تفسير قوله تعالى : (( ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا )).
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا فقال الله : قد فعلت يعني لا يؤاخذكم إن نسيتم أو أخطاتم ؟ فما هو النسيان وماهو الخطأ ؟
أما النسيان فهو : ذهول القلب عن شيء معلوم. هذا النسيان ذهول القلب عن شيء معلوم بمعنى أن الإنسان يعلم الشيء ثم يذهل وينسى وأما الخطأ فهو : الجهل، أن يرتكب الإنسان ما يلام عليه من غير قصد هذا الخطأ. أن يرتكب الإنسان ما يلام عليه من غير قصد. فإذا فعل الإنسان الشيء ناسيا أو مخطئا فإن الله تعالى لا يؤاخذه بذلك لقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . وهذا حال في كل العبادات وفي كل المعاملات وفي كل التصرفات كل ما صدر عن جهل أو نسيان فإن الله لا يؤاخذ به.
وقد جاء في ذلك أمثلة من السنة ولنأخذ منها أمثلة في الصلاة وأمثلة في الصدقة وأمثلة في الصيام وأمثلة في الحج.
الأمثلة في الصلاة : ثبت في الصحيح أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء إلى الصلاة فدخل مع الناس يصلي فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله لأن من السنة إذا عطست أن تقول الحمد لله ومن سمعك كان حقا عليه أن يقول يرحمك الله. فلما قال الرجل وهو يصلي الحمد لله قال له معاوية يرحمك الله. يرحمك الله. بناء على ايش ؟ بناء على أن من سمع عاطسا يحمد الله أن يقول له يرحمك الله فرماه الناس بأبصارهم أي أن المصلين نظروا إليه نظرة استنكار ايش ؟ لأنه تكلم في الصلاة فقال معاوية : واثُكْلَ أُمياهْ واثُكْلَ أُمياهْ يعني يدعو على نفسه بأن تفقده أمه وهذه كلمة يقولها العرب من غير قصد لمعناها فزاد الطين ايش ؟ بِلة لأنه تكلم مرتين لكن المرة الأولى دعا لأخيه والمرة الثانية دعا على نفسه. لكن قال واثُكْلَ أُمياهْ فجعل أصحابه يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت. فلما فرغ من صلاته دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال معاوية : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه. والله ما كهرني ولا نهرني وإنما قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن . أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وهل أمره بالإعادة ؟ أجيبوا لا، لماذا ؟ لأنه كان جاهلا لو علم ما تكلم.
إذن نأخذ من هذا أن الرجل إذا تكلم في صلاته جاهلا فلا إعادة عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمره بالاعادة. طيب ولو تكلم ناسيا ؟
الطالب : ... .
الشيخ : أيضا لا شيء عليه فلو وقف زميله عليه وهو يصلي وقال يا فلان أين وضعت المفتاح قال في الرف الذي على يمينك إذا دخلت وهو يصلي لكن هو ناس هل تبطل صلاته ؟ لا. أستأذن عليه وهو يصلي فقال للسائل تفضل ناسيا ؟ لا شيء عليه لقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
فإن قال قائل : ما الفرق بين حديث معاوية بن الحكم والحديث الذي يلقبه أهل العلم بحديث المسيء في الصلاة. وهو ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا دخل المسجد فصلى لكنه صلى صلاة لا يطمئن فيه يركع بسرعة ويسجد بسرعة ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل . ماذا قال له يا أخ ؟ ماذا قال له ؟
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت استرح جزاك لله خيرا فرجع الرجل فصلى كصلاته الأولى ثم عاد فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل فصلى كالأولى ثم جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ثم رجع فصلى وفي الثالثة قال والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني فعلمه.
وقال له : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم اركع حتى تعتدل قائما ثم اسجد.حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فأمره أن يعيد الصلاة مع أنه كان ايش ؟ جاهلا ولم يأمر معاوية أن يعيد الصلاة لأنه كان جاهلا.
