تم نسخ النصتم نسخ العنوان
أنا فتاة مؤمنة بالله تعالى أحاول جاهدة أن أل... - ابن عثيمينالسائل : تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحاء تقول : كثيرا ما تراودني أفكار كثيرة عن المصير والحساب...
العالم
طريقة البحث
أنا فتاة مؤمنة بالله تعالى أحاول جاهدة أن ألتزم بتعاليم الإسلام السمحاء كثيرا ما تراودني أفكار كثيرة عن المصير والحساب ويوم القيامة حيث يبعث الله الخلائق فيحاسب الإنسان بما عمل، سؤالي يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد لا غير يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا أو لا يجوز لنا التفكير في ذالك ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحاء تقول : كثيرا ما تراودني أفكار كثيرة عن المصير والحساب ويوم القيامة حيث يبعث الله الخلائق فيحاسب الإنسان بما عمل ، سؤالي يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد لا غير يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا أو لا يجوز لنا التفكير في ذالك ، نرجو بهذ إفادة ؟

الشيخ : هذا السؤال المقدم الآن من هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت ، وفيه أن المرأة أثنت على نفسها خيراً بكونها مؤمنة بالله تعالى وتحاول جاهدة تطبيق الشريعة الإسلامية ، وهذا الثناء على النفس إن أراد به الإنسان التحدث بنعمة الله عز وجل أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه فهذا لا بأس به .
وإن أراد به لإنسان تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه عز وجل فإن هذا فيه شيء من المنة ، وقد قال الله تعالى : يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين .
وأما إذا كان المراد به مجرد الخبر فلا بأس به ، لكن الأولى تركه ، فالأحوال إذن في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرأ على نفسه أربع :
الحال الأولى : أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حباه به من الإيمان والثبات .
الثانية : أن يريد بذلك تنشيط أمثالثه ونظرائه على مثل ما كان عليه ، فهاتان الحالان محمودتان لما يشتملان عليه من هذه النية الطيبة .
الحال الثالثة : أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله عز وجل بما هو عليه من الإيمان والثبات ، وهذا غير محمود لما ذكرناه من الآية .
الحال الرابعة : أن يريد بذلك مجرد الخبر عن نفسه بما هو عليه من الإيمان والثبات وهذا جائز ولكن الأولى تركه .
أما المشكلة التي ذكرت في سؤالها وتريد الجواب عنها ، وهو هل يوم الحساب يوم واحد أو أكثر ؟
فجوابها : أن يوم الحساب يوم واحد ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة كما قال تعالى : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد .
وهذا اليوم الطويل هو يوم عسير على الكافرين كما قال تعالى : وكان يوماً على الكافرين عسيراً وقال تعالى : على الكافرين غير يسير ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير ، وهو كذلك . فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن ويكون عسيراً على الكافر ، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن يسره الله عليهم يوم القيامة .
والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه : هلك المتنطعون هلك المتنطون هلك المتنطعون ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم ، وأخذ الأمور على ظاهر معناها دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا ، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا ، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك ، لكن بينهما فرق عظيم .
وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله سبحانه وتعالى في الجنة من : النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير والعسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك ، مع قوله عز وجل : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون وقوله في الحدث القدسي : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فهذه الأسماء التي لها مسميات بها في هذه الدنيا لا تعني أن المسمى كالمسمى وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى .
فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدينا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة ، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى وأن لا يحاول شيئاً وراء ذلك ، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قول الله تعالى : الرحمان على العرش استوى كيف استوى ؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء ، أي العرق ، وصار يتصبب عرقاً وذلك لعظم السؤال في نفسه ، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه قال رحمه الله : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " .
فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة ، وكفى بهم قدوة .
وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخير يجري بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف الله بها نفسه من : العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك ، فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة إلى الله عز وجل لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان ، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها ، فكما أن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته .
وخلاصة الجواب الآن أن اليوم الآخر يوم واحد وأنه عسير على الكافرين ويسير على المؤمنين ، وأن ما ورد فيه من أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا وإن كان أصل المعنى فيه معلوم لنا في هذه الحياة الدنيا .

Webiste