تم نسخ النصتم نسخ العنوان
هل يتابع الإمام فيما خالف فيه السنة في الصلاة ؟ - الالبانيالشيخ : هل يتابع إمامه إذا سجد على الركبتين أم يخالف إمامه ويطبِّق هذا الشيء الواجب ؟ ونرجو تبيين كيفية متابعة الإمام ؟هذه مسألة طالما تكلَّمنا فيها ، و...
العالم
طريقة البحث
هل يتابع الإمام فيما خالف فيه السنة في الصلاة ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : هل يتابع إمامه إذا سجد على الركبتين أم يخالف إمامه ويطبِّق هذا الشيء الواجب ؟ ونرجو تبيين كيفية متابعة الإمام ؟
هذه مسألة طالما تكلَّمنا فيها ، وهي تتعلَّق بأصل وبفروع تفرَّعت من ذاك الأصل ، الأصل هو قوله - عليه الصلاة والسلام - : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتمَّ به ، فإذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلَّى قائمًا فصلوا قيامًا ، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين أو أجمعون ، وهذا الحديث في " الصحيحين " من رواية جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة ، ومنهم عائشة ، ومنهم أنس بن مالك ، وبعضهم يزيد على بعض .
والشاهد أن في هذا الحديث أمرُ الرسول - عليه الصلاة والسلام - المصلين بالائتمام بالإمام ، وجاء في آخر هذا الحديث كما سمعتم : وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون . هذا الحديث يضع لنا هذا الأصل وهو وجوب الائتمام بالإمام ؛ حتى لو صلى جالسًا - أي : وهو عاجز عن القيام - فعلينا أن نُتابِعَه في الصلاة جالسين ؛ أي : نُسقط الركن الذي هو القيام في سبيل تحقيق الائتمام والقدوة التامة بهذا الإمام ، هذا هو الأصل في موضوع السؤال الوارد آنفًا .
أما المسائل التي تؤكد هذا النَّصَّ العام : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به ؛ فمثلًا في السنن من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى ذات يوم ، فلما أراد الجلوس للتشهُّد نَسِيَ وقام إلى الركعة الثالثة ، فسبَّح به أصحابه فلم يعُدْ للتشهد وتابع الصلاة ، ثم سجد سجدتي السهو . وقعت هذه الحادثة نفسها لراوي الحديث وهو المغيرة بن شعبة ؛ حيث نَسِيَ هو - أيضًا - بدوره التشهد الأول وذلك في صلاة المغرب ، فسبَّح به من وراءه ، فما التفَتَ إليهم ، وفي آخر الصلاة سجد سجدتين وقال : صليت وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فنَسِيَ التشهد ، فسبَّحوا له ، ففعل كما فعلنا ، قال : وقال - عليه الصلاة والسلام - : إذا نَسِيَ أحدكم التشهد الأول فقام ، فإن استتمَّ قائمًا فلا يعُدْ ، وعليه سجدتا السهو ، وإن لم يستتمَّ قائمًا فليرجع ولا شيء عليه . هذا معنى حديث المغيرة بن شعبة ، فنجد ههنا هذا الحديث يُوجب على المقتدين الذين تنبَّهوا لخطأ الإمام أن يتابعوه في خطئه وقد ترك واجبًا من واجبات الصلاة ؛ ألا وهي التشهد جلوسًا وقراءةً .
بل هناك في " صحيح البخاري " أن النبي - صلى الله عليه وآله سلم - صلى بأصحابه يومًا صلاة الظهر خمس ركعات دون أن يتشهَّد في الركعة الرابعة ، وإنما تشهَّد في الركعة الخامسة ، ولما سلَّم - عليه الصلاة والسلام - قيل له : يا رسول الله ، أزِيدَ في الصلاة ؟ قال : لا . قالوا له : فقد صليت خمسًا ، فسجد الرسول - عليه السلام - سجدتي السهو ، ثم قال : إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ؛ فإذا نسيتُ فذكِّروني . فنجد في هذه الحادثة أن الصحابة تابعوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ حتى لما قام للركعة الخامسة من صلاة الظهر .
