تم نسخ النصتم نسخ العنوان
قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح... - الالبانيالسائل : هذا السؤال متعلِّق بما ذكرتم ؛ وهو قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيَّات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص لصحة العمل...
العالم
طريقة البحث
قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيَّات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص لصحة العمل بها ، القاعدة الأصولية تقول : " عدم النقل لا يدل على نقل العدم " ؛ فكيف يُجاب على هذا الإيراد ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : هذا السؤال متعلِّق بما ذكرتم ؛ وهو قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيَّات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص لصحة العمل بها ، القاعدة الأصولية تقول : " عدم النقل لا يدل على نقل العدم " ؛ فكيف يُجاب على هذا الإيراد وجزاكم الله خيرًا ؟

الشيخ : ألمَحْنا إلى الجواب في الجواب السابق الحقيقة ، لكن لا بد من زيادة إيضاح لهذا السؤال الآن .
نحن نقول : إن العبارة التي أشار السَّائل إليها من أقوال أهل العلم ؛ وهي التي تقول : " عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه " ؛ هذا كلام صحيح ، لكن هذا له علاقة في الجزئيَّات التي قد تخفى على عامة الناس ؛ أي : وأنها ليست من الأمور التي تتوفَّر الدواعي لنقلها كالمثال السابق ، والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ ولذلك نحن نقول : لا بد من التفريق بين شيء ظاهر مُعلَن ، وبين شيء ليس بظاهر ومُعلَن ، يمكن أن يكون الرسول - عليه السلام - أو بعض أصحابه الكرام فَعَلَ ذلك ، ولكن ما أحد اطَّلع لأنه لم يكن أمرًا مُعلَنًا ؛ كما نمثِّل عادةً ببعض الأمثلة مثل صلاة العيدين - مثلًا - لا يُشرع لها الأذان ، وإنما يُشرع لها : الصلاة جامعة ، لكن بقيَّة الصلوات التي تُسَنُّ أو تجب على خلاف الفقهاء في ذلك ، وإنما هي في الغالب عند جماهير العلماء تُعتبر من السُّنن التي من السنة تجميع الناس فيها ، ولكن ليس لها أذان ، فلو قال قائل أخذًا بالعموم : اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، قال : يا أخي ، شو المانع نحن أن نؤذِّن بصلاة من هذه الصلوات التي نعلم أنَّه لم يَرِدْ فيها أذان ، نصٌّ في الأذان ، لكن - أيضًا - كما يقول المبتدعة في بدعهم كلها : في عندك نهي في هذه البدعة ؟ ما في عندنا نهي ، كما يقولون - مثلًا - الصلاة على الرسول بعد الأذان ، فيقولون : إنَّها بدعة حسنة ، لمَّا نحن ننكر عليهم يقولون : في نهي عنها ؟

السائل : تقصد الجهر فضيلة الشَّيخ ؟

الشيخ : نعم ؟

السائل : تقصد الجهر بها بعد الأذان .

