تم نسخ النصتم نسخ العنوان
ما حكم الدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة... - الالبانيالسائل : وما حكم الدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة والجامعات الأخرى إسلاميَّةً كانت أم علميَّةً مع وجود المنكرات والمخالفات التي تعرفها وتسمع عنها...
العالم
طريقة البحث
ما حكم الدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة والجامعات الأخرى إسلامية كانت أم علميَّة مع وجود المنكرات والمخالفات التي تعرفها وتسمع عنها ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : وما حكم الدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة والجامعات الأخرى إسلاميَّةً كانت أم علميَّةً مع وجود المنكرات والمخالفات التي تعرفها وتسمع عنها ؟

الشيخ : خيرُ جوابٍ يحضرني في هذا هو الحديث الذي أخرَجَه البخاري في " صحيحه " من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : مثل القائم على حدود الله والقائم فيها كمثل قوم ركبوا سفينة ، فكانت طائفة بأعلاها ، وطائفة في أدناها ؛ فكان هؤلاء إذا أرادوا أن يستقوا مرُّوا بالطائفة التي في أعلاها ، فقالوا ذات يوم : لو أنَّنا خَرَقْنا من أسفل السفينة خرقًا وأرَحْنا الجماعة التي هم في أعلى السفينة من صعودنا ونزولنا . قال - عليه الصلاة والسلام - : فإن هم أخذوا بأيديهم نجوا وأنجوا ، وإن هم تركوهم وشأنهم هلكوا وأهلكوا .
هذا مثال المجتمع الذي مُثِّل له بالسفينة ، ومثال المنكر الذي يقع في هذا المجتمع الذي مُثِّل له بالحفر في قعر السفينة ؛ فإنه لا يخفى أنه إذا تُرِكَ هؤلاء الذين أرادوا إراحة الآخرين بطريق غير سليم بأن يحفروا من قعر السفينة لا شك أن الماء سيدخل في السفينة وسيعمهم الغرق جميعًا ؛ لذلك فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أتخيَّل كأنه يعالج مشكلتنا الحاضرة ، فنحن في مجتمع فيه مفاسد ، فأنا قلت آنفًا أنَّ مَن كان في مجتمع يُحكَم فيه بغير ما أنزل الله أصالةً فعليه أن ينتقل إلى مجتمع يُحكَّم فيه الإسلام ولو بشيء من التقصير ، فالشَّرُّ ليس كله في مرتبة واحدة ، فإذا كان هذا المجتمع الإسلامي فيه شرور فيه آثام فيه منكرات فليس الخلاص من ذلك بخرق هذا المجتمع ، وإهلاكه في إيجاد بلبلة أو قلقلة أو مفسدة أو فتنة ، وإنما ذلك كما أشار الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم هذا الحديث ألحَّ ودندنَ حول المرتبة الأولى من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو التغيير باليد ؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : فإن هم أخذوا بأيديهم نجوا وأنجوا إلى آخر الحديث ، فأخذوا بأيديهم ، هذا أوَّل مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو في الحديث المشهور : مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطِعْ فبلسانه ، فإن لم يستطِعْ فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .
ففي هذا الحديث التَّصريح بأنَّ مراتب الإنكار والأمر ثلاثة ، فلا يجوز للمسلم المخلص لدينه أن يتمسَّكَ بالمرتبة الأولى ويغضَّ الطرف عن المرتبة الثانية والثالثة ؛ لأنَّ هذا معناه - لا سمح الله - إيمانٌ ببعض الكتاب وكفر ببعض ، وحينئذٍ يجد هذا الذي يتحرَّج من المشاركة - مثلًا - في طلب العلم في الجامعات الإسلامية ، أو إذا كان أستاذًا له اختصاص في بعض العلوم يتحرَّج من التدريس فيها ، فهذا يجد له متنفَّسًا في بقية هذا الحديث ، عليه أوَّلًا أن يُنكر المنكر بيده ؛ هذا هي أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لكن إن لم يتيسَّر وهذا مع الأسف كلما اشتدَّ الفساد كلما اضمحلَّ القيام بهذه المرتبة ، ولكن ليس معنى ذلك أنه يأتي بعدَه الكفر ... هناك إنكار في المرتبة الثانية : فبلسانه ، فإن لم يستطِعْ فبقلبه .