والسؤال ما الفرق بين هذا وهذه ؟
قال العلماء : الفرق أن قصة معاوية رضي الله عنه في فعل محظور. وقصة الرجل الذي لم يتم صلاته في ترك مأمور وترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل ما دام الطلب باقيا. انتبه، ما دام الطلب باقيا. فيعذر فيه بالجهل فيما سقط الطلب فيه أما فعل المحظور فإنه يسقط بالجهل لكل حال، هذا هو الفرق وهو الأصل عند جمهور العلماء أن يفرق بين ايش ؟ بين الفعل المأمور وترك المحظور.
المأمور لا يسقط بالجهل ما دام الطلب باقيا بأن علم الانسان بخطره في وقت الطلب أما ما فات فيسقط بالجهل والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر هذا الرجل بإعادة ايش ؟ بإعادة صلاته الماضية لأن الطلب انتهى.
وأما إعادة الصلاة الحاضرة لأن الطلب لم يزل باقيا. هذا المثال في الصلاة.
الطالب : ... .
الشيخ : الطلب الطلب.
مثال الصدقة : خرج رجل بصدقته. حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل تصدق ووضع صدقته في أيدي أهلها خرج يوما فتصدق فوقعت الصدقة في يد غني والغني ليس من أهل الصدقة فلما أصبح جعل الناس يتحدثون تُصُدِّق الليلة على غني فقال الرجل الحمد لله حمد الله على كل حال قال الحمد لله على كل حال وكأنه ندم على ذلك ثم تصدق في الليلة الثانية فوقعت الصدقة في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال الحمد لله على سارق وكأنه ندم على ذلك، ثم تصدق الليلة الثالثة فوقعت الصدقة في يد زانية امرأة تزني فجعل الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال الحمد لله على غني وعلى سارق وعلى زانية .
ظن أن الصدقة لن تقبل فقيل له أما صدقتك فقد قبلت فإن الغني ربما يتخذ منها أسوة فيتصدق، وأما السارق فربما يتخذ منها كفاية فلا يسرق، وأما الزانية فربما تسد حاجتها فلا تزني.
حسن النية جعل السيئة حسنة لأن الرجل أراد بصدقته وجه الله. ومن ثم أخذ العلماء فائدة عظيمة من هذا الحديث وهو أن الرجل إذا أدى زكاته إلى شخص يظنه أهلا للزكاة ثم تبين له أنه ليس بأهل فإن الزكاة تجزئ يعني لو أنك تصدقت على إنسان دفعت إليه زكاتك تظنه أهلا لذلك ثم تبين أنه غني فإن زكاتك مقبولة بناء على ما حصل ... .
هذا مثال لايش ؟ الصدقة.
مثال في الصوم : قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس . وهذا يقتضي أنهم أفطروا ايش ؟ قبل الوقت يعني قبل أن تغرب الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم القضاء. ولو كان القضاء واجبا ايش ؟ لأمرهم به لأنه إذا كان واجبا كان من الشريعة والنبي صلى الله عليه وسلم يلزمه أن يبلغ شريعة الله ولو كان أمر به لنقل إلينا لأن الشريعة محفوظة. فلما لم ينقل إلينا أنه أمرهم بالقضاء علمنا أنه لم يأمرهم به وأنه لو أكل في ليل فتبين أنه في النهار فإنه لا قضاء عليه. ومثل ذلك لو قام الإنسان من الليل فأكل سحورا يظن أن الليل باق ثم تبين أنه قد طلع الفجر قبل أن يتسحر فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه ولا إثم عليه.
