك .
الآن أنا أجيبك عن سؤالك المحدد ، والذي ... أنت فأقول :
إذا المسلم توسل إلى الله بنبيٍّ من أنبياء الله أو برجل من رجال الله والصالحين عند الله ، فقال : اللهم إني أسألك بجاه فلان أو بحقِّ فلان أو حبِّ فلان ؛ هذا له في واقع نفسه حالتان : الحالة الأولى : أن يعتقد في قلبه كما قلت أن هؤلاء الأولياء والصالحين ليس لهم تأثير على الله مطلقًا بأيِّ سبيل من السبل ، لكن هذا المتوسِّل يظن ويتوهَّم بأن قوله : يا الله ، أسألك بجاه فلان أن تغفر لي أن ترحمني ؛ يظن أن هذا التوسل سبب من أسباب استجابة الدعاء ؛ إذا كان الأمر كذلك فنقول : هذا خطأ ، هذا بدعة في الدين ؛ لا يجوز للمسلم أن يُدخِل واسطة في دعائه بينه وبين ربه - تبارك وتعالى - ؛ لِمَ ؟ لآيات كثيرة ، وبطبيعة الحال الوقت أضيق من أن نعيد ما كتبناه في الرسالة السابقة الذكر ، لكن أذكِّر بقوله - تعالى - : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } ، فربُّنا - عز وجل - بفضله ورحمته بعباده فتح باب الطلب والدعاء منه على مصراعيه ، وما قال أبدًا في شرعنا أنُّو ... = -- ... -- = يدخل واسطة ولو بالاسم مش بالمناداة بيني وبينه ؛ لا ، وقال كما سمعت : { إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } ، والقريب ليس بحاجة إلى وسيط ، هذا أمر فطري قبل أن يكون شرعيًّا .
نقول : إن هذا النوع من التوسل ليس مشروعًا ، وهو في نفسه خطأ بالشرط السابق ؛ أن يعتقد هذا المتوسل أنه بتوسُّله هذا لا يؤثِّر على رب العالمين ، فيجعله يستجيب له ، بينما هذا الذي توسَّل به يستجيب له .
وقصة العباس التي ذكرتَها هي من الأوهام الشائعة لدى جماهير الناس اليوم من المتأخرين من حيث الاستدلال بالقصة ، القصة صحيحة ، وحسبنا أن نعلم أنها في " صحيح البخاري " ، ولكن أخطأ هؤلاء الناس الذين يستدلون بالقصة على التوسل الذي نحن نعتقده مُبتَدَعًا غير مشروع ؛ علمًا بأننا لسنا منفردين بذلك ؛ بل الأئمة السابقون معنا في هذه القضية ، وطبعًا لست - أيضًا - بحاجة إلى التفصيل ؛ فذلك مذكور في الرسالة السابقة الذكر ، لكني أرى من الضروري إلفات النظر إلى خطأ الاستدلال بالقصة السابقة على ما يذهبون إليه من التوسل .
التوسل الذي ذكر في حديث العباس يجب أن يُفهم معناه ، فلعلك تذكر معي أنهم لما خرجوا في زمن عمر بن الخطاب للاستسقاء قال عمر بن الخطاب : " اللهم إنا كنَّا إذا أجدَبْنا توسلنا إليك بنبيِّك فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبيِّك فاسقنا " ، الآن يأتي سؤال : عمر بن الخطاب يحدِّث بشيء كان ومضى ؛ يقول : كنا نتوسل إليك بنبيِّك ، طيب والآن ماذا يفعلون ؟ أي : بعد وفاة الرسول وبعد وفاة أبي بكر وبعد شطر من خلافة عمر ماذا يفعلون ؟ أيتوسَّلون ... بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ أسأل الآن سؤالًا يتعلَّق بالأدب العربي واللغة العربية : إذا قال عمر بن الخطاب : يا الله ، كنَّا إذا أجدَبْنا في عهد نبيِّنا توسلنا إليك به ، والآن نتوسل إليك بعمِّ نبيِّك ؛ هذا التركيب العربي أيفيدنا أنهم لا يزالون يتوسلون بالنبي أم هذا أمرٌ مضى وانقضى ؟ أسألك بالعربية ، لا تقول لي : دارس فقه ما لي دارس فقه ، يمكن دارس شوية آداب عربية أو لا ؛ ما أدري ، على كل حال أنت رجل عربي ، فماذا تفهم من هذا التعبير ؟ كنا نتوسل إليك بنبيِّنا ؛ هل هذا معناه لا نزال نتوسل إليك بنبيِّنا ؟
ربما تجد حرجًا في الجواب فأكفيك المؤنة ، أقول : نحن لا نفهم أبدًا ، ولا أحد له معرفة أو عنده سليقة عربية يفهم أن هذا التعبير العربي من عمر العربي القرشي : كنا نتوسل إليك بنبيِّك ؛ يعني أننا لا نزال نتوسل ... وإنما هذا خبر عمَّا مضى ، وهذا حق ، كانوا يتوسلون لكنهم الآن لا يتوسلون ، لماذا ؟ الحديث هذا إذا صحَّ تسميته حديثًا يدلنا أنهم لا يتوسلون من ناحيتين : أوَّلًا : أنه جعل قضية توسلهم بالرسول أمرٌ دخل بالتاريخ ومضى وانقضى ، وثانيًا : ما باله لا يتوسل بالرسول ويتوسل بعمِّ الرسول ؟ والتوسل بالرسول لو كان مشروعًا بلا شك أفضل من التوسل بغير الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإجماع المسلمين ، هذه واحدة .