هنا نقول : هل يوجد مسلم لا يزال الإيمانُ حيًّا في قلبه ، هل يوجد مسلم لا يزال الإيمان حيًّا في قلبه ، وأنا أقول وأعني ما أقول ؛ لا يزال الإيمان حيًّا في قلبه لا ينكر المنكر بقلبه ؟! هذا لا أتصوَّره لا أتصوَّر مسلمًا لا يزال الإيمان عامرًا بقلبه أنه لا ينكر المنكر ولو بقلبه ، وهو أدنى درجات الإيمان كما قلنا ، فأنا أقول : إذا مات الشعور بالمنكر - وهذا مع الأسف الشديد موجود في بعض الناس الذين فتُنوا بالدنيا وشهواتها ، وتكالبوا على لذَّاتها - ؛ فهؤلاء لا يكادون ينكرون منكرًا ولو بقلوبهم .
وأنا أضرب لهذا مثلًا كيف تنطمس القلوب ولا يبقى فيها ذرَّة من إيمان ؛ لأنهم جهلوا ما شرع الله واعتادوا الحياة المُنكرة ؛ لا شك أنَّ المنكر عمليًّا درجات ، فنحن نجد في سوريا بعض المظاهر التي تسترعي انتباه أمثالنا ، نجد - مثلًا - فتاة تمشي في الطريق وهي في آخر درجة من الخلاعة تمرُّ بها امرأة أخرى دونها في الخلاعة ، هي خليعة هي متبرِّجة ، ولكنها دونَها في الخلاعة ، لكن الفرق بين الأولى والأخرى أن الأولى أخذت بمظاهر الخلاعة الحديثة ، أما الأخرى فأخذت بمظاهر الخلاعة القديمة ؛ يعني صارت الموضة موضة قديمة ، مثلًا كانوا قديمًا يلبسون الملاءة أو الجلباب القصير إلى نصف الساق ، الآن طاح هذا كله وصار إلى الركبتين ، وربما إلى ما فوق الركبتين ، فإذا مرَّت مثل هذه بتلك التي لا تزال تحتفظ بالحجاب القديم وهو ليس شرعيًّا ، فتمرُّ الأولى بهذه ، فإذا جاوزتها التفتَتْ هذه وهي تظنُّ أنها متمسِّكة بالشرعية ، التفتَت لتنظر مستنكرة ، فهذا يوحي إلينا بماذا ؟ أنها مات الشعور منها بالمنكر الذي هي فيه ؛ هذا أمر خطير جدًّا ، وشُغِلت فقط بالمنكر الأكبر ؛ هذا الإحساس فقط هو الذي لا يزال حيًّا فيها ، أما الشعور بأنها كشفت عن ساقيها وكشف عن شيء شعرها وربما عنقها هذا لم ... شيئًا مذكورًا في قلبها ؛ لذلك إذا كان المسلم الحريص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب ألَّا يقف شرعًا عند المرتبة الأولى ، فإذا نظر ولم يتمكَّن من الإنكار من المرتبة الأولى فله فسحة ؛ قد جعل الله له فسحة أن ينكر بلسانه ، وإن فرضنا أنه كُمَّ فمه - أيضًا - ولم يستطع أن ينكر المنكر بلسانه ، فالله لا يؤاخذه ؛ لأن الأحكام الشرعية كلها مَنوطة بالاستطاعة ، ومنها هذه المنازل والمراتب ؛ فقد صرَّح فإن لم يستطع فإن لم يستطع ، من رأى منكرًا فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ؛ وذاك أضعف الإيمان .
إذًا لا أتصوَّر مسلمًا غيُّورًا يدخل الجامعة تعلُّمًا أو تعليمًا ، والفرصة مُتاحة له لِيُعلِّم ما يعتقد أنه الحق من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألَّا يتعاطى هذا التدريس ؛ لأنه يرى المنكرات ، قد جعل الله - عز وجل - لهذه المنكرات بالنسبة للأفراد علاجًا ؛ تغيِّر المنكر إن استطعت بيدك ، وإلا فبلسانك ، وإلا فبقلبك ؛ وذلك أضعف الإيمان .
