شرح حديث عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - قال : قلتُ : يا رسولَ الله ، ما النجاةُ ؟ قال : " أمْسِكْ عليكَ لِسانَكَ ، ولْيَسَعْكَ بيتُكَ ، وابْكِ على خطيئَتِكَ " .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ولذلك عقَّب الحديث السابق بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، ما النجاة ؟ ما الخلاص من عذاب الله - عز وجل - يوم القيامة ؟ قال : أمسِكْ عليك لسانَك ، وَلْيسَعْك بيتُك ، وَابْكِ على خطيئَتِك . رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي كلهم من طريق عُبيد الله بن زحرٍ عن عليِّ بن يزيد عن القاسم عنه ، وقال الترمذي : " حديث حسن غريب " .
في هذا الحديث بعد أن تكلَّم على شيء من تخريجه ، يأمر الرسول - عليه السلام - عقبة بن عامر بخصالٍ ثلاث جعلَها هي سبب النجاة ؛ الخصلة الأولى : أمسِكْ عليك لسانَك ؛ يعني لا تتكلم إلا بما يفيدك وبما يعنيك ، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث كثيرة في الحضِّ على الإعراض عن الكلام إلا فيما كان فيه خير ؛ فقد جاء في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث أبي خزاعة وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيرًا أو ليصمِتْ .
أمسِكْ عليك لسانَك ، وَلْيسَعْك بيتُك ، قد يتبادر إلى بعض الناس أن هذا الأمر أمر بالاعتزال ؛ اعتزال الناس مطلقًا ، وليس الأمر كذلك ، وإنما هذه وصيَّة من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للإنسان أن يلزمَ بيته حينما تتكاثر وتتقاطر الفتن كالمطر ، فيشعر حينئذٍ الإنسان أن لا فائدة من مخالطته للناس ، بل عليه أن ينجو بنفسه ؛ حين ذاك فليلزَمْ بيته .
ولا شك أن مثل هذه الوصية من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يلزم المسلم دارَه لا يجوز أن يُفهم أنه وضعَ قاعدة للمسلم في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان ؛ ذلك لأن الإسلام إنما قام على أساس قُمْ فَأَنْذِرْ ، وذلك يتطلَّب مخالطة الناس وتبليغهم الدعوة ، ولهذا يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ، ولكن إذا كان مخالطة المسلم للناس يكون نتيجَتُها أن يتضرَّر وأن يتأذَّى المسلم في عقيدته وفي أخلاقه وفي دينه ههنا تأتي هذه الوصية الكريمة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : والزَمْ بيتك . هكذا يجب أن نوفِّق بين الأحاديث كما يجب التوفيق بين الآيات نفسها ؛ لأنها جميعًا خرجت من مشكاة واحدة ، فلا يجوز أن نأخذ هذا الحديث قاعدة مطَّردة فنضرب به حديث : المؤمن الذي يخالط الناس إلى آخره ، ولا أن نجعل لهذا الحديث الأخير قاعدة ونضرب الحديث الذي نقرأه الآن في الكتاب ، وإنما لكلٍّ من الحديثين محله ومناسبته .
ثم قال له - عليه الصلاة والسلام - : وَابْكِ على خطيئَتِك . وهذا الأمر هو أمر لازم دائمًا وأبدًا مهما كان شأن المسلم يعيش معتزلًا الناس أو مخالطًا الناس ، فهو ينبغي دائمًا أن يتعاطى الأسباب التي تُرقُّ قلبه وتُسيل دمعه ؛ وذلك أن يبكي على خطيئته ، وهذا يستلزم بطبيعة الحال أن يحاسبَ الإنسان نفسه وأن يفكِّر فيما جَنَتْ يداه في يومه أو في ليله ؛ حتى يكون الإنسان ذاكرًا لربِّه ، ولعله يُكتب أن يكون من أولئك السبعة الذين سَبَقَ حديثُهم منذ دروس مضَتْ ، وفيهم : ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عَيناه . أول الحديث تذكرون : سبعةٌ يظلُّهم الله تحت ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه وذكرهم ، وفيهم : ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عَيناه .
هنا قد يرد سؤال في هذا التخريج ؛ حيث عزا الحديث للترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي وقال : " كلهم من طريق عبيد الله بن زحر " ، وهذا رجل ضعيف . " عن علي بن يزيد " وهو الألهاني الشامي ، وهو مثل الأول في الضعف . " عن القاسم " أبي الرحمن الدمشقي ، وهو مولى أبي أمامة ، وهذا فيه كلام ، ولكن لا يستلزم الأمر أن يكون مثل الأوَّلَين . ثم قال : وقال الترمذي : " حديث حسن غريب " ؛ فكيف أوَّلًا بالنسبة لِصَنيعِنا كيف اختَرْنا هذا الحديث على أنَّه من الأحاديث الثابتة وهو من هذه الطريق الواحدة من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد الألهاني ؟ فالجواب : إنه حديث صحيح لغيره ؛ أي : بشواهده وطرقه وليس لخصوص هذ الطريق ، وإن كان الترمذي هو نفسه يحسِّن هذا الطريق لذاته ، ويقول كما سمعتم فيه : " حديث حسن غريب " .
