تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير سورة يس - الفوزانسؤال: قال الله تعالى في سورة يس: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُ...
العالم
طريقة البحث
تفسير سورة يس
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
سؤال: قال الله تعالى في سورة يس: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس: ١-٩] .
ما معنى هذه الآيات، ومن هم هؤلاء القوم الذين لم ينذروا مع أن الله يقول: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦] ؟

الجواب: قوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: يس : الصحيح أن هذا من الحروف المقطعة في أوائل السور، والله جل وعلا أعلم بمراده بها.
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ هذا قسم من الله سبحانه وتعالى بالقرآن الذي هو كلامه وآياته التي أنزلها، وهو يدل على عظمة هذا القرآن؛ لأن الله أقسم به.
الْحَكِيمِ معناه: المحكم الذي لا يعتريه نقص ولا يعتريه تناقض، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ هذا هو المقسم عليه، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقرآن الحكيم على أن محمدًا من المرسلين، ففي هذا إثبات الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، وأنه أثبتها وأقسم عليها جل وعلا.
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: إنك أيها الرسول على طريق واضح، وطريق صحيح، هو صراط الله سبحانه وتعالى.
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ أي: أن هذه الرسالة وهذا القرآن من الله عز وجل، فهو الذي أرسل هذا الرسول، وهو الذي أنزل هذا الكتاب، وهو العزيز، يعني القوي الذي لا يغالب، الرحيم بعباده جل وعلا.
والحكمة في ذلك، في إنزال هذا القرآن وفي بعث هذا الرسول، لِتُنْذِرَ قَوْمًا : يعني: لتبين لهم وتخوفهم بالله عز وجل، وتنبههم على طريق الصواب وطريق الهدى، وتحذرهم وتنذرهم من طريق الشرك وطريق النار. والمراد بهؤلاء القوم: العرب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث فيهم أصالة وغيرهم تبعًا، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم بعث لجميع الثقلين الجن والإنس كما قال تعالى: قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: ١٥٨] ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] ، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: ١] ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: ٢٨] ، فرسالته عامة، وإن كان قد بعث في العرب، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث لجميع الجن والإنس، فرسالته عامة عليه الصلاة والسلام، ولكنه بدأ بإنذار العرب وهذا من التدرج في الإبلاغ، والتدرج في تبليغ الرسالة، فهو يبلغ العرب، ويبلغ غيرهم، ولهذا كتب صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، إلى كسرى وقيصر، يدعوهم إلى الإسلام؛ لأنه رسول إليهم.
مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ : لا منافاة بين هذا وبين ما ذكره السائل من أن الله قد بعث في كل أمة رسولًا وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل: ٣٦] ؛ لأن العرب لم يأتهم بعد إسماعيل عليه السلام رسول منهم، إلى أن جاء
محمد صلى الله عليه وسلم فلم يبعث في العرب رسول بعد إسماعيل إلا ابنه محمد صلى الله عليه وسلم.

سؤال: المقصود نذير هنا: من بينهم أو منهم؟

الجواب: نعم، وإن كانت بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام ودعوات الأنبياء، لكن [رسول منهم] ، لم يبعث منهم إلا محمد صلى الله عليه وسلم، مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ .
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ : يعني وجب عليهم العذاب بكفرهم وعنادهم لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم استجابتهم لدعوته، وبذلك حقت عليهم كلمة العذاب فهم لا يؤمنون.
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [يس: ٨ - ١١] هذه الآيات كلها إلى قوله: إِنَّمَا تُنْذِرُ كلها في حق المعاندين الذين عرفوا الحق وبلغتهم الرسالة، فاستكبروا وعاندوا واستمروا على عبادة الأصنام، ودين الآباء والأجداد، وزهدوا بالحق الذي جاء به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله جل وعلا ختم على قلوبهم عقوبة لهم، وحق عليهم العذاب فلا مناص لهم من ذلك، وعميت بصائرهم، فمثلهم مثل الذي غلت يداه إلى عنقه، وارتفع رأسه ونظره، وصار يمشي بين سدين، إن تقدم تعثر بالسد الذي أمامه، وإن تأخر تعثر بالسد الذي خلفه فاجتمع عليه عدة أمور:

أولًا: أنه مقمح، بمعنى أنه مرتفع الرأس بسبب الغل الذي في عنقه، فلا ينظر إلى ما تحته.

وثانيًا: أن أمامه سد ومن خلفه سد، وأن الله أغشى بصره، فلا يبصر ما حوله، وهذا بسبب أنهم أعرضوا عن آيات الله ولم تصل إلى شغاف قلوبهم، ولم يصل نورها إلى أفئدتهم، فهم صاروا في ظلمات وفي تردد وفي زيغ والعياذ بالله، وهذا يحصل لكل من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم واستكبر عن دعوته إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية والسلامة.

Webiste