وأراد عدي بن حاتم أن يصوم وكان قد قرأ قول الله تعالى : الآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل فماذا صنع عدي جعل تحت وسادته عقالين والعقال هو الحبل الذي تربط به يد البعير. أحدهما أسود والثاني أبيض وجعل يأكل وكلما أكل نظر إلى العقال الأسود والأبيض حتى تبين له العقال الأسود من العقال الأبيض ثم أمسك فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بأنه جعل يأكل حتى تبين ايش ؟ العقال الأسود من العقال الأبيض فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن وسادك لعريض أن الخيط الأبيض والاسود إنما هو بياض النهار وسواد الليل . ولم يأمره بالإعادة لأنه كان جاهلا.
هل هو جاهل بالحال ولا جاهل بالحكم ؟
الطالب : ... .
الشيخ : خطأ، هو جاهل بالحكم يظن أن هذا مراد الله عز وجل وليس مراد الله لكن حديث أسماء كانوا جاهلين بالحال. طيب .
وأما المثال في الصوم : فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال : من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه . وعلى هذا فإذا نسيت وشربت أو نسيت وأكلت وأنت صائم فأتم الصوم فإنما أطعمك الله وسقاك ولكن متى ذكرت أنك صائم وجب عليك الإمساك وكذلك ما علمت وجب عليك الإمساك.
الصلاة الصدقة الصوم.
الحج : الحج كذلك إذا فعل الإنسان محظور في الحج فليس عليه إثم ولا فدية ولا شيء ، ودليل ذلك : قول الله تبارك وتعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرما ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم . فقوله متعمدا يدل على أن الإنسان إذا قتله غير متعمد فلا شيء عليه، وهكذا أيضا جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا شيء عليه. جميع المحظورات فلو أن الانسان حلق شيئا من رأسه جاهلا أو ناسيا أو تطيب جاهلا أو ناسيا أو جامع زوجته جاهلا أو ناسيا وهو محرم فلا شيء عليه وحجه صحيح.
تبين بهذا الأمر بارك الله فيكم إن الجهل والنسيان لا يؤاخذ به الإنسان في أي عبادة كانت.
طيب في المعاملات أيضا إذا عامل الإنسان بالشيء المحرم جاهلا فلا شيء عليه لكن يجب عليه أن يصحح العقد.
مثال ذلك : رجل باع درهما بدرهمين وبيع الدرهم بالدرهمين ربا ولكنه لا يدري نقول هذا الرجل ليس بأثم ولكنه يجب عليه أن يرد الدرهم.
ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه بتمر جيد فقال من أين هذا ؟ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن تمر خيبر رديء قالوا يا رسول الله، كنا نأخذ الصاع بهذا بالصاعين والصاعين بالثلاث فقال : هذا عين الربا ردوه . ولكنه لم يؤنبهم على ما فعلوا لماذا ؟ لأنهم كانوا جاهلين لكنه رد البيع من أجل أن يصحح العقد لأن هذا يمكن تفاديه فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم رده حتى يقع العقد على وجه صحيح. ربما لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .
بقي علينا مما يعذر به الإنسان الإكراه، فإذا أكره الإنسان على شيء فليس عليه إثم لكن ما الدليل ؟
الدليل قوله تعالى : مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم . فإذا رفع الله الحكم على من أكره على الكفر فما دون الكفر من باب أولى. وعلى هذا فلو أن رجلا أكره إنسانا على الأكل وهو صائم فأكل فإنه لا يفسد صومه بذلك. ومن ذلك لو أكره الرجل زوجته على الجماع وهي صائمة فجامعها فإن صومها لا يفسد بذلك لأنها مكرهة. والمكره مرفوع عنه الحكم. ذلك للإكراه، لأن الله إذا رفع الحكم في الإكراه على الكفر فما دونه من باب أولى ويدل أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
أما النسيان فهو : ذهول القلب عن شيء معلوم. هذا النسيان ذهول القلب عن شيء معلوم بمعنى أن الإنسان يعلم الشيء ثم يذهل وينسى وأما الخطأ فهو : الجهل، أن يرتكب الإنسان ما يلام عليه من غير قصد هذا الخطأ. أن يرتكب الإنسان ما يلام عليه من غير قصد. فإذا فعل الإنسان الشيء ناسيا أو مخطئا فإن الله تعالى لا يؤاخذه بذلك لقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . وهذا حال في كل العبادات وفي كل المعاملات وفي كل التصرفات كل ما صدر عن جهل أو نسيان فإن الله لا يؤاخذ به.
