تم نسخ النصتم نسخ العنوان
الجواب عن الشبهة الأولى لِمَن يقسم البدع إلى ب... - الالبانيالشيخ : من هذه النصوص التي تُشكل على بعض الناس وبعضٌ آخر يركن إليها ويعتمد عليها في ضرب تلك القاعدة التي لا تقبل التخصيص والتقييد مطلقًا  كل بدعة ضلالة ...
العالم
طريقة البحث
الجواب عن الشبهة الأولى لِمَن يقسم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيِّئة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقصَ من أجورهم شيء ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : من هذه النصوص التي تُشكل على بعض الناس وبعضٌ آخر يركن إليها ويعتمد عليها في ضرب تلك القاعدة التي لا تقبل التخصيص والتقييد مطلقًا كل بدعة ضلالة ؛ قالوا : ليس كل بدعة ضلالة ، وإنما هناك بدعة حسنة ، واحتجُّوا بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقصَ من أجورهم شيء ، ومَن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة فعليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أوزارهم شيء . فسَّروا هذا الحديث بخلاف ما رمى إليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من المعنى الذي لا يختلف مطلقًا مع تلك القاعدة الإسلامية : كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؛ قالوا في تفسير هذا الحديث : معنى مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة من ابتدعَ في الإسلام بدعة حسنة ؛ فهذا التفسير تفسير باطل لا نشكُّ في ذلك قدر أنملة ؛ ذلك لأنه يصطدم مع سبب ورود الحديث والمناسبة التي ذكره - عليه الصلاة والسلام - فيها ؛ بحيث أنه إذا سمعَ السامع للحديث والمناسبة تبيَّنَ له بطلان ذلك التفسير بطلانًا جليًّا ، تلك المناسبة هي جاءت مع الحديث في " صحيح الإمام مسلم " و " مسند الإمام أحمد " وغيرهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال : " كنَّا جلوسًا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاءه أعراب مجتابو النِّمار ، متقلِّدو السيوف ، عامَّتهم من مضر ، بل كلُّهم من مضر ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تمعَّرَ وجهه . أي : تغيَّرت ملامح وجهه حزنًا وأسفًا على فقر هؤلاء الأعراب . وقال - عليه الصلاة والسلام - فيما خَطَبَهم في ذلك المكان : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - حضًّا وتأكيدًا لذلك الأمر القرآني قال - عليه السلام - : تصدَّق رجل بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره . تصدَّق معناه هنا : لِيتصدَّقْ كلٌّ من منكم بما تيسَّر من هذه الأمور المذكورة في كلامه - عليه الصلاة والسلام - .
فانطلق رجلٌ من الذين كانوا في مجلس الرسول - عليه الصلاة والسلام - هذا ليعودَ إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي طرف ثوبه ما تيسَّرَ له من طعام أو دراهم ودنانير ، فلما رأى ذلك سائرُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وكان فيهم أبو بكر وعمر كما في رواية للإمام الطبراني في " معجمه الكبير " قام كلٌّ من هؤلاء ليعودَ - أيضًا - بما تيسَّر لكلٍّ منهم من صدقة ، فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمثال الجبال من الطعام والدراهم والدنانير ، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تهلَّل وجهه كأنه مُذهَبَة ؛ أي : إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنوَّرَ وجهه بعد أن استجابَ له أصحابه وجاء كلٌّ منهم بما تيسَّر من الصدقة فَرِحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الاستجابة ، وكان فرحُه أكثر وأكثر بالنسبة للرجل الأول الذي فتح الطريق إلى هذه السنة ؛ أَلَا وهي الصدقة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - بهذه المناسبة : مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أجورهم شيء إلى آخر الحديث .
فإذا ما عُدْنا إلى تفسير الخَلَف لهذا النَّصِّ النبوي من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة بقولهم : أي : مَن ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة ظَهَرَ كما قلنا آنفًا جليًّا تنافر وتباين هذا التفسير مع هذه الواقعة وهذه المناسبة ، وهذا فيما أظن لا يخفى على أحدٍ من الحاضرين مهما كانت سويَّته وثقافته ؛ لأنه لا يشكُّ أحدٌ أن الحادثة لم يكن فيها شيء من البدع المحدثات لم يكن معروفًا قبل هذه الحادثة ؛ لأنه لم يقع فيها إلا الصدقة ؛ فكيف يصحُّ أن يُقال لمناسبة هذه الصدقة في تفسير قول الرسول - عليه السلام - : مَن سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة أنه يعني من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؟! أين هذه البدعة في هذا المجلس النبوي وهو قد قام فيه يخطب الصحابة ويذكِّرهم بكلام الله وبكلامه هو - عليه الصلاة والسلام - يذكِّرهم بالصدقة على هؤلاء الأقوام بالآية السابقة ، وبقوله حضًّا لهم : تصدَّق رجل بدرهمه ، فاجتمع الناس على الصدقة ، كلُّ ما في الأمر أن الرجل الأول هو الذي ذكَّرَ الحاضرين بهذه الصدقة بعمله حينما انطلق قبل غيره ، فجاء بما تيسَّر له كما سمعتم ، ثم تتابعَ أصحاب الرسول - عليه السلام - على هذه الصدقة ؛ فمن البدهيِّ بمكان أن لم يقع في هذا المجلس شيءٌ من المحدثات ، وَلْيكُنْ محدثًا لغةً لم يقع شيء من ذلك ؛ فإذًا تفسير أولئك الناس لهذا الحديث بما يدعمون به انحرافهم عن تلك القاعدة كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار هو خطأ آخر ، الخطأ الأول الانحراف عن هذه القاعدة ، والخطأ الآخر تأويلهم للحديث تأويلًا ينقض القاعدة ، وهذا التأويل هو خطأ وافتراء ، ولو أن هذا الافتراء غير مقصود فهذا شيء آخر ، إنما هو افتراء على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما يقول قائلهم : من سنَّ في الإسلام أي : من ابتدع في الإسلام ؛ فأروني بربِّكم أين هذه البدعة في هذه الحادثة المباركة ولم يقع فيها إلا الصدقة التي حضَّهم الرسول - عليه السلام - عليها كما قلنا بالكتاب وبالسنة ؟!
وأنا أقول : لو أن رجلًا أعجميًّا - ولا أذهب بعيدًا - ؛ لو أن رجلًا مثلي ألباني الأصل أعجمي تعرَّب وتعرَّف على اللغة العربية ؛ لو أن مثل هذا فسَّر الحديث السابق بما يفسِّره هؤلاء العرب سُلالةً وجبلَّةً ؛ أي : مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ؛ أي : مَن ابتدع إلى آخر قولهم ؛ لَكان من أجهل الناس بهذه الواقعة ؛ لأنه لا يجد في الحادثة - كما ذكرنا - بدعةً بالمعنى الذي هم يفسِّرون الحديث به ؛ فكيف يُنسب مثل هذا التفسير إذا كانت نسبَتُه إلى رجل أعجمي مثلي - مثلًا - ؟ كيف يُنسب مثل هذا التأويل والتفسير إلى أفصح مَن نطق بالضَّاد إلى من نزل عليه القرآن الكريم بلغة العرب ؟ لا شك أن هذه زلَّة لو أنها وقفت عند اللغة العربية لَهانَ الأمر بعض الشيء ، ولكن هذه الزلَّة أودَتْ بصاحبها إلى تأويل قاعدة مطلقة أكَّدَها الرسول - عليه السلام - بمناسبات شتَّى ؛ تلك قوله - عليه السلام - : كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار هذا أوَّلًا .

Webiste