تفسير سورة البقرة - 2
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
سؤال: ما معنى قوله تعالى في سورة البقرة: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة: ١٠٢] ، وهل المقصود بقوله: الْمَلَكَيْنِ هما هاروت وماروت، أم هما من ملوك البشر، وهل كانا يعلمان الناس السحر الذي عده الرسول صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات؟
الجواب: هذه الآية وردت في ذم اليهود ومن نحا نحوهم وعمل عملهم، وقبلها قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [البقرة: ١٠١، ١٠٢] .
وذلك أن اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أوصافه وإثبات رسالته في كتاب الله الذي بأيديهم وهو التوراة، ولما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كانوا كافرين بكتابهم ونابذين له وراء ظهورهم، ثم إنهم اعتاضوا عن كتاب الله، بكتب السحر والشعوذة، وهذا من استبدال الخبيث بالطيب، ومن عقوبة الله لهم؛ لأن من ترك الحق ابتلي بالباطل، فهم لما تركوا كتاب الله اعتاضوا عنه كتب السحر والكتب الشيطانية، وهذه سنة الله جل وعلا فيمن أعرض عن كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه يبتلى بالضلال وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ : يعني ما كانت الشياطين تعمله من السحر على مُلْكِ سُلَيْمَانَ ، يعني في عهد سليمان، فإن الشياطين كانت تعمل السحر في عهد سليمان، فظن اليهود أن السحر الذي وجدوده ظنوه من عمل سليمان عليه السلام، لهذا قال: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ، يعني: وليس هذا السحر من عمله؛ لأن هذا السحر كفر، والأنبياء مبرءون من عمل الكفر، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ، فدل على أن تعلم السحر وتعليمه كفر.
وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ : الجمهور على أن المراد بهما ملكان نزلا من السماء لابتلاء العباد، وكانا يعلمان السحر ابتلاءً للعباد، ولهذا كانا ينصحان من يريد تعلم السحر بقولهما: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فينصحانه بأن السحر كفر فلا تتعلمه، فإذا أقدم وتعلمه باختياره فهذا دليل على فساده وشره، فهما ملكان عند الجمهور نزلا من السماء لابتلاء العباد وامتحانهم، ومن العلماء من قرأ: "وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ" بكسر اللام، فيكونان من ملوك البشر، ولكن الأول أشهر وأظهر، وهما هاروت وماروت.
سؤال: ما معنى قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة: ٢١٩] .
الجواب: الله سبحانه وتعالى حرم الخمر على التدريج، فلما كان الناس في أول الإسلام مغرقين في شرب الخمر، ولا يستطيعون تركه بالكلية إلا بالتدريج شيئًا فشيئًا، الله جل وعلا من حكمته حرمه على التدريج.
ففي أول مرحلة قال سبحانه وتعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ، هذا في الأول، أول مرحلة، فبين الله سبحانه وتعالى أن ضرر الخمر أكثر من نفعه، والعاقل إذا عرف أن ضرر الشيء أكثر من نفعه، فإنه يبتعد عنه؛ لأن الإنسان لا يريد لنفسه أن يأخذ شيئًا، أو يتناول شيئًا ضرره أكثر من نفعه، فالعاقل عندما يسمع هذه الآية، فإنه سيترك الخمر والميسر؛ لأن العقل يأمره بذلك لأن مفسدته راجحة، والعاقل لا يقدم على شيء مفسدته راجحة.
ثم في المرحلة الثانية حرمه عليهم في بعض الأوقات، وهي الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: ٤٣] ، فحرمه عليهم في وقت، وهو وقت الصلوات، وإذا كان يحرم على المسلم أن يشرب الخمر في وقت الصلاة، مع أن الصلوات تكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فهذا يأخذ عليه وقتا طويلا يحرم عليه فيه شرب الخمر في اليوم والليلة، فيكون قد خفت عليه وطأة الخمر واعتياد الخمر؛ لأنه سيتركه في فترات خمس من اليوم والليلة، فحينئذ تخف وطأته عليه، ثم إنه جل وعلا بعد
ذلك حرمه تحريمًا قاطعًا في قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة: ٩٠-٩٢] ، فحرم الخمر تحريمًا قاطعًا في جميع الأوقات، في جميع عمر الإنسان، ولم يبق لها وقت من حياة الإنسان، بل هي حرام على المسلم طول عمره، كانت هذه النهاية نهاية الخمر، وهي أن الله أراح المسلمين منه، وحرمه عليهم تحريمًا قاطعًا وأمرهم باجتنابه، فقال سبحانه: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، فهذا من باب التدريج في تحريم الخمر، والتدريج فيما يشق على النفوس، هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.
الجواب: هذه الآية وردت في ذم اليهود ومن نحا نحوهم وعمل عملهم، وقبلها قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [البقرة: ١٠١، ١٠٢] .