وقد جاء في ذلك أمثلة من السنة ولنأخذ منها أمثلة في الصلاة وأمثلة في الصدقة وأمثلة في الصيام وأمثلة في الحج.
الأمثلة في الصلاة : ثبت في الصحيح أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء إلى الصلاة فدخل مع الناس يصلي فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله لأن من السنة إذا عطست أن تقول الحمد لله ومن سمعك كان حقا عليه أن يقول يرحمك الله. فلما قال الرجل وهو يصلي الحمد لله قال له معاوية يرحمك الله. يرحمك الله. بناء على ايش ؟ بناء على أن من سمع عاطسا يحمد الله أن يقول له يرحمك الله فرماه الناس بأبصارهم أي أن المصلين نظروا إليه نظرة استنكار ايش ؟ لأنه تكلم في الصلاة فقال معاوية : واثُكْلَ أُمياهْ واثُكْلَ أُمياهْ يعني يدعو على نفسه بأن تفقده أمه وهذه كلمة يقولها العرب من غير قصد لمعناها فزاد الطين ايش ؟ بِلة لأنه تكلم مرتين لكن المرة الأولى دعا لأخيه والمرة الثانية دعا على نفسه. لكن قال واثُكْلَ أُمياهْ فجعل أصحابه يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت. فلما فرغ من صلاته دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال معاوية : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه. والله ما كهرني ولا نهرني وإنما قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن . أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وهل أمره بالإعادة ؟ أجيبوا لا، لماذا ؟ لأنه كان جاهلا لو علم ما تكلم.
إذن نأخذ من هذا أن الرجل إذا تكلم في صلاته جاهلا فلا إعادة عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمره بالاعادة. طيب ولو تكلم ناسيا ؟
الطالب : ... .
الشيخ : أيضا لا شيء عليه فلو وقف زميله عليه وهو يصلي وقال يا فلان أين وضعت المفتاح قال في الرف الذي على يمينك إذا دخلت وهو يصلي لكن هو ناس هل تبطل صلاته ؟ لا. أستأذن عليه وهو يصلي فقال للسائل تفضل ناسيا ؟ لا شيء عليه لقوله : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
فإن قال قائل : ما الفرق بين حديث معاوية بن الحكم والحديث الذي يلقبه أهل العلم بحديث المسيء في الصلاة. وهو ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا دخل المسجد فصلى لكنه صلى صلاة لا يطمئن فيه يركع بسرعة ويسجد بسرعة ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل . ماذا قال له يا أخ ؟ ماذا قال له ؟
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت استرح جزاك لله خيرا فرجع الرجل فصلى كصلاته الأولى ثم عاد فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل فصلى كالأولى ثم جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ثم رجع فصلى وفي الثالثة قال والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني فعلمه.
وقال له : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم اركع حتى تعتدل قائما ثم اسجد.حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فأمره أن يعيد الصلاة مع أنه كان ايش ؟ جاهلا ولم يأمر معاوية أن يعيد الصلاة لأنه كان جاهلا.
والسؤال ما الفرق بين هذا وهذه ؟
قال العلماء : الفرق أن قصة معاوية رضي الله عنه في فعل محظور. وقصة الرجل الذي لم يتم صلاته في ترك مأمور وترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل ما دام الطلب باقيا. انتبه، ما دام الطلب باقيا. فيعذر فيه بالجهل فيما سقط الطلب فيه أما فعل المحظور فإنه يسقط بالجهل لكل حال، هذا هو الفرق وهو الأصل عند جمهور العلماء أن يفرق بين ايش ؟ بين الفعل المأمور وترك المحظور.