ولا ينجيه الفرار من الواقع ؛ يعني إذا لم يرضَ بنفسه أن يدخل الجامعة - مثلًا - ليتعلَّم أو يعلِّم لأنه لا يستطيع أن ينكر بيده ، بل ولا يستطيع أن ينكر بلسانه ؛ فلا فرقَ بين كونه في الجامعة من هذه الحيثية ، وبين كونِه خارج الجامعة ، فنحن مُحاطون بالمنكرات أينما ذهبنا وأينما حَلَلْنا ؛ فما هو المخرج ؟ المخرج هو الحديث نفسه بمراتبه الثلاثة ؛ لذلك فالتعلُّل بانتشار المنكرات في المدارس وفي الجامعات لِمُفاصلتها ومُبايَنَتِها هذا لا نرى له وجهًا من الشرع ما دام أن مراتب الإنكار واضحة وهي ثلاثة كما ذكرنا ، نعم قد يكون بعض الناس يشعر بضعفٍ في نفسه ، فيخشى على نفسه الفتنة ، أنا أقول حين ذاك : حسبُ هذا الإنسان الذي يخاف على نفسه الفتنة لا يخاف أنه لا يستطيع أن ينكر فقط ، وإنما يخاف هو أن ينحرف مع المنحرفين ، وأن يضلَّ مع الضالين ؛ حينئذٍ نقول لك - أيضًا - : اتَّق الله ما استطعت ، تخاف على نفسك فابتعد عن مواطن الخوف ، ولكن لا تجعل ذلك شريعةً ، ولا تجعل ذلك نظامًا تفرضه فرضًا وتُوجبه إيجابًا على كل المسلمين ؛ لأن الناس ليسوا متساوين في ذلك ، فنحن نعلم - مثلًا - أن مِن نصائح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي ذرٍّ أن قال له : يا أبا ذرٍّ ، إني أراك ضعيفًا فلا تتولَّ على اثنين ؛ لا تكن أميرًا ورئيسًا على اثنين ؛ ليه ؟ عنده ضعف شخصية ، والذي يريد أو الذي ينبغي أن يكون أميرًا ينبغي أن يكون حازمًا قويَّ الإرادة ، فلكلِّ حالةٍ لَبُوسها .
فإذا كان أحدنا يخاف على نفسه أن يدخل مجتمعًا خاصًّا فيه منكرات لا لأنه لا يستطيع أن ينكر بالمرتبة الأولى ولا المرتبة الثانية ؛ هذا لا عذر له بعد أن أفسح الشارع له بإنكار المنكر ولو بقلبه ، ولكن إذا كان خَشِيَ على نفسه الانحراف والضلال مع الضالين الذين يظنهم فحينئذٍ نقول له : هذا وشأنك ، أما أن تجعل هذا مذهبًا ودعوةً تفرض ذلك على الناس فهذا فيه خراب الدنيا والدين في آنٍ واحد ؛ لأن هذه الجامعات مهما كان فيها من الانحراف ومهما كان فيها من منكرات فنظامها لا يزال إسلاميًّا ، وأقلُّ ما يُقال فيها : إن الخير فيها غالب على الشَّرِّ ، وهكذا الدنيا ، الدنيا كلها الخير فيها والشَّر ، فالمجتمع الصالح هو الذي يغلب الخير فيها الشَّرَّ ، والعكس بالعكس ، أما أن يتطلَّب الإنسان خاصَّةً في آخر الزمان مجتمعًا خاليًا من المنكرات فهذا لا سبيل إليه ؛ من أجل ذلك قال - عليه الصلاة والسلام - - أي : بيانًا لِمَا قلتُه من التفصيل بين أن يخشى على نفسه فهذا له شأنه ، وبين أن يفرض ذلك على غيره فليس له ذلك - قال - عليه الصلاة والسلام - : المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ مِن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم .
فهذه المخالطة تتطلَّب جهادًا ولا شك ، ومن الجهاد أن يصونَ نفسه عن الانحراف ، ومن الجهاد أن يأمر بالمعروف على التفصيل السابق ؛ فمَن لا يستطيع أن يحافظ على نفسه بل يخشى عليها فله أن يلزم المسجد ولا يخرج منه إلا لبيته ؛ لأن الناس لا يُفترض عليهم جميعًا أن يكونوا دعاةً وأن يكونوا منطلقين ؛ هذا واجب أو فرض كفاية ، فليس هو فرض عين يجب على كلِّ فرد من أفراد المسلمين ؛ إذًا الذي يخشى على نفسه فهو شأنه ، لكن لا يفرض ذلك على غيره ، فالواقع يُكذِّب هذا الفرض ككثير من الناس ، وأنا منهم ، عشت الجامعة وما تأثَّرت بها ، بل أثَّرت فيها ، وكذلك غيري لا يزال كذلك ؛ فلماذا نفرض على الناس أمورًا أفراد منَّا يحسُّون بها ثم يتخيَّلون أن كلَّ الناس هم كذلك ، هذا أعتقد أنه انحراف خطير جدًّا له ما بعده .
نسأل الله - عز وجل - أن يحفَظَنا منه ومن أمثاله .
غيره ؟

Webiste