بيان النوع الثاني من أنواع الكفر اللفظي .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : نوع آخر من الكفر اللفظي ليس كالنوع الأول من حيث أنه لا يُؤاخذ ، هو يُؤاخذ على تلفُّظه بكلمة الكفر ، لكنه لا يُؤاخذ على سبيل أنه كَفَرَ اعتقادًا ؛ لأنه لم يعتقد ما تضمَّنته كلمة الكفر ، من ذلك - مثلًا - ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قام خطيبًا في الصحابة يومًا ، فقام رجل منهم فقال له كلمة لم يُلقِ لها بالًا : ما شاء الله وشئت يا رسول الله . فقال له - عليه السلام - وهو في حالة شديدة من الغضب : أَجَعلتَني لله ندًّا ؟! قُلْ ما شاء الله وحده . قال - عليه السلام - : أَجَعلتَني لله ندًّا ؟! قُلْ ما شاء الله وحده . وفي رواية أخرى : قُلْ ما شاء الله ثم شئتَ . والقصة الأخرى أو الحديث الآخر أن رجلًا من الصحابة جاء ذات يوم النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وحكى له رؤيةً رآها في الأمس ؛ قال : رأيت أني أمشي في بعض طرق المدينة ، فلقيتُ رجلًا من اليهود ، فقلت له : نِعْمَ القوم أنتم معشر يهود لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : عزيرٌ ابن الله . فأجابه اليهودي - هذا في المنام - : ونِعْمَ القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : ما شاء الله وشاء محمد . قال : ثم تابع طريقه ، فلَقِيَ رجلًا من النصارى فقال له : نِعْمَ القوم أنتم معشر النصارى ؛ لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : ما شاء الله وشاء محمد .
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . آ ، عفوًا . --
قال الصحابي الرائي للرؤيا لذلك النصراني الذي لقيه في الطريق : نِعْمَ القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : عيسى ابن الله . فأجابه ذلك النصراني : ونِعْمَ القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فقال له - عليه السلام - : هل قصَصْتَ رؤياك على أحد ؟ . قال : لا . فجمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابَه ، ثم وقف فيهم خطيبًا ، وقَصَّ عليهم هذه الرؤيا التي سَمِعَها من ذلك الصحابي ، وقال لهم - عليه الصلاة والسلام - : كنت أسمَعُكم وأنتم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد ، فكنت أستحيي منكم ؛ فلا يقولنَّ أحدكم : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن ليقُلْ : ما شاء الله وحده .
-- السائل : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله . --
فهذا الحديث وذاك يُفيدنا أن المسلم المؤمن بالله ورسوله قد يتكلَّم بكلمة الكفر وهو لا يدري ولا يشعر ، وأكبر دليل على هذا الصحابة أنفسهم الذي طهَّرَهم الله - عز وجل - من دنس الشرك إلى نور الإيمان ، ومع ذلك فاستمرَّ بعضهم يقول كلمة الكفر - الكفر شرعًا - وهو : ما شاء الله وشاء محمد ، فما استمرَّ آخرون منهم وفي مقدِّمتهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استمرَّ يحلف بأبيه حتى سمعه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحلف بأبيه يومًا فقال له : لا تحلفوا بآبائكم ؛ مَن كان منكم حالفًا فليحلِفْ بالله أو يصمِتْ .
لا تحلفوا بآبائكم ؛ من كان منكم حالفًا فليحلِفْ بالله أو ليصمِتْ ؛ أي : اسكت ، وتأكيدًا لهذا النهي عن الحلف لغير الله - عز وجل - قال - عليه الصلاة والسلام - : مَن حَلَفَ بغير الله فقد كفر . وفي رواية : فقد أشرك . فيقول عمر - وهذا الذي قاله هو المفروض في كلِّ مسلم - قال : فبعد أن نهاني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الحلف بغير الله ؛ فوالله ما ذكرتُه لا حاكيًا ولا قاصدًا . أي : الحلف بالله ما عاد الحلف بغير الله ما عاد صدر من عمر بن الخطاب لا قاصدًا كما كان من قبل يفعل ، ولا آثرًا ناقلًا له عن غيره ؛ حتى على سبيل الحكاية ما عاد يحلف عمر بن الخطاب بغير الله - عز وجل - ؛ لأنه عَلِمَ نهيَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه واعتباره إياه كفرًا وشركًا .