الثانية : يخبر أنهم كانوا يتوسلون بالرسول في حياته ، ماذا كانوا يفعلون ؟ سؤال : هل تعلم كيف كانوا يتوسلون بحياة الرسول - عليه السلام - ؟ هل تعلم ؟ لا بأس أن تقول : لا أعلم إن كنت لا تعلم ، وواجب عليك أن تبيِّن ما تعلم ؛ لأنُّو هذا بحث ديني ، والرأي المُشاع بين الجميع نحن ما في عندنا ما يسمُّون اليوم بالاستبداد والجبروت وما شابه ذلك ، تناصحوا في الحق هذا هو منهجنا في دعوتنا ، فهل تعلم كيف كانوا يتوسلون ؟

السائل : الذي يبدو لي أنهم يتوسلون ... .

الشيخ : طيب ، يعني كانوا يتوسلون في صلاتهم في دعائهم ورسول الله لا علم عنده بتوسُّلهم ؟ تظن هذا ؟ إن كنت تظن هذا فما يظن غيرك فأنتم واهمون ، ونطالبكم برواية وحدة - وحدة ! - في تاريخ الرسول - عليه السلام - في نبوَّته هاللي بلغت ثلاثة وعشرين سنة في حادثة وحدة أنُّو رجل من الصحابة قال كما يقول أحدنا اليوم في دعائه بينه وبين ربِّه والرسول ما عنده خبر إطلاقًا : اللهم إني أسألك بجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحقِّ رسول الله ، بحرمة رسول الله أن تغفر لي ، أن تقضي لي حاجتي ، إلى آخره ؟ لا يوجد مثل هذا إطلاقًا ، وهَيْ قدَّامك ... من أهل العلم تسألهم هذا السؤال الذي في الحقيقة هو مفتاح لِفَهْم مسألة التوسل التي غابت أو غاب هذا الفهم عن جماهير من إخواننا المسلمين .
أقول لك شيئًا آخر : التوسل الذي كان معروفًا من الصحابة بالرسول - عليه السلام - كان توسلًا بدعائه ، ففي " صحيح البخاري ومسلم " - مثلًا - من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يخطب يوم الجمعة وهو على المنبر جاء رجل أعرابي ودخل المسجد من باب من أبواب المسجد فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال والعيال من قلة الأمطار ؛ فادع الله لنا . فرفع يديه وقال : "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا سحًّا طبقًا" أو نحو ذلك من عبارات ؛ فما أتم الرسول - عليه السلام - دعاءه حتى جاشت السماء بالأمطار كأفواه القُرَب . قال أنس : فظلَّت تمطر سبتًا - أي : أسبوعًا كاملًا إلى الجمعة التالية - ، وبينما الرسول يخطب جاء - يقول أنس - ذلك الرجل أو غيره - هو يشك - قال : يا رسول الله ، هلكت الأموال من كثرة الأمطار ؛ فادع الله لنا . فقال : "اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآجام والآطام والظِّراب ومنابت الشجر" . قال : فما أتَمَّ الرسول - عليه السلام - دعاءَه حتى انزاحت السحاب والأمطار عن المدينة فهي كالجَوْنة - يعني مثل التُّرْس - ؛ السماء تمطر خارج المدينة ، أما المدينة فليس فيها شيء .