المأمور لا يسقط بالجهل ما دام الطلب باقيا بأن علم الانسان بخطره في وقت الطلب أما ما فات فيسقط بالجهل والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر هذا الرجل بإعادة ايش ؟ بإعادة صلاته الماضية لأن الطلب انتهى.
وأما إعادة الصلاة الحاضرة لأن الطلب لم يزل باقيا. هذا المثال في الصلاة.
الطالب : ... .
الشيخ : الطلب الطلب.
مثال الصدقة : خرج رجل بصدقته. حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل تصدق ووضع صدقته في أيدي أهلها خرج يوما فتصدق فوقعت الصدقة في يد غني والغني ليس من أهل الصدقة فلما أصبح جعل الناس يتحدثون تُصُدِّق الليلة على غني فقال الرجل الحمد لله حمد الله على كل حال قال الحمد لله على كل حال وكأنه ندم على ذلك ثم تصدق في الليلة الثانية فوقعت الصدقة في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال الحمد لله على سارق وكأنه ندم على ذلك، ثم تصدق الليلة الثالثة فوقعت الصدقة في يد زانية امرأة تزني فجعل الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال الحمد لله على غني وعلى سارق وعلى زانية .
ظن أن الصدقة لن تقبل فقيل له أما صدقتك فقد قبلت فإن الغني ربما يتخذ منها أسوة فيتصدق، وأما السارق فربما يتخذ منها كفاية فلا يسرق، وأما الزانية فربما تسد حاجتها فلا تزني.
حسن النية جعل السيئة حسنة لأن الرجل أراد بصدقته وجه الله. ومن ثم أخذ العلماء فائدة عظيمة من هذا الحديث وهو أن الرجل إذا أدى زكاته إلى شخص يظنه أهلا للزكاة ثم تبين له أنه ليس بأهل فإن الزكاة تجزئ يعني لو أنك تصدقت على إنسان دفعت إليه زكاتك تظنه أهلا لذلك ثم تبين أنه غني فإن زكاتك مقبولة بناء على ما حصل ... .
هذا مثال لايش ؟ الصدقة.
مثال في الصوم : قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس . وهذا يقتضي أنهم أفطروا ايش ؟ قبل الوقت يعني قبل أن تغرب الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم القضاء. ولو كان القضاء واجبا ايش ؟ لأمرهم به لأنه إذا كان واجبا كان من الشريعة والنبي صلى الله عليه وسلم يلزمه أن يبلغ شريعة الله ولو كان أمر به لنقل إلينا لأن الشريعة محفوظة. فلما لم ينقل إلينا أنه أمرهم بالقضاء علمنا أنه لم يأمرهم به وأنه لو أكل في ليل فتبين أنه في النهار فإنه لا قضاء عليه. ومثل ذلك لو قام الإنسان من الليل فأكل سحورا يظن أن الليل باق ثم تبين أنه قد طلع الفجر قبل أن يتسحر فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه ولا إثم عليه.
وأراد عدي بن حاتم أن يصوم وكان قد قرأ قول الله تعالى : الآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل فماذا صنع عدي جعل تحت وسادته عقالين والعقال هو الحبل الذي تربط به يد البعير. أحدهما أسود والثاني أبيض وجعل يأكل وكلما أكل نظر إلى العقال الأسود والأبيض حتى تبين له العقال الأسود من العقال الأبيض ثم أمسك فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بأنه جعل يأكل حتى تبين ايش ؟ العقال الأسود من العقال الأبيض فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن وسادك لعريض أن الخيط الأبيض والاسود إنما هو بياض النهار وسواد الليل . ولم يأمره بالإعادة لأنه كان جاهلا.
هل هو جاهل بالحال ولا جاهل بالحكم ؟
الطالب : ... .