وذلك أن اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أوصافه وإثبات رسالته في كتاب الله الذي بأيديهم وهو التوراة، ولما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كانوا كافرين بكتابهم ونابذين له وراء ظهورهم، ثم إنهم اعتاضوا عن كتاب الله، بكتب السحر والشعوذة، وهذا من استبدال الخبيث بالطيب، ومن عقوبة الله لهم؛ لأن من ترك الحق ابتلي بالباطل، فهم لما تركوا كتاب الله اعتاضوا عنه كتب السحر والكتب الشيطانية، وهذه سنة الله جل وعلا فيمن أعرض عن كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه يبتلى بالضلال وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ : يعني ما كانت الشياطين تعمله من السحر على مُلْكِ سُلَيْمَانَ ، يعني في عهد سليمان، فإن الشياطين كانت تعمل السحر في عهد سليمان، فظن اليهود أن السحر الذي وجدوده ظنوه من عمل سليمان عليه السلام، لهذا قال: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ، يعني: وليس هذا السحر من عمله؛ لأن هذا السحر كفر، والأنبياء مبرءون من عمل الكفر، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ، فدل على أن تعلم السحر وتعليمه كفر.
وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ : الجمهور على أن المراد بهما ملكان نزلا من السماء لابتلاء العباد، وكانا يعلمان السحر ابتلاءً للعباد، ولهذا كانا ينصحان من يريد تعلم السحر بقولهما: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فينصحانه بأن السحر كفر فلا تتعلمه، فإذا أقدم وتعلمه باختياره فهذا دليل على فساده وشره، فهما ملكان عند الجمهور نزلا من السماء لابتلاء العباد وامتحانهم، ومن العلماء من قرأ: "وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ" بكسر اللام، فيكونان من ملوك البشر، ولكن الأول أشهر وأظهر، وهما هاروت وماروت.
سؤال: ما معنى قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة: ٢١٩] .
الجواب: الله سبحانه وتعالى حرم الخمر على التدريج، فلما كان الناس في أول الإسلام مغرقين في شرب الخمر، ولا يستطيعون تركه بالكلية إلا بالتدريج شيئًا فشيئًا، الله جل وعلا من حكمته حرمه على التدريج.
ففي أول مرحلة قال سبحانه وتعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ، هذا في الأول، أول مرحلة، فبين الله سبحانه وتعالى أن ضرر الخمر أكثر من نفعه، والعاقل إذا عرف أن ضرر الشيء أكثر من نفعه، فإنه يبتعد عنه؛ لأن الإنسان لا يريد لنفسه أن يأخذ شيئًا، أو يتناول شيئًا ضرره أكثر من نفعه، فالعاقل عندما يسمع هذه الآية، فإنه سيترك الخمر والميسر؛ لأن العقل يأمره بذلك لأن مفسدته راجحة، والعاقل لا يقدم على شيء مفسدته راجحة.
ثم في المرحلة الثانية حرمه عليهم في بعض الأوقات، وهي الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: ٤٣] ، فحرمه عليهم في وقت، وهو وقت الصلوات، وإذا كان يحرم على المسلم أن يشرب الخمر في وقت الصلاة، مع أن الصلوات تكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فهذا يأخذ عليه وقتا طويلا يحرم عليه فيه شرب الخمر في اليوم والليلة، فيكون قد خفت عليه وطأة الخمر واعتياد الخمر؛ لأنه سيتركه في فترات خمس من اليوم والليلة، فحينئذ تخف وطأته عليه، ثم إنه جل وعلا بعد
ذلك حرمه تحريمًا قاطعًا في قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة: ٩٠-٩٢] ، فحرم الخمر تحريمًا قاطعًا في جميع الأوقات، في جميع عمر الإنسان، ولم يبق لها وقت من حياة الإنسان، بل هي حرام على المسلم طول عمره، كانت هذه النهاية نهاية الخمر، وهي أن الله أراح المسلمين منه، وحرمه عليهم تحريمًا قاطعًا وأمرهم باجتنابه، فقال سبحانه: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، فهذا من باب التدريج في تحريم الخمر، والتدريج فيما يشق على النفوس، هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.
الفتاوى المشابهة
- فضل الآيتين في آخر سورة البقرة - اللجنة الدائمة
- هل هناك دليل على قراءة سورة البقرة على من به مس - الفوزان
- بداية تفسير سورة البقرة، وذكر سبب تسميتها به... - ابن عثيمين
- فضيلة قراءة سورة البقرة في البيت - ابن باز
- فضل سورة البقرة - الفوزان
- فضائل سورة البقرة - اللجنة الدائمة
- تفسير آيات الصيام التي في سورة البقرة. - ابن عثيمين
- تفسير الآية 114 من سورة البقرة - اللجنة الدائمة
- تفسير سورة البقرة - 3 - الفوزان
- تفسير سورة البقرة - الفوزان
- تفسير سورة البقرة - 2 - الفوزان