تفسير سورة الطور الآيات ( 20 - 28 ) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة الطور: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ثم قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ متكئين هذه حال، يعني: حال كونهم متكئين، والمتكئ تدل هيئته على أنه في سرور وانشراح وطمأنينة، لأن الاتكاء يدل على ذلك.
والسرر جمع سرير وهي: الكراسي الفخمة المهيأة أحسن تهيئة للجالس عليها.
مصفوفة أي: مصفوف بعضها إلى بعض، يصفها الخدم والولدان.
وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ أي: قرناهم بحورٍ عين، والحور جمع حوراء، والعين جمع عيناء، والأصل الحور هو البياض وأما العيناء فهي التي كانت جميلة العين في سوادها وبياضها، فهن حسان الوجوه حسان الأعين.
ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم.
وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم، لأن لهم ذرية فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ألتناهم أي: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم ولا يقال اخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم من درجة الذرية، بل يقول: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .
كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ هذه قاعدة عامة في جميع العاملين: أن كل واحد فإنه رهين بعمله لا ينقص منه شيء، أما الزيادة فهي فضل من الله تبارك وتعالى على من شاء من عباده.
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُون أمدهم الله تعالى أي: أعطاهم عطاءً مستمراً إلى الأمد وإلى الأبد بفاكهة وهي ما يُتفكه به من المأكولات.
وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي: مما يشتهونه ويستلذونه، وقد بين الله تبارك وتعالى نوع هذا اللحم بأنه لحم طير، وهو أشهى ما يكون من اللحم وأبرؤه وأمرؤه.
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً أي: أن أهل الجنة يتنازعون ينازع بعضهم بعضاً على سبيل المداعبة، وعلى سبيل الأنس والانشراح، كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ والمراد بالكأس كأس الخمر، ومعنى: لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ أنه لا يحصل بها ما يحصل من خمر الدنيا، فإن خمر الدنيا فإن خمر الدنيا يحصل به السكر والهذيان، ولكن خمر الآخرة ليس فيه لغوٌ ولا تأثيم، أي: لا يلغو بعضهم على بعض، ولا يتكلمون بالهذيان، ولا يعتدي بعضهم على بعض.
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ أي: يتردد عليهم أي على أهل الجنة وهم على سررهم متكئين ولدان مخلدون نعم يطوف عليهم غِلْمَانٌ لَهُمْ أي: غلمان مهيؤون لهم بالخدمة التامة المريحة كَأَنَّهُمْ أي الغلمان لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ أي: محفوظ عن الرياح وعن الغبار وعن غير ذلك مما يفسده.
يقول الله تبارك وتعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ يعني: صار بعضهم يسائل بعضاً لكنه على وجه الأدب، يتكلم معه وهو مقابلٌ له لوجهه، فلا يصعر خده له ولا يستدبره بل يتكلم معه بأدبٍ ومقابلة تامة، قَالُوا أي: قال بعضهم لبعض، إِنَّا كُنَّا قَبْلُ أي: في الدنيا فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ أي: خائفين من عذاب الله، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ مَنَّ أي: أنعم علينا بنعمة عظيمة ووقانا عذاب السموم أي: عذاب النار، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ أي: قبل أن نصل إلى هذا المقر وذلك في الدنيا نَدْعُوهُ أي: نعبده ونسأله، لأن الدعاء يطلق على معنيين: على العبادة، وعلى السؤال.
فمن إطلاقه على العبادة قول الله تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
وأما الدعاء بمعنى السؤال ففي قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
فقولهم: إنا كنا من قبل ندعوه يشمل دعاء العبادة: كالصلاة والصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام كل هذا دعاء وإن كان هو عبادة، لكن لو سألت العابد: لماذا تعبد الله؟ لقال إيش؟ أرجو رحمته وأخاف عذابه، فيكون هذه العبادة بمعنى الدعاء، كذلك ندعوه دعاء مسألة لا يسألون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله، لأنهم يعلمون أنهم مفتقرون إليه، وأنه هو القادر على كل شيء.
إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ البر بمعنى: الواسع الإحسان والرحمة، ومن ذلك البرية للمكان الخالي من الأبنية، المعنى: أنه جل وعلا واسع العطاء والإحسان والجود.
الرحيم أي: ذو الرحمة البالغة، يرحم بها من يشاء من عباده تبارك وتعالى.
ففي هذه الآيات بيان نعيم أهل الجنة، وفيها أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر عذاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة، لأن هذا القرآن الكريم مثان تثنى فيه المعاني، إذا ذكر فيه الخير ذكر فيه الشر، وإذا ذكر فيه نعيم المتقين ذكر فيه جحيم الكافرين، وهكذا حتى يكون الإنسان قارئ القرآن بين الخوف والرجاء، إن قرأ آيات النعيم رجا، وإن قرأ آيات العذاب خاف، فيعبد الله تبارك وتعالى بهذا وهذا.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، الناجين من الدركات إنه على كل شيء قدير.
أما الآن فإلى الأسئلة ونبدأ باليمين.
والسرر جمع سرير وهي: الكراسي الفخمة المهيأة أحسن تهيئة للجالس عليها.
مصفوفة أي: مصفوف بعضها إلى بعض، يصفها الخدم والولدان.
وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ أي: قرناهم بحورٍ عين، والحور جمع حوراء، والعين جمع عيناء، والأصل الحور هو البياض وأما العيناء فهي التي كانت جميلة العين في سوادها وبياضها، فهن حسان الوجوه حسان الأعين.
ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم.
وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم، لأن لهم ذرية فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ألتناهم أي: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم ولا يقال اخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم من درجة الذرية، بل يقول: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .
كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ هذه قاعدة عامة في جميع العاملين: أن كل واحد فإنه رهين بعمله لا ينقص منه شيء، أما الزيادة فهي فضل من الله تبارك وتعالى على من شاء من عباده.
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُون أمدهم الله تعالى أي: أعطاهم عطاءً مستمراً إلى الأمد وإلى الأبد بفاكهة وهي ما يُتفكه به من المأكولات.
وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ أي: مما يشتهونه ويستلذونه، وقد بين الله تبارك وتعالى نوع هذا اللحم بأنه لحم طير، وهو أشهى ما يكون من اللحم وأبرؤه وأمرؤه.
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً أي: أن أهل الجنة يتنازعون ينازع بعضهم بعضاً على سبيل المداعبة، وعلى سبيل الأنس والانشراح، كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ والمراد بالكأس كأس الخمر، ومعنى: لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ أنه لا يحصل بها ما يحصل من خمر الدنيا، فإن خمر الدنيا فإن خمر الدنيا يحصل به السكر والهذيان، ولكن خمر الآخرة ليس فيه لغوٌ ولا تأثيم، أي: لا يلغو بعضهم على بعض، ولا يتكلمون بالهذيان، ولا يعتدي بعضهم على بعض.
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ أي: يتردد عليهم أي على أهل الجنة وهم على سررهم متكئين ولدان مخلدون نعم يطوف عليهم غِلْمَانٌ لَهُمْ أي: غلمان مهيؤون لهم بالخدمة التامة المريحة كَأَنَّهُمْ أي الغلمان لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ أي: محفوظ عن الرياح وعن الغبار وعن غير ذلك مما يفسده.
يقول الله تبارك وتعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ يعني: صار بعضهم يسائل بعضاً لكنه على وجه الأدب، يتكلم معه وهو مقابلٌ له لوجهه، فلا يصعر خده له ولا يستدبره بل يتكلم معه بأدبٍ ومقابلة تامة، قَالُوا أي: قال بعضهم لبعض، إِنَّا كُنَّا قَبْلُ أي: في الدنيا فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ أي: خائفين من عذاب الله، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ مَنَّ أي: أنعم علينا بنعمة عظيمة ووقانا عذاب السموم أي: عذاب النار، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ أي: قبل أن نصل إلى هذا المقر وذلك في الدنيا نَدْعُوهُ أي: نعبده ونسأله، لأن الدعاء يطلق على معنيين: على العبادة، وعلى السؤال.
فمن إطلاقه على العبادة قول الله تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
وأما الدعاء بمعنى السؤال ففي قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
فقولهم: إنا كنا من قبل ندعوه يشمل دعاء العبادة: كالصلاة والصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام كل هذا دعاء وإن كان هو عبادة، لكن لو سألت العابد: لماذا تعبد الله؟ لقال إيش؟ أرجو رحمته وأخاف عذابه، فيكون هذه العبادة بمعنى الدعاء، كذلك ندعوه دعاء مسألة لا يسألون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله، لأنهم يعلمون أنهم مفتقرون إليه، وأنه هو القادر على كل شيء.
إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ البر بمعنى: الواسع الإحسان والرحمة، ومن ذلك البرية للمكان الخالي من الأبنية، المعنى: أنه جل وعلا واسع العطاء والإحسان والجود.
الرحيم أي: ذو الرحمة البالغة، يرحم بها من يشاء من عباده تبارك وتعالى.
ففي هذه الآيات بيان نعيم أهل الجنة، وفيها أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر عذاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة، لأن هذا القرآن الكريم مثان تثنى فيه المعاني، إذا ذكر فيه الخير ذكر فيه الشر، وإذا ذكر فيه نعيم المتقين ذكر فيه جحيم الكافرين، وهكذا حتى يكون الإنسان قارئ القرآن بين الخوف والرجاء، إن قرأ آيات النعيم رجا، وإن قرأ آيات العذاب خاف، فيعبد الله تبارك وتعالى بهذا وهذا.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، الناجين من الدركات إنه على كل شيء قدير.
أما الآن فإلى الأسئلة ونبدأ باليمين.
الفتاوى المشابهة
- تفسير سورة (ق) الآيات ( 19- 22 ) وآيات اخرى... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الحجرات الآية (1) وآيات اخرى مختا... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (36- 45) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (15- 18) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (30- 35) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الطور الآيات ( 37- الى نهاية السو... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الطور الآيات ( 29 - 36 ) وآيات اخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الطور الآيات (9- 16) وآيات اخرى م... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الطور الآيات ( 1- 8 ) وآيات اخرى... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الطور الآيات (17- 19) وآيات اخرى... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الطور الآيات ( 20 - 28 ) وآيات اخ... - ابن عثيمين