الشيخ : خطأ، هو جاهل بالحكم يظن أن هذا مراد الله عز وجل وليس مراد الله لكن حديث أسماء كانوا جاهلين بالحال. طيب .
وأما المثال في الصوم : فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال : من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه . وعلى هذا فإذا نسيت وشربت أو نسيت وأكلت وأنت صائم فأتم الصوم فإنما أطعمك الله وسقاك ولكن متى ذكرت أنك صائم وجب عليك الإمساك وكذلك ما علمت وجب عليك الإمساك.
الصلاة الصدقة الصوم.
الحج : الحج كذلك إذا فعل الإنسان محظور في الحج فليس عليه إثم ولا فدية ولا شيء ، ودليل ذلك : قول الله تبارك وتعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرما ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم . فقوله متعمدا يدل على أن الإنسان إذا قتله غير متعمد فلا شيء عليه، وهكذا أيضا جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا شيء عليه. جميع المحظورات فلو أن الانسان حلق شيئا من رأسه جاهلا أو ناسيا أو تطيب جاهلا أو ناسيا أو جامع زوجته جاهلا أو ناسيا وهو محرم فلا شيء عليه وحجه صحيح.
تبين بهذا الأمر بارك الله فيكم إن الجهل والنسيان لا يؤاخذ به الإنسان في أي عبادة كانت.
طيب في المعاملات أيضا إذا عامل الإنسان بالشيء المحرم جاهلا فلا شيء عليه لكن يجب عليه أن يصحح العقد.
مثال ذلك : رجل باع درهما بدرهمين وبيع الدرهم بالدرهمين ربا ولكنه لا يدري نقول هذا الرجل ليس بأثم ولكنه يجب عليه أن يرد الدرهم.
ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه بتمر جيد فقال من أين هذا ؟ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن تمر خيبر رديء قالوا يا رسول الله، كنا نأخذ الصاع بهذا بالصاعين والصاعين بالثلاث فقال : هذا عين الربا ردوه . ولكنه لم يؤنبهم على ما فعلوا لماذا ؟ لأنهم كانوا جاهلين لكنه رد البيع من أجل أن يصحح العقد لأن هذا يمكن تفاديه فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم رده حتى يقع العقد على وجه صحيح. ربما لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .
بقي علينا مما يعذر به الإنسان الإكراه، فإذا أكره الإنسان على شيء فليس عليه إثم لكن ما الدليل ؟
الدليل قوله تعالى : مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم . فإذا رفع الله الحكم على من أكره على الكفر فما دون الكفر من باب أولى. وعلى هذا فلو أن رجلا أكره إنسانا على الأكل وهو صائم فأكل فإنه لا يفسد صومه بذلك. ومن ذلك لو أكره الرجل زوجته على الجماع وهي صائمة فجامعها فإن صومها لا يفسد بذلك لأنها مكرهة. والمكره مرفوع عنه الحكم. ذلك للإكراه، لأن الله إذا رفع الحكم في الإكراه على الكفر فما دونه من باب أولى ويدل أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
الفتاوى المشابهة
- بيان حكم الخطأ والنسيان في النواهي الشرعية .... - ابن عثيمين
- رفع الخطأ والنسيان عن الأمة - ابن عثيمين
- تتمة على الإجابة السابقة :قاعدة : عدم المؤاخ... - ابن عثيمين
- إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان - اللجنة الدائمة
- ما صحة الحديث ( عفي عن أمتي الخطأ و النسيان... - ابن عثيمين
- تفسير قوله - تعالى - : (( لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ... - الالباني
- تفسير قوله تعالى :" لا يكلف الله نفسا إلا وس... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى:(( ربنا لا تأخذنا إن نسينا ..... - الالباني
- تفسير قوله تعالى:" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا... - ابن عثيمين
- المناقشة حول قوله تعالى:" ربنا لا تؤاخذنا إن... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى : (( ربنا لا تؤخذنا إن نسين... - ابن عثيمين