تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير سورة الحجرات الآيات (9-8) وآيات أخرى م... - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:فهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شه...
العالم
طريقة البحث
تفسير سورة الحجرات الآيات (9-8) وآيات أخرى مختارة وما يستفاد من الآيات .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان عام ستة عشر وأربعمائة وألف، وفيه اللقاء الذي يتم كل خميس.
في هذا اللقاء سوف نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .
طَائِفَتَانِ مفردها طائفة: وهي الجماعة من الناس.
وقوله: اقْتَتَلُوا جمع، وإنما جُمع لأن الطائفة تشتمل على أفراد كثيرين، فلذلك صح أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى، وإلا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا، ليطابق الضمير مرجعه، لكنه عاد إليه بالمعنى.
والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبلية ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك، المهم أن أسبابه متعددة، والشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ، ولكنه رضي بالتحريش بينهم يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً، فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما، ولهذا قال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال، والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر، لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه، وإلا لما تم الصلح، ولهذا لما قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل.
فإذا أصلحنا بينهما قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي يعني: لو فرض أن بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى، فهنا لا صلح، ماذا نصنع معهما؟ نقاتل التي تبغي حتى ترجع إلى أمر الله حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ أي: ترجع إليه، وأمر الله يعني: دينه وشرعه.
فانظر في أول الأمر الإصلاح، فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها، ولا يجوز أن نجهز على جريح ولا أن نتبع مدبراً، ولا أن نسبي ذرية، ولا أن نغنم مالاً، لأن هؤلاء مؤمنون.
فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب وجب أن نصلح بينهما بالعدل.
وهذا غير الإصلاح الأول، الإصلاح الأول بوقف القتال، وهذا الإصلاح بالتضمين، أي: أن ننظر ماذا تلف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل، فمثلاً: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال، والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال، فحينئذٍ إيش؟ تتعادل الطائفتان وتتساقطا، فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمانمائة ألف ريال، والأخرى أتلفت ما قيمته مليون، فالفرق إذن مائتا ألف ريال، نحمله على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون، ولهذا قال: أَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ .
وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أقسطوا هذا أمر بالقسط وهو العدل، وهذا تأكيد لقوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ .
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي: يحب العادلين، وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: أن المقسطين على منابر من نور عن يمين الله عز وجل، الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا من أمور المسلمين .
ثم قال عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ هذا كالتعليل لقوله: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا يعني: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين، لأن المؤمنين إخوة، الطائفتان المقتتلتان هما أخوان، ونحن أيضاً إخوة لهم، حتى مع الاقتتال، فإذا قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر والكافر ليس أخاً للمؤمن؟ فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر، فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً، فهنا صرح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا، مع أن قتال المؤمن كفر، فيقال: هذا كفر دون كفر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائح على الميت لا يكفر كفراً أكبر، فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفر مخرج عن الملة، وكفر لا يخرج عن الملة.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر لقوله: إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان.
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني: اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به، وتتركوا ما نهاكم عنه، لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى، وعلى هذا كلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، لعلكم ترحمون أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه.

السائل : هنا نسأل عما قلنا الآن ، كيف يقول : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ؟

السائل : ... أنه كفر دون كفر...

الشيخ : أحسنت بارك الله فيك نقول كفر دون كفر وليس الكفر الذي يخرج من الملة، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تتناقض وننتهي إلى هنا حتى نتفرغ من الأسئلة فنبدأ من اليمين . عندك سؤال؟

Webiste