تم نسخ النصتم نسخ العنوان
لقد زعم بعض الصوفية بأن لأهل القبور كرامات و... - ابن عثيمينالسائل : لقد زعم بعض الصوفية بأن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقول الله تعالى في سورة الكهف :  وأما الجدار فكان لغلامين ...  الآية ، وقالوا أيضا : لولا أ...
العالم
طريقة البحث
لقد زعم بعض الصوفية بأن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقول الله تعالى في سورة الكهف ( وأما الجدار فكان لغلامين..) الآية وقالوا أيضا لولا أن أباهما كانا صالحا ما خرج الكنز، وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته، فضيلة الشيخ أرجوا الشرح والتوضيح لإزالة الغموض ورد دعوة الصوفية الباطلة التي أضلت العباد وملاحظة نحن في السودان نعيش في مجتمع تكثر فيه الشركيات والخرافات والبدع نسأل الله الإنقاذ وبرنامجكم هذا له دور عظيم في الإنقاذ وكثير من الأسر اتجهت إليه ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : لقد زعم بعض الصوفية بأن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقول الله تعالى في سورة الكهف : وأما الجدار فكان لغلامين ... الآية ، وقالوا أيضا : لولا أن أباهما كانا صالحا ما خرج الكنز ، وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته ، فضيلة الشيخ أرجو الشرح والتوضيح لإزالة الغموض ورد دعوة الصوفية الباطلة التي أضلت العباد ، شيخ محمد أيضاً فيه ملحوظة في نهاية رسالته يقول : نحن في السودان نعيش في مجتمع تكثر فيه الشركيات والخرافات والبدع نسأل الله الإنقاذ ، وبرنامجكم هذا له دور عظيم في الإنقاذ وكثير من الأسر اتجهت إليه نرجوا الإفادة جزاكم الله خيراً ؟

الشيخ : هذا السؤال سؤال عظيم وجواب يحتاج إلى بسط بعون الله عز وجل ، فنقول : إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين :
قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً فهذا يرجى له الخير ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون له بالمغفرة والرحمة ، وهو داخل في عموم قوله تعالى : والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغير ، فهو محتاج لنفع إخوانه غير نافع لهم .
والقسم الثاني من أصحاب القبور : من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة ، كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً ، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولوكانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ، ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم ، وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك ، وهم معروفون أنهم ماتوا على الكفر ، فإن هذا من خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء العباد بأصحاب هؤلاء القبور .
وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله عز وجل فإنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ، ولا يجيب المضطر إلا الله ، ولا يكشف السوء إلا الله ، قال الله تعالى : وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون .
ونصيحتي لهم أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أخوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ولقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله .
ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة ، فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله ، وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله ، وقد ذكر الله تعالى في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله ، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية ، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء ، ولكننا نقول على سبيل العموم : كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً لقول الله تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليه ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون .
وليعلم أن الله عز وجل قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور ، قد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ، ويكون ذلك فتنة من الله عز وجل لهذا الرجل ، لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء ، وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع ، نعلم ذلك لقول الله تعالى : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعاءه غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين وقال تعالى : والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي ، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً ، ونقول إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله لا بدعاءه ، وفرق بين حصول الشيء بالشيء وبين حصول الشيء عند الشيء ، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب نفع أو دفع ضرر في الآيات الكثيرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه ، ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً .
والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم سبحانه وتعالى من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه ، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجل ، ابتلاهم فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة ، وفي غير يوم السبت تختفي ، فطال عليهم الأمد فقالوا كيف نحرم أنفسنا من هذه الحيتان ؟ ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا : نجعل شبكة نضعها في يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد ، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله ، فقلبهم الله تعالى قردة خاسئين ، قال الله تعالى : واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم أي نخبرهم بما كانوا يفسقون وقال عز وجل : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين فانظر كيف يسر الله لهم هذه الأسباب في اليوم الذي منعوا أو كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها ، ولكنهم والعياذ بالله لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله .
ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث ابتلاهم الله سبحانه وتعالى وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ، ولكنهم رضي الله عنهم لم يجرؤوا على شيء منه ، فقال الله تعال : يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم كانت الصيود العادية والطائرة في متناول أيديهم يمسكون الصيد باليد ، يمسكون الصيد العادية باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً ، ولكنهم رضي الله عنهم خافوا الله عز وجل فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود ، وهكذا يجب على المرئ إذا هيأ الله له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله عز وجل وأن لا يقدم على هذا الفعل المحرم وأن يعلم أن تيسير الله له أسبابه من باب الابتلاء والإمتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين .

Webiste