فهذا توسل الصحابة أو مثال مما كانوا يتوسلون به ؛ بمعنى أنهم كانوا يأتون الرسول - عليه السلام - ويعرضون له مشكلتهم ، ويطلبون منه الدعاء فيدعو لهم ، وهم يؤمِّنون على دعائه .
مثله قصة الأعمى إذا كنت سمعتها ، هذه القصة يدندن بها بعض المشايخ اليوم ، وهي تقول : أن أعمى جاء إلى الرسول - عليه السلام - فقال له : يا رسول الله ، ادْعُ الله أن يعافيني . قال : "إن شئتَ دعوتُ ، وإن شئتَ صبرتَ وهو خيرٌ لك" . قال : فادع . كأنه يقول ما عندي صبر ؛ ادع . قال : ائْتِ الميضأة وتوضَّأ ، وصلِّ لله ركعتين ، ثم قل : "اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبيِّ الرحمة ، يا محمد ، إني توجَّهت بك إلى ربي لِيُعافيني ، اللهم فشفِّعْه فيَّ وشفِّعْني فيه" ، فتوضأ الرجل وصلى ركعتين ، ودعا بهذا الدعاء ، فرجع بصيرًا .
يظنوا المشايخ أنُّو توسل بذات الرسول أو بجاه الرسول ، والحقيقة التي لا ريب فيها أنه توسل بدعاء الرسول ، وهذا واضح كل الوضوح فيما إذا لاحظنا النقاط الآتية :
أوَّلًا : لماذا جاء الأعمى للرسول ؟ ليدعو له ، وهذا صريح في قوله : ادع الله أن يعافيني ، بماذا وَعَدَه الرسول ؟ بأن يدعو له ؛ إذًا الرسول سيدعو له ، لما قال الضرير في دعائه الذي علَّمَه الرسول : اللهم أني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك ، هنا لا بد من تقدير مضاف محذوف ؛ بنبيِّك بجسده بذاته بلحمه ودمه بدعائه بجاهه بـ بـ إلى آخره ؛ لا بد من تقدير ، نحن نقول : السياق والسباق يضطرُّنا أن نقدِّر الدعاء ، اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بدعاء نبيِّك ، من أين جئنا بالدعاء ؟ القصة كلها تدندن حول الدعاء كما هو ظاهر ، والتمام يؤكِّد لك هذا المعنى ، "اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيِّك نبيِّ الرحمة ، يا محمد ، إني توجَّهت بك" أي : بدعائك "إلى ربي لِيُعافيني ، اللهم شفِّعْه فيَّ" شو معنى شفِّعه فيَّ ؟ إذا كانت التوسل بالذات فلا معنى لهذا الدعاء أبدًا ، لكن معنى - وهذا مفهوم باللغة العربية - ""اللهم شفِّعْه فيَّ"" يعني اقبل شفاعته فيَّ ، وشو معنى اقبَلْ شفاعته ؟ يعني دعاءه . طيب ، والأغرب من هذا كله "وشفِّعني فيه" ، إذا قلنا نحن أنُّو هذا الضرير يتوسَّل بشخص الرسول ، ويفسِّر شفاعة الرسول له يعني توسله بذاته ، لكن هو عم يقول : شفِّعني فيك ؛ شفِّعني أنا يعني ذاتي ؟ شفِّعني أنا ذاتي بالرسول - عليه السلام - ؟ معقول هذا ؟! لكن إذا فَهِمْنا أن الشفاعة معناها الدعاء في كلٍّ من الفقرتين والجملتين وضح المعنى وضوح الشمس في رابعة النهار ، وكان كما يأتي : "اللهم فشفِّعه فيَّ" اقبَلْ شفاعته ؛ أي : دعاءه فيَّ ، واقبَلْ شفاعتي ودعائي فيه في أن تقبل دعاءه فيَّ .
فالحديث من أوله إلى آخره يدندن حول التوسل بدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا إيجاز لما ذكرته في الرسالة .
فإذا رجعنا إلى حديث عمر : كنا نتوسل إليك بنبيِّ الله ؛ بإيه ؟ بدعاء نبيِّ الله ، الآن غير ممكن - يا أستاذ - أن يتوسل متوسِّل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ولذلك اضطُرَّ الصحابة إلى أن يتركوا التوسل بالرسول إلى التوسل بعمِّ الرسول ، والدليل - أيضًا - الذي يؤكد ما ذكرناه آنفًا من معنى التوسل في نفس قصة عمر أنُّو بعدما قال عمر : ونحن نتوسل الآن إليك بعمِّ نبيِّك فاسقنا ، قال : يا عباس ، ادع الله لنا . فدَعَوا وأمَّنوا ، هذا هو التوسل ، هذا التوسل لا أحد من المسلمين ينكره ، أما التوسل بالذات بالحرمة وهي ثابتة ، والجاه وهي كما قلت - أيضًا - ثابت ، هذا ليس له أصل في شريعة الإسلام مطلقًا .
