كلمة حول الصيام والقيام .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : وبما أننا في استقبال شهر رمضان فإننا نفضل أن نتكلم الآن على ما يتعلق بالصيام والقيام أما صيام رمضان فلا يخفى علينا جميعا أنه أحد أركان الإسلام التي بني عليها هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام وسأله جبريل عن الإسلام فأجابه بهذا قال : الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فمرتبة صيام رمضان في الدين الإسلامي مرتبة عالية لأنه أحد أركانه وصيامه فرض بإجماع المسلمين المبني على دلالة الكتاب والسنة ولهذا قال العلماء : من أنكر فرضيته فإنه مرتد كافر لأن هذا مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام إلا إذا كان حديث عهد بإسلام ولم يعرف عن الإسلام شيئا فحينئذ يعرف فإن أصر على إنكار الفرضية بعد التعريف حكم عليه بأنه مرتد وقتل إلا أن يتوب ويقر بالفرضية وأما من تركه متهاوناً دون أن يجحد فرضيته فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يكفر ويرتد لأنه ترك ركنا من أركان الإسلام ؟ فمنهم من قال بذلك وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله : أن تارك الصيام كسلا وتهاونا كافر كتارك الصلاة لكن جمهور العلماء : على أنه لا يكفر لأن عبد الله بن شقيق رحمه الله أحد كبار التابعين قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة فالصواب أنه لا أحد يكفر بترك ركن من أركان الإسلام إلا في الشهادتين والصلاة فقط
شهر رمضان فرض في السنة الثانية من الهجرة وأول ما فرض كان الناس يخيرون بين أن يصوم الرجل أو يفتدي دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وهذه واضحة في التخيير ثم تعين الصوم وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه دائم وهكذا عادة الله تبارك وتعالى في الشرائع التي تشق على الناس أن يجعلها بالتدريج كما جعل الخمر تحريمه بالتدريج وكذلك كان الناس في أول الأمر إذا نام الإنسان أو تعشى فإنه يجب عليه أن يبقى إلى أن يصوم من اليوم الثاني ثم نسخ هذا والحمد لله
لكن صيام رمضان له شروط : الشرط الأول : البلوغ والثاني : العقل والثالث : الإسلام والرابع : القدرة والخامس : الإقامة والسادس : الخلو من الموانع ستة عدها علينا
الطالب : الإسلام
الشيخ : أولا : البلوغ
الطالب : البلوغ والإسلام
الشيخ : البلوغ والعقل .
السائل : الإسلام و... .
الشيخ : لا لا القدرة
الطالب : القدرة
الشيخ : والإقامة
الطالب : والخلو من الموانع
الشيخ : والخلو من الموانع ستة البلوغ العقل الإسلام القدرة الإقامة الخلو من الموانع فأما البلوغ : فضده الصغر والصغير لا يجب عليه الصوم ولا يُلزم به لكن يؤمر به أمرا إذا أطاقه فإن فعل فالأجر له وإن لم يفعل فلا شيء عليه المجنون لا يؤمر به ولو صام لم يقبل منه ولا يصح منه لأنه مجنون ليس له قصد، الإسلام وضده الكفر فالكافر لا نلزمه بالإسلام وإذا أسلم لا نلزمه بالقضاء أما كوننا لا نلزمه بالإسلام فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا بعث الدعاة إلى الإسلام يقول : أول ما تدعونهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن أجابوا فإقام الصلاة فإن أجابوا فإيتاء الزكاة فدل هذا على أنه لا يؤمر الإنسان بشرائع الإسلام إلا بعد الشهادتين بعد أن يسلم وأما كون الكافر لا يقضي ما فاته فلأن الله تعالى قال : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ونبينا صلى الله عليه وسلم لا يأمر أحدا أسلم أن يقضي ما فاته من صلاة أو صيام أو زكاة
الرابع : القدرة على الصيام فمن لم يكن قادرا فإنه إما أن يكون عجزه دائما وإما أن يكون عجزه مرجو الزوال فإن كان عجزه دائما فدى عن كل يوم مسكينا بمعنى أن يطعم عن كل يوم مسكينا كالكبير والمريض بمرض لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكينا وكيفية الإطعام إما أن يعطي كل واحد مدا من الأرز ومعه لحم يؤدمه وإما أن يجمعهم جميعا أو عشرة عشرة فيغديهم أو يعشيهم كما كان أنس رضي الله عنه يفعل ذلك لما كبر أما من يرجو زوال عجزه فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي لقول الله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
