تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح حديث حدثنا محمد بن سلام ، عن ابن إدريس قال... - الالبانيالشيخ : ولذلك كان من حسن التبويب والترتيب أن المصنف رحمه الله أتبع الحديث السابق بحديث لاحق فيه التنصيص على حسن الخلق وأنه من الأسباب القوية التي تدخل ص...
العالم
طريقة البحث
شرح حديث حدثنا محمد بن سلام ، عن ابن إدريس قال : سمعت أبي يحدث ، عن جدي ، عن أبي هريرة : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أكثر ما يدخل الجنة ؟ قال : « تقوى الله ، وحسن الخلق » ، قال : وما أكثر ما يدخل النار ؟ قال : « الأجوفان : الفم والفرج »
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ولذلك كان من حسن التبويب والترتيب أن المصنف رحمه الله أتبع الحديث السابق بحديث لاحق فيه التنصيص على حسن الخلق وأنه من الأسباب القوية التي تدخل صاحبه الجنة فقال المصنف بإسناده عن أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الجنة قال أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله و حسن الخلق ، هذا الحديث جاء بعد ذلك الحديث لأن هناك رابطة قوية بينهما ، الحديث السابق بيّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بوضوح أن تخلّق الرجل المسلم الغني الموسر بالخلق الحسن الذي منه التجاوز عن زبائنه المقصّرين معه أن الله يتجاوز عنه جاء هذا الحديث ليؤكد ما جاء في الحديث السابق حينما سئل الرسول عليه السلام عن أكثر ما يدخل الجنة قال تقوى الله و حسن الخلق .
في هذا الحديث التصريح لذلك المضمون الذي أشرت إليه في تعليقي على ذاك الحديث السّابق قلنا أنه في الحديث السابق قال رجل فقلنا لا بد من تقدير أن هذا ذلك كان الرجل مسلماً أي كان متقياً لله عز وجل بعيداً عن الإشراك به فصرّح هذا الحديث بما قلناه آنفاً في الحديث السابق حيث قال في الإجابة عن سؤال أكثر ما يدخل الجنة ذكر شيئين .
الشيء الأول وهو الأهم قال عليه السلام تقوى الله ، وتقوى الله تفسّر بمعنيين أحدهما أخص من الآخر ، ومعنى أخص من الآخر بمعنى أقل معنىً والآخر أكثر معنىً ، تقوى الله في المعنى الأقل هو بعد الإيمان به تبارك وتعالى كما جاء في الكتاب والسنة العمل بكل ما أمر والانتهاء عن كل ما نهى عنه نهى وزجر ، هذه هو التقوى بأقل معنى لكن تأتي أحياناً بمعنى واسع جداً بحيث أن التقوى تشمل التحقيق والتطبيق لكل ما جاء في الشرع سواءّ كان من الواجبات أو من المستحبات فهو يأتي هذه الأشياء أو كان من المحرّمات أو من المكروهات فهو يبتعد عن هذا الأشياء ، هذا المعنى العام الأشمل .
المعنى الأول من التقوى فرض على كل مكلف لأن معناها الإتيان بما فرض الله والابتعاد عما حرّم الله كما جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن أنا صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام أأدخل الجنة قال نعم إن أنت صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام دخلت الجنة . أي كل من اقتصر على القيام بما فرض الله والابتعاد عما حرم الله فحلل ما حلله الله وحرم ما حرمه الله فهو في الجنة ، على حد ذلك الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن المحتمل أن يكون هو هذا السائل السابق ، ذاك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عما فرض الله عليه فقال خمس صلوات في كل يوم وليلة قال هل علي غيرهن قال لا إلا أن تطوع
وسأله عن الصيام قال تصوم شهر رمضان قال هل عليّ غيرها قال لا إلا أن تطوع وهكذا يسأله عما فرض الله فيبين له ثم يعيد السؤال هل عليّ غير ذلك إلا أن تطوع يعني تتنفل بما لم يفرض عليك لما انتهى من ذلك قال والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفلح إن صدق، دخل الجنة إن صدق ، أي فهذا الذي تعاهدا للرسول عليه السلام أنه يأتي بهذه الفرائض لا يزيد عليها لا يتنفل ولا يتطوع وفي الوقت نفسه لا ينقص منها فإن نقص منها معناها عصى ربه فقال له عليه السلام أو قال في حقه لمن حوله أفلح الرجل إن صدق دخل الجنة إن صدق .