فهذه الأحاديث تدل على أنَّ نوعًا من الكفر لا يكفر به الإنسان كفرًا يخرج به عن الدين ، فهذا النوع اصطلح العلماء على تسميته بالكفر اللفظي ؛ لأنه لا يقصد ما يبدو من الكفر القلبي من هذا اللفظ ، ذاك الإنسان الأول الذي قال للرسول - عليه الصلاة والسلام - : ما شاء الله وشئت يا رسول الله قال له : أَجَعلتَني لله ندًّا ؟! ؛ هل قصد فعلًا ذلك الصحابي أن يجعل رسول الله ندًّا وهو يعلم قول الله : فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ؟! نحن نقطع دون أيِّ شك أو ريب أن هذا الصحابي ما قصد بقلبه أن يجعل رسول الله شريكًا لله في مشيئته وفي إرادته ؛ لأنه كان قد تفقَّه في الإسلام ، وفي الإسلام آيات ونصوص كثيرة تدل على أن مشيئة العبد بعد مشيئة الرَّبِّ - تبارك وتعالى - كما في قوله - عز وجل - : وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، ولكن مع هذا الاعتقاد الذي لا نشك أنه كان قد استقرَّ في ذلك الصحابي أخطأ بلسانه فقال للرسول - عليه السلام - : ما شاء الله وشئت يا رسول الله ؛ فكان ينبغي أن يقول كما علَّمَه الرسول - عليه السلام - : ما شاء الله ثمَّ شئت ، فثُمَّ في اللغة العربية تعطي معنى أدق من الواو العاطفة ؛ ما شاء الله أوَّلًا ثم ما شئت أنتَ يا رسول الله في المرتبة الثانية والدنيا بعد مشيئة الله - عز وجل - . لم يحسن أن يقول هذا ، وإنما قال : ما شاء الله وشئت ، فاعتبره - عليه السلام - شركًا ، ولكن ما اعتبره شركًا قلبيًّا ، وإلا لَكان أَمَرَ ذلك الصحابي أن يجدِّدَ إيمانه ، فاعتبره فقط شركًا لفظيًّا ؛ لأنُّو فعلًا قال : ما شاء الله وشئت ؛ لأنه لفظٌ في الأسلوب العربي يسوِّي بين مشيئة الرسول ومشيئة الله ، هذا شرك وهذا كفر ، ولكن لمَّا كان لا يقصده بقلبه أُطلِقَ على هذا النوع من الشرك بأنه شرك لفظي .
هذا النوع من الشرك يقع فيه جماهير الناس اليوم ، ولكن - مع الأسف الشديد - بعضهم يقعون في هذا النوع من الشرك في الشرك القلبي - أيضًا - ، وإليكم البيان والتنبيه :
تسمعون كثيرًا من الناس - ولا مؤاخذة - خاصَّة إخواننا الفلسطينيين بتلاقيهم بيلهجوا دائمًا بالحلف بالشرف : بشرفي ، ولا يعتبرون ذلك شيئًا مطلقًا ، فالحلف بغير الله سواء حلفت بشرفك أو بشرف أبيك أو جدِّك أو برأس أبوك أو بأيِّ شيء آخر سوى الله - عز وجل - فهو شرك ، ونحن - أيضًا - الشوام ما لنا خالصين ، إنما أنا أحبَبْتُ أن أنبِّه على حلف معيَّن وهو بالشرف ، نحن - أيضًا - نحلف هذا اليمين .
-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . آ ، عفوًا . --
قال الصحابي الرائي للرؤيا لذلك النصراني الذي لقيه في الطريق : نِعْمَ القوم أنتم معشر النصارى لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : عيسى ابن الله . فأجابه ذلك النصراني : ونِعْمَ القوم أنتم معشر المسلمين لولا أنكم تشركون بالله ، فتقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فقال له - عليه السلام - : هل قصَصْتَ رؤياك على أحد ؟ . قال : لا . فجمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابَه ، ثم وقف فيهم خطيبًا ، وقَصَّ عليهم هذه الرؤيا التي سَمِعَها من ذلك الصحابي ، وقال لهم - عليه الصلاة والسلام - : كنت أسمَعُكم وأنتم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد ، فكنت أستحيي منكم ؛ فلا يقولنَّ أحدكم : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن ليقُلْ : ما شاء الله وحده .
-- السائل : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله . --
فهذا الحديث وذاك يُفيدنا أن المسلم المؤمن بالله ورسوله قد يتكلَّم بكلمة الكفر وهو لا يدري ولا يشعر ، وأكبر دليل على هذا الصحابة أنفسهم الذي طهَّرَهم الله - عز وجل - من دنس الشرك إلى نور الإيمان ، ومع ذلك فاستمرَّ بعضهم يقول كلمة الكفر - الكفر شرعًا - وهو : ما شاء الله وشاء محمد ، فما استمرَّ آخرون منهم وفي مقدِّمتهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استمرَّ يحلف بأبيه حتى سمعه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحلف بأبيه يومًا فقال له : لا تحلفوا بآبائكم ؛ مَن كان منكم حالفًا فليحلِفْ بالله أو يصمِتْ .