ويقال بهذه المناسبة أن متابعة الصحابة للرسول - عليه السلام - إنما كان لظنِّهم أنه من المُحتمل أن يكون قد نزل حكمٌ جديد على الرسول - عليه السلام - ، وهو لذلك هو صلى خمسًا ، وبناءً على هذا الظَّنِّ كما قيل قالوا له : أزيدَ في الصلاة ؟ فأجابهم بالنفي وسجد سجدتين ، واعتذر بأنه كان ناسيًا ، هكذا يقول البعض بأن متابعة الصحابة للرسول - عليه الصلاة والسلام - إنما كان لأنه قامَ في أذهانهم أنه من المحتمل أن يكون جاء حكمٌ جديد ؛ يعنون أنهم لو كانوا على علمٍ يقينيٍّ أنه لا احتمال للزيادة على أربعة الظهر لم يتابعوه ، فنحن نردُّ على هؤلاء من وجهين :
الوجه الأول : أنُّو هذه مجرَّد دعوى ليس هناك دليل على ما ذهبوا إليه . والشيء الثاني - وهو أقوى - : أن الصحابة وكثير من التابعين قد وقعت لهم حادثة أغرب بكثير من هذه الحادثة ، ومع ذلك فما رأوا بأنفسهم جائزًا أن يُخالفوا الإمام ؛ فقد جاء - أيضًا - في " صحيح البخاري " أن أحد الولاة الحكام في زمن بني أمية صلى بالناس صلاة الفجر أربعًا ، وهو كأنه لا يزال متأثِّرًا بشراب كان قد شَرِبَه ، وبعد أن سلَّمَ بهم التفَتَ إليهم قائلًا : " أزيدكم ؟ " . إذا ما يكفِّيكم أربعة بدل ركعتين فأنا مستعد للزيادة ؛ أزيدكم ؟ فلا نجد في هذه الحادثة مهما فيها من شذوذ وغرابة وزيادة لا نجد أحدًا من الصحابة والتابعين قال : هذه الصلاة باطلة ، والسبب هو مراعاتهم لمبدأ : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به .
يؤكد لكم هذا ما روى الإمام أبو داود في " سننه " بإسناده الصحيح أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - كان إذا صلَّى خلف عثمان - رضي الله عنه - في منى يتابعه ، وكان يصلي عثمان أربعًا وهو مسافر كسائر الصحابة ؛ لأن ذلك كان في موسم الحج وهو في منى أيام منى أيام التشريق ، فكان يصلي بالناس تمامًا لا يقصر ، فكان ابن مسعود ينكر عليه ذلك ، ويُذكِّره بما كان عليه الرسول - عليه السلام - في حجة الوداع وفي كلِّ أسفاره من أنه لا يزال يقصر حتى يرجع للمدينة .
كان أصحاب ابن مسعود يسمعون منه هذا الإنكار على عثمان ، ثم يرونه من جهة أخرى يصلي خلفه أربعًا ، فيقولون له : كيف هذا ؟ تنكر عليه الإتمام ثم تتابعه ؟ كان جوابه : " الخلاف شرٌّ " ، كأنَّ ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول : إننا بين شرَّين ؛ الشر الأول مخالفة السنة في القصر ، فالرسول - عليه السلام - كان يقصر دائمًا وأبدًا ، فمخالفة هذه السنة بلا شك شرٌّ ، لكن هناك شرٌّ آخر ؛ مخالفة الإمام الذي نقتدي به ، هذا شرٌّ ، وكأنه يقول فيما أفهم فالرسول يقول : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به ، وفي حديث آخر يزيد فيقول : فلا تختلفوا عليه ، لا تخالفوه ، افعلوا كما يفعل ، فابن مسعود يقول : فنحن بين شرَّين ، فأنا أختار أخفَّ الشَّرَّين ، وأخفُّهما أن لا أخالف الإمام ، فإذا صليت أنا بالناس إمامًا قَصرْتُ ، أما إذا صليت بإمام لا يقصر وإنما يتمُّ فمخالفته شرٌّ ، فهذا يدلنا على أن ابن مسعود وقد رُوِيَ مثله - أيضًا - عن بعض الصحابة الآخرين كأبي الدرداء وأبي ذر - الشك مني الآن - ؛ أيضًا كان يصلي وراء عثمان تمامًا ، ويجيب بنفس الجواب : " الخلاف شرٌّ " .