هذه التقوى هي في أضيق معانيها التي لا تقوى بعدها وهي تدخل صاحبها الجنة ، لكن هناك تقوى أعم من ذلك بحيث تشمل من حيث النواحي الإيجابية أن يأتي بما شرع الله من المستحبات والنوافل وتشمل الابتعاد عما كره الله من الأمور المكروهات ولو أنها لم تكن من المحرمات ، هذه التقوى أوسع وأشمل من ذلك ، فبأي التقويين نفسر جواب الرسول عليه السلام ذاك الرجل السائل عن أكثر شيء يدخل صاحبه الجنة قال تقوى الله وحسن الخلق .
الظاهر أن المقصود بهذه التقوى هو النوع الأول لأنه إن فسرناه بالنوع الثاني الذي يشمل كل خير حتى لو كان مستحباً دخل في ذلك حسن الخلق بطبيعة الحال فلما قال تقوى الله وحسن الخلق أراد تقوى الله بمعناها الأضيق أي الإتيان بما فرض الله والابتعاد عما حرّم الله هذا أكثر ما يدخل الجنة زائد حسن الخلق ، وحسن الخلق هنا المعنى الواسع وليس المقصود بحسن الخلق هنا فقط معاملة الإنسان بما يجب ، يعني إنسان مثلا ترك عندك أمانة فأديت هذه الأمانة لا شك أنه هذا حسن خلق لكنه فرض إذا قصّر به الإنسان حوسب به يوم الحساب وعُذّب على ذلك لأنه خالف قول الله عز وجل إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا لكن المقصود بحسن الخلق هنا ما هو أكثر من حسن الخلق الواجب على الإنسان أن يعامل الناس بلطف وأن يعفو عمّن ظلمه وأن يتجاوز - كما سمعتم في الحديث السابق - عمّن قصّر في وفاء الدّين له إلى غير ما هنالك من خصال الأخلاق الحسنة التي لا يمكن لإنسان أن يأتي بها كلها لأن ذلك مما خصّ الله به بشراً دون البشر جميعاً ألا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام حيث وصفه الله عز وجل في القرآن بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ولكن على الإنسان أن يتطبّع وأن يتخلّق بالأخلاق الحسنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا إذا كان يحس مثلاً في نفسه بأنه طبع على شح وعلى بخل فيتكلف أن يتكرم وأن يساقى وأن يجود كلٌ بحسبه ، وإذا كان مطبوعاً على شيء من الشدة والغلظة فيحاول أن يلين وأن يتواضع مع الناس .
من أجل ذلك جاء في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار والسبب في هذا أن الذي يحسّن خلقه يحسّنه وهو يجاهد نفسه لذلك قال عليه الصلاة والسلام إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم وتأكيدا لهذا المعنى الذي ندندن حوله وهو أن المسلم يجب أن يمرن نفسه وأن يدربها على حسن الخلق قال عليه السلام تأكيداً لهذا المعنى بطريق السؤال والجواب لأصحابه يوماً أتدرون من الصرعة قالوا الذي يصارع الناس فيصرعهم يغالبهم فيغلبهم قال لا ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب . الذي يحاول أن يملك نفسه عند الغضب يتكلف ذلك ولو بمشقة ، هذا الذي معناه الذي يحسّن خلقه وهذا الذي يطبّق أمر النبي عليه السلام لما قال لمعاذ اتق الله حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن ... البطل هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
ومن هنا أخذ ابن الوردي قوله في قصيدته المشهورة :
" ليس من يرفع طرقاً بطلاً *** إنما من يتق الله البطل "
على هذا الأسلوب من تنبيه الناس إلى ضرورة تحسين الخلق وتمرين النفس على الصبر ، قال عليه السلام يوماً للنساء خاصة أتدرون من الرقوب قلن الرقوب فينا هي التي لا تلد ، فأجابهن بأن الرقوب هي التي تلد ويرثها ابنها ، وذلك لأنها إذا ولدت ومات ولدها وصبرت على موته كان لها أجر كبير عند الله عز وجل بعكس المرأة العقيم التي تعيش ولا ولد لها فهي لا تجد الغضاضة ولا تجد الحساسية الخاصة في نفسها كما لو رزقت ولداً وربّته تلك التربية ثم الله عز وجل قبضه إليه ، وهنا تظهر أهمية الصبر والرضا بالقضاء والقدر .
الخلاصة أن هذا الحديث يبين لنا أن أكثر الأسباب التي تدخل صاحبها الجنة هي أولا التقوى الواجبة ثم حسن الخلق بأوسع معناه .

Webiste