الخامس : الإقامة وضدها السفر فالمسافر لا يلزمه الصوم له أن يفطر وإن لم يجد مشقة لكنه يقضي لقوله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ والأفضل له أن يصوم إلا إذا كان فيه شيء من المشقة فالأفضل أن يفطر الرابع الخامس
السادس : الخلو من الموانع ونعني بذلك الحيض والنفاس بمعنى أنه لا يلزم الحائض أن تصوم ولا النفساء بل لو صامتا كان حراما عليهما وكان فاسدا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض مقررا حكمها : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قال النساء : بلى
فهذه شروط وجوب أداء الصيام أما عن ماذا يصوم لأن الصيام هو الإمساك فعن ماذا يمسك ؟ يمسك عن المفطرات التي ثبت أنها مفطرة فمما ثبت أنه مفطر الأكل والشرب والجماع وهذه الثلاثة ذُكرت في الكتاب العزيز قال الله تبارك وتعالى : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ الجماع في قوله : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ الأكل : كُلُوا والشرب : وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ هذه ثلاثة الرابع : ما كان بمعنى الأكل والشرب ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبر المغذية ومعنى قولنا : المغذية أنه يستغنى بها عن الأكل والشرب وأما الإبر التي للتداوي أو للتقوية أو لغير ذلك من الأمراض لكنها لا تغني عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر سواء أخذها الإنسان في العضلات أو في الوريد أو في أي محل كم هذه ؟ أربعة
الخامس : الإنزال إنزال المني بشهوة بفعل أن ينزل الإنسان المني بشهوة بفعله سواء كان بالمباشرة أو تقبيل أو غير ذلك وهذا ليس محل اتفاق بين العلماء بعض العلماء يقول : إنه لا يفطر لأنه ليس فيه دليل صريح والأصل صحة الصوم وعدم نقضه إلا بدليل صريح لكن يمكن أن يقال : إن الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه عن الله تعالى أن الله قال في الصائم : يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي فإن المني شهوة ولهذا لا يسمى التلذذ بالجماع إلا بالإنزال ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : وفي بضع أحدكم صدقة يعني جماع امرأته فيه صدقة قالوا : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : نعم أرأيتم إن وضعها في الحرام أكان عليه وزر ؟ قالوا : نعم قال : كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر وهذا هو رأي جمهور العلماء أنه يفطر بالإنزال بشهوة إذا كان بفعل ولا شك أن هذا أحوط وأنه لا يحل لإنسان وهو صائم صوما واجبا أن يفعل ذلك أي : أن ينزل بشهوة بفعله وأنه إذا فعل فليقض وقولنا : نزول المني بشهوة احترازا مما لو أصيب الإنسان بمرض وصار المني ينزل منه أو سقط من جدار ومع السقطة نزل المني فهذا لا يفطر وقولنا : بفعله احترازا مما لو فكر الإنسان بالجماع فأنزل فإنه لا يفطر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم لكن لو كان عند التفكير حرك ذكره فأنزل بهذا التحريك فإنه إيش ؟ يفطر أو لا يفطر ؟ يفطر لأن هذا بفعله فهو استنماء في الواقع هذه خمسة