لا تحلفوا بآبائكم ؛ من كان منكم حالفًا فليحلِفْ بالله أو ليصمِتْ ؛ أي : اسكت ، وتأكيدًا لهذا النهي عن الحلف لغير الله - عز وجل - قال - عليه الصلاة والسلام - : مَن حَلَفَ بغير الله فقد كفر . وفي رواية : فقد أشرك . فيقول عمر - وهذا الذي قاله هو المفروض في كلِّ مسلم - قال : فبعد أن نهاني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الحلف بغير الله ؛ فوالله ما ذكرتُه لا حاكيًا ولا قاصدًا . أي : الحلف بالله ما عاد الحلف بغير الله ما عاد صدر من عمر بن الخطاب لا قاصدًا كما كان من قبل يفعل ، ولا آثرًا ناقلًا له عن غيره ؛ حتى على سبيل الحكاية ما عاد يحلف عمر بن الخطاب بغير الله - عز وجل - ؛ لأنه عَلِمَ نهيَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه واعتباره إياه كفرًا وشركًا .
فهذه الأحاديث تدل على أنَّ نوعًا من الكفر لا يكفر به الإنسان كفرًا يخرج به عن الدين ، فهذا النوع اصطلح العلماء على تسميته بالكفر اللفظي ؛ لأنه لا يقصد ما يبدو من الكفر القلبي من هذا اللفظ ، ذاك الإنسان الأول الذي قال للرسول - عليه الصلاة والسلام - : ما شاء الله وشئت يا رسول الله قال له : أَجَعلتَني لله ندًّا ؟! ؛ هل قصد فعلًا ذلك الصحابي أن يجعل رسول الله ندًّا وهو يعلم قول الله : فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ؟! نحن نقطع دون أيِّ شك أو ريب أن هذا الصحابي ما قصد بقلبه أن يجعل رسول الله شريكًا لله في مشيئته وفي إرادته ؛ لأنه كان قد تفقَّه في الإسلام ، وفي الإسلام آيات ونصوص كثيرة تدل على أن مشيئة العبد بعد مشيئة الرَّبِّ - تبارك وتعالى - كما في قوله - عز وجل - : وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، ولكن مع هذا الاعتقاد الذي لا نشك أنه كان قد استقرَّ في ذلك الصحابي أخطأ بلسانه فقال للرسول - عليه السلام - : ما شاء الله وشئت يا رسول الله ؛ فكان ينبغي أن يقول كما علَّمَه الرسول - عليه السلام - : ما شاء الله ثمَّ شئت ، فثُمَّ في اللغة العربية تعطي معنى أدق من الواو العاطفة ؛ ما شاء الله أوَّلًا ثم ما شئت أنتَ يا رسول الله في المرتبة الثانية والدنيا بعد مشيئة الله - عز وجل - . لم يحسن أن يقول هذا ، وإنما قال : ما شاء الله وشئت ، فاعتبره - عليه السلام - شركًا ، ولكن ما اعتبره شركًا قلبيًّا ، وإلا لَكان أَمَرَ ذلك الصحابي أن يجدِّدَ إيمانه ، فاعتبره فقط شركًا لفظيًّا ؛ لأنُّو فعلًا قال : ما شاء الله وشئت ؛ لأنه لفظٌ في الأسلوب العربي يسوِّي بين مشيئة الرسول ومشيئة الله ، هذا شرك وهذا كفر ، ولكن لمَّا كان لا يقصده بقلبه أُطلِقَ على هذا النوع من الشرك بأنه شرك لفظي .
هذا النوع من الشرك يقع فيه جماهير الناس اليوم ، ولكن - مع الأسف الشديد - بعضهم يقعون في هذا النوع من الشرك في الشرك القلبي - أيضًا - ، وإليكم البيان والتنبيه :
تسمعون كثيرًا من الناس - ولا مؤاخذة - خاصَّة إخواننا الفلسطينيين بتلاقيهم بيلهجوا دائمًا بالحلف بالشرف : بشرفي ، ولا يعتبرون ذلك شيئًا مطلقًا ، فالحلف بغير الله سواء حلفت بشرفك أو بشرف أبيك أو جدِّك أو برأس أبوك أو بأيِّ شيء آخر سوى الله - عز وجل - فهو شرك ، ونحن - أيضًا - الشوام ما لنا خالصين ، إنما أنا أحبَبْتُ أن أنبِّه على حلف معيَّن وهو بالشرف ، نحن - أيضًا - نحلف هذا اليمين .
الفتاوى المشابهة
- هل قول : " كفر دون كفر " ينطبق على الشرك - أيض... - الالباني
- بيان الكفر اللفظي مع ذكر بعض ضوابط التكفير . - الالباني
- متى يكفر تارك الصلاة يا جماعة ؟ أبصلاة واحدة أ... - الالباني
- ما رأيكم فيمَن يقول : إن مَن قال : " كفر دون ك... - الالباني
- بيان أن الكفر كفران . - الالباني
- أنواع الكفر - الفوزان
- بيان نوعي الكفر ، الكفر الاعتقادي والكفر العملي - الالباني
- ما رأيكم فيمن يقول: إن من قال كفر دون كفر أو ش... - الالباني
- بيان أنواع الشرك - ابن باز
- بيان أن الكفر اللفظي قد يصل إلى الكفر الاعتقادي . - الالباني
- بيان النوع الثاني من أنواع الكفر اللفظي . - الالباني