الشيخ : لا ، أقصد أنا ما هو أعم من الجهر ، الجهر واضح لدى جميع الناس ، وربَّما سمعتموني بعض السَّائلين سألوني آنفًا عن هذه القضية ، ففرَّقت بين أن يقول المؤذِّن : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة وبين أن يصلِّي على الرسول - عليه السلام - ؛ لأن الأمر الأول فيه نصٌّ عام ؛ مَن قال حين يسمع النداء إلى آخره ، أما الصلاة على الرسول ليس فيها إلا النَّصُّ الخاص الموجَّه للسَّامعين ؛ فلذلك بعض المؤلفين في العصر الحاضر من أنصار السنة يُدندنون حول إنكار الجهر ، وهذا إنكار قاصر ؛ لأنَّ إضافة المؤذِّن ولو سرًّا إلى الأذان للصلاة على الرسول - عليه السلام - أيضًا هذا لا نُقِلَ ولا هناك نصٌّ عامٌّ يشمله بينه وبين ربه - تبارك وتعالى - ؛ فلذلك نحن نقول أن هؤلاء المبتدعة في كلِّ بدعهم لا يعدمون أبدًا أن يجدوا نصًّا عامًّا يُدخلون تحته بدعتَهم ، ولذلك فكان من دقَّة الإمام الشاطبي - رحمه الله - في كتابه العظيم " الاعتصام " الذي أنصح أنا طلاب العلم أن يُعنَوا بدراسته وتفهُّمه تفهُّمًا جيِّدًا ؛ لأنَّه حُشِيَ علمًا ، مُلِئَ علمًا ؛ يفرِّق بعد أن يعمِّم قول الرسول - عليه السلام - كما هو واضح : كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار هو يقسم البدعة إلى قسمين ؛ بدعة حقيقية ، وبدعة إضافية ، ويُفهم من كلامه أنَّ البدعة الإضافية هي التي ابتُليت بها الأمة أكثر وأكثر من ابتلائها بالبدعة الحقيقية ؛ وهو يعني بالبدعة الحقيقية هي البدعة التي ليس لها أصل مطلقًا في الكتاب ولا في السنة ، وهي في الغالب تكون بدعة اعتقاديَّة ، أما البدعة الإضافية فهي عنده بالنظر إلى جانب من الأدلة تظهر أنها مشروعة ، وبالنظر إلى جوانب أخرى تظهر أنها غير مشروعة ؛ فحينئذٍ يصح أن يُطلق عليها إنها بدعة ضلالة .
ويأتي على ذلك بأمثلة طيِّبة وموضِّحة جدًّا للمسألة ، يقول - مثلًا - الاستغفار بعد الصلاة ، الاستغفار بعد الصلاة سنة ؛ لأنه جاء في " صحيح مسلم " من حديث ثوبان - رضي الله عنه - أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم من الصلاة استغفر الله ثلاثًا ، يقول : لكن الجهر بالاستغفار وبصوت واحد هذا أُضِيف إلى هذه السنة ؛ فبهذا الاعتبار أُلحِقَت بالبدعة وليست من السنة ، كذلك - مثلًا - يقول : الهيئة الاجتماعية التي تُقام بعد الصلوات خاصَّة بعد العصر وبعد الصبح ؛ حيث أن الإمام حين يستقبل المؤتمِّين به يلقِّنُهم التسبيح والتحميد والتكبير ، ثم يدعو ويرفع يديه ، ثم هم يؤمِّنون على دعائه ، يقول : هذا له أصل في السنة ؛ لأن التسبيح مأمور به ، والدعاء بصورة مطلقة - أيضًا - جاءت بعض الأحاديث بذلك ، لكن هذا الاجتماع بهذه الكيفيَّة حدث بعد الرسول - عليه السلام - ؛ فهذا الاجتماع إذًا بدعة ، لكن له أصل في الشرع من حيث أنَّ هذه الأوراد والأذكار واردة فيه ، فيسمِّي ذلك بدعة إضافية ، فأنا أقول : إذا لم يُلاحظ هذه القاعدة وهي : " أنَّ كلَّ نصٍّ شرعيٍّ من كتاب أو سنة تضمَّن أجزاء كثيرة ، وبعض هذه الأجزاء لم يجرِ عمل المسلمين عليه فيكون بدعة " ؛ إذا لم يلاحظ هذا ، فبارك الله للمبتدعة في بدعهم ؛ لأنهم - كما قلنا آنفًا - لا يعدمون نصًّا عامًّا يؤيِّد بدعتهم ؛ ولهذا فينبغي نحن أن نتسلَّح بفَهْمِ بهذه القاعدة على خصومنا ومخالفينا من المبتدعة لكي نُقيمَ الحجَّة عليهم ولا تكون حجَّتهم قائمة علينا . فهذه ذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين إن شاء الله .
خلاصة الجواب : التفريق بين الأمور الظاهرة التي تتوافر دواعي لنقلها ، والأمور التي ليست كذلك .
نعم .

السائل : جزاكم الله خير .

الشيخ : وإياكم .

Webiste