السادس : خروج الدم بالحجامة خروج الدم بالحجامة يعني إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإنه يفطر ويفسد صومه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أفطر الحاجم والمحجوم وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد وهو أحد أئمة الحديث وأئمة الفقه بل هو إمام أهل السنة رحمه الله فلورعه وعلمه بالحديث وفقهه يطمئن الإنسان إلى هذا القول أي : إلى أن خروج الدم بالحجامة مفسد للصوم لكن إذا قال قائل : إفساد صوم المحجوم ظاهر لأنه أخرج الدم الذي يوجب ضعف البدن وانحلاله واحتياجه للأكل والشرب لكن ما بال الحاجم ؟ فالجواب : أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال : أفطر الحاجم والمحجوم لحاجم معروف معتاد حجمه في ذلك الوقت وكانوا في ذلك الوقت يحجمون بالقوارير التي فيها الأنابيب الصغيرة يمصها الحاجم حتى يصل الدم إلى هذا الأنبوب ويعلم أنه بدأ يلتقط الدم
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " لأنه ربما مع جذبه الدم ربما يصل إلى معدته شيء منه وهو لا يشعر به " ولهذا قال : أفطر الحاجم والمحجوم فعلى هذا إذا حجم وظهر دم من الذي يفطر ؟ نعم الحاجم وحده ولا المحجوم وحده ؟ كلاهما يفطران الحاجم والمحجوم طيب بناء على ذلك إذا كان الصوم واجبا كرمضان وقضائه والكفارة والفدية وما أشبه ذلك فما هو هل يجوز أن يحتجم أو لا ؟
الجواب : لا لا يجوز أن يحتجم لأن إفساد الواجب حرام إلا إذا اضطر إلى ذلك إذا اضطر إلى ذلك وصار يأتيه غشية من هيجان الدم واحتاج إلى أن يحتجم فهنا نقول : احتجم وأفطر كل واشرب
السابع : خروج القيء إذا تعمده لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء أظنه قال : عمدا فليقض فإذا استقاء الإنسان وخرج ما في معدته من الطعام أفطر لهذا الحديث وهو حديث صحيح ولكن قد يقول قائل : هذا عكس الأكل والشرب الأكل والشرب يوصل الطعام والشراب إلى المعدة وهذا أيش ؟ يخرج الطعام والشراب من المعدة فكيف يكون مفطرا ؟ فجوابنا على هذا من وجهين : الوجه الأول : أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا حكم الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء فهو كحكم الله لقوله تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وإذا كان هذا حكم الله ورسوله فشأن المؤمن أن يقول : سمعنا وأطعنا قال الله تعالى : إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ وقال الله تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً هذا جواب أن نقول : هذا حكم الله نعم أن نقول هذا حكم رسول الله وحكم رسول الله كحكم الله وليس لنا أن نخرج عنه
الجواب الثاني أن يقال : خروج الطعام من المعدة يوجب ضعف البدن وانحلاله فهو كخروج الدم بالحجامة وعلى هذا فالتفطير بالحجامة كالتفطير بالقيء يساند بعضهما بعضا فنقول لمن كان صومه واجبا لا تتقيأ حرام عليك فإن اضطررت إلى ذلك فتقيأ وأفطر كل واشرب من أجل أن ترد إلى البدن قوته ونشاطه هذه سبعة أشياء
الثامن : خروج دم الحيض فإذا خرج دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة فسد الصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ وأجمع العلماء على أن الحائض لا يصح صومها أما لو خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بدقيقة فالصيام صحيح لأن الأحكام تتعلق بخروج الدم لا بالإحساس به بدون خروج الثامن
الطالب : التاسع
الشيخ : التاسع : خروج دم النفاس فإذا خرج دم النفاس من المرأة قبل الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها فاسد فسد الصوم وإن كان بعد الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها صحيح هذه هي المفطرات تبين الآن أن المفطرات منها ما هو اختياري ومنها ما هو بغير اختيار ما هو الاختياري ؟ السبعة الأولى التي ذكرناها هذا اختياري وأما ما ليس اختياريا فهو الحيض والنفاس
المفطرات الاختيارية لا تفسد الصوم إلا بشروط : الشرط الأول : العلم والثاني : الذكر والثالث : القصد والرابع : الاختيار أما العلم فضده الجهل فإذا تناول الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح فلو أكل يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه قد طلع فالصيام صحيح ولو كانت السماء غيماً فظن الشمس قد غربت فأكل ثم طلعت الشمس فالصوم صحيح الدليل على هذا .