ولعله يحسن إعادة التذكير للفرق بين قول الترمذي هذا في مثل هذا الحديث : " حسن غريب " ، وبين قوله في حديث آخر : " حديث حسن " ؛ ما الفرق بين القولين ؟ تارةً نجد الترمذي يقول : " حديث حسن غريب " كما هنا ، وتارةً لا يأتي اللفظ غريب وإنَّما يقتصر على قوله : " حديث حسن " ؟
الجواب : هذا اصطلاح للترمذي ينبغي على طالب العلم أن يكون على علمٍ به ؛ حتى إذا ما قرأ كتابه - إن شاء الله - ، أو قرأ نقلًا عنه : " حديث حسن غريب " تارة ، وتارة : " حديث حسن " ؛ فيكون على علم أنه يعني حين يقول : " حديث حسن غريب " أن إسناده بالذات حسن ، فالحديث عنده حسن لذاته ، وحينما يقول : " حديث حسن " فقط ؛ فيعني أن إسناد الحديث فيه ضعف عنده ، وإنما تقوَّى عنده بغيره . ومن هنا يظهر أن الناقل من كتاب الترمذي ينبغي أن يكون دقيقًا في نقله ، فيجب أن يكون على علمٍ بهذا الفارق بين قوله : " حديث حسن غريب " ، وبين قوله : " حديث حسن " فقط ، ومع الأسف الشديد إن كثيرًا ممَّن لهم إلمام واشتغال بالحديث لا يستحضرون هذا الفارق ، فلا ينقلون نقلًا دقيقًا ؛ فقد يكون الحديث في الترمذي قال فيه : " حديث حسن غريب " قد يقول هو نحن نختصر قوله هذا فنقول : " حديث حسن " فقط ، فيفهم مَن كان عنده علم بمصطلح الترمذي أن هذا الحديث في سنده ضعف ، لكن الترمذي حسَّنَه لشواهده ، والواقع أن الترمذي يكون قد حسَّنَه لذاته ، نبَّهَ على ذلك بقوله لفظة " غريب " ، فاختصر الناقل هذه الكملة فأوهَمَ خلاف ما قصد المؤلف الترمذي نفسه .
هذا كلمة قصيرة تتعلق بهذا مصطلح الحديث في قول الترمذي من جهة : " حديث حسن غريب " ، وفي تقويتنا لهذا الحديث مع أن طريقه ضعيف ؛ فالخلاصة أن هذا الحديث صحيح لغيره .
في هذا الحديث بعد أن تكلَّم على شيء من تخريجه ، يأمر الرسول - عليه السلام - عقبة بن عامر بخصالٍ ثلاث جعلَها هي سبب النجاة ؛ الخصلة الأولى : أمسِكْ عليك لسانَك ؛ يعني لا تتكلم إلا بما يفيدك وبما يعنيك ، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث كثيرة في الحضِّ على الإعراض عن الكلام إلا فيما كان فيه خير ؛ فقد جاء في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث أبي خزاعة وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيرًا أو ليصمِتْ .
أمسِكْ عليك لسانَك ، وَلْيسَعْك بيتُك ، قد يتبادر إلى بعض الناس أن هذا الأمر أمر بالاعتزال ؛ اعتزال الناس مطلقًا ، وليس الأمر كذلك ، وإنما هذه وصيَّة من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للإنسان أن يلزمَ بيته حينما تتكاثر وتتقاطر الفتن كالمطر ، فيشعر حينئذٍ الإنسان أن لا فائدة من مخالطته للناس ، بل عليه أن ينجو بنفسه ؛ حين ذاك فليلزَمْ بيته .
ولا شك أن مثل هذه الوصية من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يلزم المسلم دارَه لا يجوز أن يُفهم أنه وضعَ قاعدة للمسلم في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان ؛ ذلك لأن الإسلام إنما قام على أساس قُمْ فَأَنْذِرْ ، وذلك يتطلَّب مخالطة الناس وتبليغهم الدعوة ، ولهذا يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ، ولكن إذا كان مخالطة المسلم للناس يكون نتيجَتُها أن يتضرَّر وأن يتأذَّى المسلم في عقيدته وفي أخلاقه وفي دينه ههنا تأتي هذه الوصية الكريمة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : والزَمْ بيتك . هكذا يجب أن نوفِّق بين الأحاديث كما يجب التوفيق بين الآيات نفسها ؛ لأنها جميعًا خرجت من مشكاة واحدة ، فلا يجوز أن نأخذ هذا الحديث قاعدة مطَّردة فنضرب به حديث : المؤمن الذي يخالط الناس إلى آخره ، ولا أن نجعل لهذا الحديث الأخير قاعدة ونضرب الحديث الذي نقرأه الآن في الكتاب ، وإنما لكلٍّ من الحديثين محله ومناسبته .