فمن هذه المجموعة من النصوص أنا اطمأنَنْتُ إلى أن المقتدي إذا اقتدى بإمام ورَضِيَه قدوةً له فينبغي أن تضمحلَّ شخصيَّته وراء شخصيَّة هذا الإمام ، وأن تنقلبَ صلاتُه إلى صلاة الإمام ؛ أصاب أو أخطأ ؛ لأن الإصابة والخطأ في مثل هذه القضايا هي أمور اجتهادية ، وكلُّ إنسان يدَّعي طبعًا أن السنة معه ؛ ولذلك فالسنة من مثل الأدلة السابقة توحِّد المسلمين في صلاتهم وتجمَعُهم وراء هذا الإمام الواحد ، وتجعل صلاتهم واحدةً لا خلافَ بينهم فيها ؛ ذلك لأن الاختلاف في البلدة الواحدة أشدُّ تأثير من الاختلاف الواسع العام ، إذا كان الله - عز وجل - يحذِّر تحذيرًا عامًّا عن الاختلاف فيقول : وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ، فالاختلاف في ذات العبادة نفسها أشدُّ خطرًا على المختلفين .
لا يقولنَّ قائل - كما سمعنا مرارًا وتكرارًا - : كيف نحن نترك السنة ، - مثلًا - نترك وضع اليدين على الصدر ، ومثل ما جاء في السؤال : هو بيبرك على ركبه نحن نتابعه ؛ لا يقولنَّ قائل هذا ؛ لأننا لا نقول : اتَّبعوا الإمام على ما نعتقده من أنه أخطأ أو مخالف للسنة من أجل خاطر الإمام ، وإنما نقول هذا من أجل خاطر السنة نفسها إذا صحَّ التعبير ، بل من أجل أمر الرسول - عليه السلام - الصَّريح في قوله السابق : إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتمَّ به ، إلى آخره يقول : فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسًا أجمعون .
الإمام حينما يصلي جالسًا يصلي معذورًا ، الإمام الذي لا يرفع يديه في الصلاة لا يرفع معذورًا ، الإمام الذي يبرك على ركبه يبرك معذورًا ؛ لأنه يظنُّ أن هكذا السنة ، وليتصوَّر أحدُنا نفسَه يصلي وراء إمام من الأئمة السابقين من مثل الصحابة وأمثالهم ، فهم لم يكونوا كلهم متَّفقين على كل مسألة وكل جزئية ، فهناك - مثلًا - بعض الصحابة لا يتوضَّأ من مسِّ المرأة ، وآخرون يتوضَّؤون من مسِّ المرأة ، وهناك صحابة لا يتوضَّؤون من خروج الدم مهما كان كثيرًا ، وناس آخرون منهم يتوضَّؤون ؛ فهل كان أحدهم يأبى عن الصلاة خلفَه مخالف له في المذهب ؟ الجواب : لا ، إذا ما قام الإمام ليصلي بالناس جميعًا انمحت الآراء الشخصية وراء هذا الإمام ، فهو - مثلًا - لَمَسَ امرأته ولم يتوضَّأ ؛ أنا أرى أنُّو هذا اللمس ينقض الوضوء ، مذهبي يطيح حينما أصلي وراء هذا الإمام ، والعكس بالعكس ؛ الإمام يرفع يديه ، ابن مسعود كان لا يرفع يديه ، ابن مسعود معروف أنه عمدة الحنفية في عدم رفع اليدين ؛ فهل كان ابن عمر - مثلًا - إذا اقتدى بابن مسعود لا يرفع يديه ؟ يعني لا يصلي وراءه ؟ يقول : هذا مخالف للسنة ، أو ابن مسعود إذا صلى وراء ابن عمر يقول : هذا مخالف للسنة ؟ لم تكن هذه الأمور تفرِّق بينهم إطلاقًا .
فأنا أقول : إذا كانت صحة الصلاة وبطلانها يذهب الاختلاف بمجرَّد الاقتداء ، قال مَن يرى صلاته باطلة لو فعل مثل فعل الإمام تصبح صلاته صحيحة إذا صلى وراء ذاك الإمام ؛ لأنُّو صلاة الإمام صحيحة ، فأنت إذا صليت وراء إمام لا يرفع يديه وتركت رفع اليدين ؛ تُرى هذا أخطر أما إذا صليت وراء إمام صلاته باطلة بالنسبة لمذهبك ؟ أنا - مثلًا - أرى أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء ، فإذا رأيت رجلًا أكل من لحم الجزور حتى انفزر ، وقام يصلي وما توضأ ، بأقول : أنا صلاتي ما بتصح وارءه ؟ لا ؛ لأنُّو القدوة تمحو هذه الخلافات كلها .
لذلك أعود فأقول : ما يتساءل أحدكم فيقول : كيف نترك السنة من أجل القدوة ؟ فالجواب : نحن تركنا أكثر من السنة ، تركنا الفرض ، تركنا الطهارة حينما نصلي وراء إمام صلاته غير صحيحة بالنسبة لوجهة نظرنا نحن .

Webiste