شهر رمضان فرض في السنة الثانية من الهجرة وأول ما فرض كان الناس يخيرون بين أن يصوم الرجل أو يفتدي دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وهذه واضحة في التخيير ثم تعين الصوم وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه دائم وهكذا عادة الله تبارك وتعالى في الشرائع التي تشق على الناس أن يجعلها بالتدريج كما جعل الخمر تحريمه بالتدريج وكذلك كان الناس في أول الأمر إذا نام الإنسان أو تعشى فإنه يجب عليه أن يبقى إلى أن يصوم من اليوم الثاني ثم نسخ هذا والحمد لله
لكن صيام رمضان له شروط : الشرط الأول : البلوغ والثاني : العقل والثالث : الإسلام والرابع : القدرة والخامس : الإقامة والسادس : الخلو من الموانع ستة عدها علينا
الطالب : الإسلام
الشيخ : أولا : البلوغ
الطالب : البلوغ والإسلام
الشيخ : البلوغ والعقل .
السائل : الإسلام و... .
الشيخ : لا لا القدرة
الطالب : القدرة
الشيخ : والإقامة
الطالب : والخلو من الموانع
الشيخ : والخلو من الموانع ستة البلوغ العقل الإسلام القدرة الإقامة الخلو من الموانع فأما البلوغ : فضده الصغر والصغير لا يجب عليه الصوم ولا يُلزم به لكن يؤمر به أمرا إذا أطاقه فإن فعل فالأجر له وإن لم يفعل فلا شيء عليه المجنون لا يؤمر به ولو صام لم يقبل منه ولا يصح منه لأنه مجنون ليس له قصد، الإسلام وضده الكفر فالكافر لا نلزمه بالإسلام وإذا أسلم لا نلزمه بالقضاء أما كوننا لا نلزمه بالإسلام فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا بعث الدعاة إلى الإسلام يقول : أول ما تدعونهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن أجابوا فإقام الصلاة فإن أجابوا فإيتاء الزكاة فدل هذا على أنه لا يؤمر الإنسان بشرائع الإسلام إلا بعد الشهادتين بعد أن يسلم وأما كون الكافر لا يقضي ما فاته فلأن الله تعالى قال : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ونبينا صلى الله عليه وسلم لا يأمر أحدا أسلم أن يقضي ما فاته من صلاة أو صيام أو زكاة
الرابع : القدرة على الصيام فمن لم يكن قادرا فإنه إما أن يكون عجزه دائما وإما أن يكون عجزه مرجو الزوال فإن كان عجزه دائما فدى عن كل يوم مسكينا بمعنى أن يطعم عن كل يوم مسكينا كالكبير والمريض بمرض لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكينا وكيفية الإطعام إما أن يعطي كل واحد مدا من الأرز ومعه لحم يؤدمه وإما أن يجمعهم جميعا أو عشرة عشرة فيغديهم أو يعشيهم كما كان أنس رضي الله عنه يفعل ذلك لما كبر أما من يرجو زوال عجزه فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي لقول الله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
الخامس : الإقامة وضدها السفر فالمسافر لا يلزمه الصوم له أن يفطر وإن لم يجد مشقة لكنه يقضي لقوله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ والأفضل له أن يصوم إلا إذا كان فيه شيء من المشقة فالأفضل أن يفطر الرابع الخامس
السادس : الخلو من الموانع ونعني بذلك الحيض والنفاس بمعنى أنه لا يلزم الحائض أن تصوم ولا النفساء بل لو صامتا كان حراما عليهما وكان فاسدا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض مقررا حكمها : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قال النساء : بلى