ثم قال له - عليه الصلاة والسلام - : وَابْكِ على خطيئَتِك . وهذا الأمر هو أمر لازم دائمًا وأبدًا مهما كان شأن المسلم يعيش معتزلًا الناس أو مخالطًا الناس ، فهو ينبغي دائمًا أن يتعاطى الأسباب التي تُرقُّ قلبه وتُسيل دمعه ؛ وذلك أن يبكي على خطيئته ، وهذا يستلزم بطبيعة الحال أن يحاسبَ الإنسان نفسه وأن يفكِّر فيما جَنَتْ يداه في يومه أو في ليله ؛ حتى يكون الإنسان ذاكرًا لربِّه ، ولعله يُكتب أن يكون من أولئك السبعة الذين سَبَقَ حديثُهم منذ دروس مضَتْ ، وفيهم : ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عَيناه . أول الحديث تذكرون : سبعةٌ يظلُّهم الله تحت ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه وذكرهم ، وفيهم : ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عَيناه .
هنا قد يرد سؤال في هذا التخريج ؛ حيث عزا الحديث للترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي وقال : " كلهم من طريق عبيد الله بن زحر " ، وهذا رجل ضعيف . " عن علي بن يزيد " وهو الألهاني الشامي ، وهو مثل الأول في الضعف . " عن القاسم " أبي الرحمن الدمشقي ، وهو مولى أبي أمامة ، وهذا فيه كلام ، ولكن لا يستلزم الأمر أن يكون مثل الأوَّلَين . ثم قال : وقال الترمذي : " حديث حسن غريب " ؛ فكيف أوَّلًا بالنسبة لِصَنيعِنا كيف اختَرْنا هذا الحديث على أنَّه من الأحاديث الثابتة وهو من هذه الطريق الواحدة من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد الألهاني ؟ فالجواب : إنه حديث صحيح لغيره ؛ أي : بشواهده وطرقه وليس لخصوص هذ الطريق ، وإن كان الترمذي هو نفسه يحسِّن هذا الطريق لذاته ، ويقول كما سمعتم فيه : " حديث حسن غريب " .
ولعله يحسن إعادة التذكير للفرق بين قول الترمذي هذا في مثل هذا الحديث : " حسن غريب " ، وبين قوله في حديث آخر : " حديث حسن " ؛ ما الفرق بين القولين ؟ تارةً نجد الترمذي يقول : " حديث حسن غريب " كما هنا ، وتارةً لا يأتي اللفظ غريب وإنَّما يقتصر على قوله : " حديث حسن " ؟
الجواب : هذا اصطلاح للترمذي ينبغي على طالب العلم أن يكون على علمٍ به ؛ حتى إذا ما قرأ كتابه - إن شاء الله - ، أو قرأ نقلًا عنه : " حديث حسن غريب " تارة ، وتارة : " حديث حسن " ؛ فيكون على علم أنه يعني حين يقول : " حديث حسن غريب " أن إسناده بالذات حسن ، فالحديث عنده حسن لذاته ، وحينما يقول : " حديث حسن " فقط ؛ فيعني أن إسناد الحديث فيه ضعف عنده ، وإنما تقوَّى عنده بغيره . ومن هنا يظهر أن الناقل من كتاب الترمذي ينبغي أن يكون دقيقًا في نقله ، فيجب أن يكون على علمٍ بهذا الفارق بين قوله : " حديث حسن غريب " ، وبين قوله : " حديث حسن " فقط ، ومع الأسف الشديد إن كثيرًا ممَّن لهم إلمام واشتغال بالحديث لا يستحضرون هذا الفارق ، فلا ينقلون نقلًا دقيقًا ؛ فقد يكون الحديث في الترمذي قال فيه : " حديث حسن غريب " قد يقول هو نحن نختصر قوله هذا فنقول : " حديث حسن " فقط ، فيفهم مَن كان عنده علم بمصطلح الترمذي أن هذا الحديث في سنده ضعف ، لكن الترمذي حسَّنَه لشواهده ، والواقع أن الترمذي يكون قد حسَّنَه لذاته ، نبَّهَ على ذلك بقوله لفظة " غريب " ، فاختصر الناقل هذه الكملة فأوهَمَ خلاف ما قصد المؤلف الترمذي نفسه .
هذا كلمة قصيرة تتعلق بهذا مصطلح الحديث في قول الترمذي من جهة : " حديث حسن غريب " ، وفي تقويتنا لهذا الحديث مع أن طريقه ضعيف ؛ فالخلاصة أن هذا الحديث صحيح لغيره .
الفتاوى المشابهة
- معنى قول الترمذي في آخر الحديث: (حسن غريب) - ابن باز
- لماذا تفرِّقون بين الأحاديث الحسنة فتأخذون بعض... - الالباني
- لماذا تفرِّقون بين الأحاديث الحسنة فتأخذون بعض... - الالباني
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- هل من فرق بين "هذا الحديث حسن " وبين " هذا الح... - الالباني
- شرح حديث عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول... - ابن عثيمين
- ما معنى قول الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب)؟ - ابن باز
- هل هناك فرق بين العبارتين : هذا حديث حسن وهذا... - الالباني
- شرح حديث عن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث ال... - ابن عثيمين
- شرح حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا... - الالباني
- شرح حديث عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - قال :... - الالباني