أخيرًا أقول : المسلم يتوسل مما هو وسيلة ، إما وسيلة شرعية أو وسيلة كونية طبيعية ، مثلًا : الإنسان يتوسل إلى الرزق بماذا ؟ بالسَّعي والضرب في الأرض ، هذا سعي ، لكن هل كل سعي مشروع ؟ هل كل سعي في الضرب في الأرض مشروع ؟ طبعًا لا ، قد يسعى إنسان في سبيل شراء العنب لعصره خمرًا ، هذا سعى واتخذ وسيلة للرزق ، لكن مع كونه وسيلة للرزق فهي ليست وسيلة مشروعة ؛ فالآن نقول : تُرى قول القائل في التوسل : أسألك يا الله بحرمة محمد ؛ هل هذا توسل مشروع ؟ من أين نعرف أنه مشروع أو غير مشروع ؟ من الكتاب والسنة ، والكتاب والسنة لا شيء من ذلك فيهما إطلاقًا .
أقول : هذا التوسل غير مشروع ، أما إذا اقترن مع هذا التوسل عقيدة سمعناها من عشرات الناس ، ومرَّة جرت بيني وبين أحدهم في " معرَّة النعمان " بعدما خرجنا من هنا تابعنا طريقنا من دمشق حوَّلنا من " المعرَّة " نريد أن نتبضَّع ، فالظاهر بعض الناس من الشباب متديِّن ، لكن - مع الأسف - على غير هدى ، عرف أنُّو فلان الشَّيخ الألباني ، فعاد سألني عن التوسل ، فبيَّنت له المسألة بشيء يختلف عن هذا الأسلوب تمامًا ، لأنُّو هو قال ما لم تقل أنت - وهنا الشاهد - قال : أنتم تنكروا التوسل ، وأحدنا اليوم يكون له حاجة عند الوزير عند الأمير ، وما يستطيع أن يصل إليها إلا بطريق واسطة إلى هذا الوزير أو الأمير ، فأمَّنت أنا على كلامه طبعًا لينتهي من بيانه ، قلت : إي نعم . فانتهى من الكلام . قلت له : خلص ؟ قال : نعم . قلت له : يعني أنت بتريد تشبِّه رب العالمين بهؤلاء الحكَّام هؤلاء الأمراء الظُّلَّام الذين لا يمكن للرجل المسكين الحقير عند الناس أن يصل إليه إلا بواسطة أو أكثر من واسطة ؟ أنت بتريد تشبِّه رب العالمين بهؤلاء وإلَّا بتشبِّهه بعمر بن الخطاب الذي كان الأبواب لديه مفتَّحة ، يأتيه الأعرابي من البادية يقول : وين عمر ؟! هَيْ عمر ؛ يروح رأسًا يقول له : يا عمر ، حاجتي كذا وكذا . فبتشبِّه أنت ربك بعمر بن الخطاب ولا بالحجَّاج الظالم ؟ قال : لا ؛ بعمر بن الخطاب العادل أفضل من أن أشبِّهه بالحجاج الظالم ؟ قلت : تشبيهك لربك بعمر بن الخطاب العادل كفر وشرك ؛ لأن الله يقول : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ؛ فكيف بك لا ترضى أن تشبِّه الله ربَّك ومعبودك بعمر العادل ، وإنما تنزل إلى السحيق الوادي السحيق فتشبِّهه بالحجاج الظالم ؟! بل ولا ترضى بذلك ؛ لأن الحجاج الظالم كمان لو كان ظالم فهو مسلم ، وإنما حتى الكفار هدول الذين يحكمون بغير ما أنزل الله - مثلًا - أنت إيش ؟ تشبِّه رب العالمين بهم ، هذا هو التوسل ؟!
هذا التوسل - يا أستاذ - شرك وضلال أكبر ، أما إنسان يتوهَّم أن هذا التوسل يحقِّق له استجابة دعاء هذا خطأ شرعًا ، ونقف عند هنا ، أما إذا اقترن مع هذا الخطأ تشبيه لربِّ العالمين بأفجر الفجار وأظلم الظالمين فهذا هو الكفر بعينه .
وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين .
باقي عندنا عشر دقائق .

Webiste