فهذه شروط وجوب أداء الصيام أما عن ماذا يصوم لأن الصيام هو الإمساك فعن ماذا يمسك ؟ يمسك عن المفطرات التي ثبت أنها مفطرة فمما ثبت أنه مفطر الأكل والشرب والجماع وهذه الثلاثة ذُكرت في الكتاب العزيز قال الله تبارك وتعالى : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ الجماع في قوله : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ الأكل : كُلُوا والشرب : وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ هذه ثلاثة الرابع : ما كان بمعنى الأكل والشرب ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبر المغذية ومعنى قولنا : المغذية أنه يستغنى بها عن الأكل والشرب وأما الإبر التي للتداوي أو للتقوية أو لغير ذلك من الأمراض لكنها لا تغني عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر سواء أخذها الإنسان في العضلات أو في الوريد أو في أي محل كم هذه ؟ أربعة
الخامس : الإنزال إنزال المني بشهوة بفعل أن ينزل الإنسان المني بشهوة بفعله سواء كان بالمباشرة أو تقبيل أو غير ذلك وهذا ليس محل اتفاق بين العلماء بعض العلماء يقول : إنه لا يفطر لأنه ليس فيه دليل صريح والأصل صحة الصوم وعدم نقضه إلا بدليل صريح لكن يمكن أن يقال : إن الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه عن الله تعالى أن الله قال في الصائم : يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي فإن المني شهوة ولهذا لا يسمى التلذذ بالجماع إلا بالإنزال ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : وفي بضع أحدكم صدقة يعني جماع امرأته فيه صدقة قالوا : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : نعم أرأيتم إن وضعها في الحرام أكان عليه وزر ؟ قالوا : نعم قال : كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر وهذا هو رأي جمهور العلماء أنه يفطر بالإنزال بشهوة إذا كان بفعل ولا شك أن هذا أحوط وأنه لا يحل لإنسان وهو صائم صوما واجبا أن يفعل ذلك أي : أن ينزل بشهوة بفعله وأنه إذا فعل فليقض وقولنا : نزول المني بشهوة احترازا مما لو أصيب الإنسان بمرض وصار المني ينزل منه أو سقط من جدار ومع السقطة نزل المني فهذا لا يفطر وقولنا : بفعله احترازا مما لو فكر الإنسان بالجماع فأنزل فإنه لا يفطر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم لكن لو كان عند التفكير حرك ذكره فأنزل بهذا التحريك فإنه إيش ؟ يفطر أو لا يفطر ؟ يفطر لأن هذا بفعله فهو استنماء في الواقع هذه خمسة
السادس : خروج الدم بالحجامة خروج الدم بالحجامة يعني إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإنه يفطر ويفسد صومه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أفطر الحاجم والمحجوم وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد وهو أحد أئمة الحديث وأئمة الفقه بل هو إمام أهل السنة رحمه الله فلورعه وعلمه بالحديث وفقهه يطمئن الإنسان إلى هذا القول أي : إلى أن خروج الدم بالحجامة مفسد للصوم لكن إذا قال قائل : إفساد صوم المحجوم ظاهر لأنه أخرج الدم الذي يوجب ضعف البدن وانحلاله واحتياجه للأكل والشرب لكن ما بال الحاجم ؟ فالجواب : أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال : أفطر الحاجم والمحجوم لحاجم معروف معتاد حجمه في ذلك الوقت وكانوا في ذلك الوقت يحجمون بالقوارير التي فيها الأنابيب الصغيرة يمصها الحاجم حتى يصل الدم إلى هذا الأنبوب ويعلم أنه بدأ يلتقط الدم
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " لأنه ربما مع جذبه الدم ربما يصل إلى معدته شيء منه وهو لا يشعر به " ولهذا قال : أفطر الحاجم والمحجوم فعلى هذا إذا حجم وظهر دم من الذي يفطر ؟ نعم الحاجم وحده ولا المحجوم وحده ؟ كلاهما يفطران الحاجم والمحجوم طيب بناء على ذلك إذا كان الصوم واجبا كرمضان وقضائه والكفارة والفدية وما أشبه ذلك فما هو هل يجوز أن يحتجم أو لا ؟
