تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم... - الفوزان س97: يقول السائل: قال الله تعالى في سورة يس: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِي...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
س97: يقول السائل: قال الله تعالى في سورة يس:
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَإِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ . من هم هؤلاء القوم الذين لم ينذروا؟ مع أن الله يقول وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ

ج97: قوله تعالى: يس ، الصحيح أنها: من الحروف المقطعة في أوائل السور، والله جل وعلا أعلم بمراده بها، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، هذا قسم من الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم، الذي هو كلامه، واَياته التي أنزلها، ويدل على عظمته؛ لأن الله سبحانه وتعالى أقسم به، والحكيم معناه: المحكم الذي لا يعتريه نقص ولا يعتريه التناقض، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، هذا هو المقسوم عليه، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقرآن الحكيم أن محمداً صلى الله عليه وسلم من المرسلين، في هذا إثبات الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الله- عز وجل-، وأنه أثبتها وأقسم عليها جل وعلا. عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: إنك أيها الرسول على طريق واضح، وطريق صحيح؛ وهو صراط الله سبحانه وتعالى تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، أن هذه الرسالة من الله عز وجل وهو الذي أرسل هذا الرسول، وهو الذي أنزل هذا الكتاب، وهو العزيز القوي الذي لا يغالب، الرحيم بعباده جل وعلا. والحكمة من إنزال هذا القرآن، وفي بعث هذا الرسول، لِتُنْذِرَ قَوْمًا ، يعني: لتبين لهم، وتخوفهم بالله عز وجل، وتنبههم بطريق الصواب، وطريق الهدى، وتخوفهم وتحذرهم من الشرك، وطريق النار، والمراد بهؤلاء القوم: العرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث فيهم أصالة، وغيرهم تبعاً، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم بُعث إلى جميع الثقلين من
الإنس والجن، كما قال تعالى: قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا . وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ، فرسالته عامة، وإن كان عليه الصلاة والسلام قد بُعث في العرب، فهو مبعوث إلى الجن والإنس، فرسالته عامة عليه الصلاة والسلام، ولكنه بدأ بإنذار العرب، وهذا من التدرج في الإبلاغ، والتدرج في تبليغ الرسالة فهو يبلغ العرب، ويبلغ غيرهم، ولهذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك: إلى كسرى، وإلى قيصر يدعوهم إلى الإسلام، لأنه رسول
إليهم، مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، لا منافاة بين هذا وبين ما ذكره السائل، أن الله قد بعث في كل أمة رسولا؛ لأن العرب لم يأتهم بعد إسماعيل رسول منهم إلى أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام لكن لم يبعث منهم رسول إلا محمد صلى الله عليه وسلم وقوله: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ أي: وجب العذاب عليهم بكفرهم وعنادهم هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم استجابتهم لدعوته؛ فلذلك حقت عليهم كلمة العذاب، فهم لا يؤمنون. وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ، وهذه
الآيات كلها، إلى قوله: إِنَّمَا تُنْذِرُ في حق المعاندين، الذين عرفوا الحق وبلغتهم، الرسالة فاستكبروا، وعاندوا، واستمروا على عبادة الأصنام، وعلى دين الأجداد، فجحدوا الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله جل وعلا ختم على قلوبهم، عقوبة لهم وحق عليهم العذاب، فلا مناص لهم من ذلك، وعميت بصائرهم، ومثلهم مثل الذي غُلَّتْ يداه إلى عنقه، وارتفع رأسه، ونظره؛ فصار يمشي بين السدين، إن تقدم تَعَثَّر بالسد الذي أمامه، وإن تأخر تعثر بالسد الذي خلفه، واجتمع عليه عدة أمور، أولاً: أنه مرتفع الرأس؛ بسببب الغل الذي في عنقه، فلا ينظر إلى ما تحته، وثانيا: أن من أمامه سداً ومن خلفه سداً، وأن الله أغشى بصره، فلا يبصر ما حوله، بسببب أنهم أعرضوا عن آيات الله، ولم تصل إلى شغاف قلوبهم وإلى أفئدتهم؛ فصاروا في ظلمات، وفي تردد، وفي زيغ، والعياذ بالله، وهذا يحصل لكل من خالف هذا الرسول، واستكبر عن دعوته، إلى يوم القيامة، نسأل الله السلامة.

Webiste