الجواب : لا لا يجوز أن يحتجم لأن إفساد الواجب حرام إلا إذا اضطر إلى ذلك إذا اضطر إلى ذلك وصار يأتيه غشية من هيجان الدم واحتاج إلى أن يحتجم فهنا نقول : احتجم وأفطر كل واشرب
السابع : خروج القيء إذا تعمده لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء أظنه قال : عمدا فليقض فإذا استقاء الإنسان وخرج ما في معدته من الطعام أفطر لهذا الحديث وهو حديث صحيح ولكن قد يقول قائل : هذا عكس الأكل والشرب الأكل والشرب يوصل الطعام والشراب إلى المعدة وهذا أيش ؟ يخرج الطعام والشراب من المعدة فكيف يكون مفطرا ؟ فجوابنا على هذا من وجهين : الوجه الأول : أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا حكم الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء فهو كحكم الله لقوله تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وإذا كان هذا حكم الله ورسوله فشأن المؤمن أن يقول : سمعنا وأطعنا قال الله تعالى : إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ وقال الله تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً هذا جواب أن نقول : هذا حكم الله نعم أن نقول هذا حكم رسول الله وحكم رسول الله كحكم الله وليس لنا أن نخرج عنه
الجواب الثاني أن يقال : خروج الطعام من المعدة يوجب ضعف البدن وانحلاله فهو كخروج الدم بالحجامة وعلى هذا فالتفطير بالحجامة كالتفطير بالقيء يساند بعضهما بعضا فنقول لمن كان صومه واجبا لا تتقيأ حرام عليك فإن اضطررت إلى ذلك فتقيأ وأفطر كل واشرب من أجل أن ترد إلى البدن قوته ونشاطه هذه سبعة أشياء
الثامن : خروج دم الحيض فإذا خرج دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة فسد الصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ وأجمع العلماء على أن الحائض لا يصح صومها أما لو خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بدقيقة فالصيام صحيح لأن الأحكام تتعلق بخروج الدم لا بالإحساس به بدون خروج الثامن
الطالب : التاسع
الشيخ : التاسع : خروج دم النفاس فإذا خرج دم النفاس من المرأة قبل الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها فاسد فسد الصوم وإن كان بعد الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها صحيح هذه هي المفطرات تبين الآن أن المفطرات منها ما هو اختياري ومنها ما هو بغير اختيار ما هو الاختياري ؟ السبعة الأولى التي ذكرناها هذا اختياري وأما ما ليس اختياريا فهو الحيض والنفاس
المفطرات الاختيارية لا تفسد الصوم إلا بشروط : الشرط الأول : العلم والثاني : الذكر والثالث : القصد والرابع : الاختيار أما العلم فضده الجهل فإذا تناول الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح فلو أكل يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه قد طلع فالصيام صحيح ولو كانت السماء غيماً فظن الشمس قد غربت فأكل ثم طلعت الشمس فالصوم صحيح الدليل على هذا .
الفتاوى المشابهة
- الصيام في السفر - اللجنة الدائمة
- ما حكم الصيام الجماعي والقيام كذلك .؟ - ابن عثيمين
- مفسدات الصيام. - ابن عثيمين
- حكم الصيام والقيام الجماعي - ابن عثيمين
- شروط الصيام - ابن عثيمين
- الصيام - ابن عثيمين
- تتمة الكلام على الصيام والقيام . - ابن عثيمين
- كلام الشيخ عن الصيام وأحكامه . - ابن عثيمين
- كلمة حول الصيام فرضه وشروطه وآدابه. - ابن عثيمين
- كلمة للشيخ حول الصيام . - ابن عثيمين
- كلمة حول الصيام والقيام . - ابن عثيمين