تم نسخ النصتم نسخ العنوان
كلام الشيخ عن الصيام وأحكامه . - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد خاتم النّبيّين وإمام المتّقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين. أمّا ب...
العالم
طريقة البحث
كلام الشيخ عن الصيام وأحكامه .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد خاتم النّبيّين وإمام المتّقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء الرّابع والتّسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو الرّابع عشر من شهر شعبان عام 1419 ه.
وبما أنّ الطّلاّب في زمن الامتحان فإنّنا سنجعل هذا اللّقاء اليوم آخر لقاء لنا في هذا الشّهر ونستأنف اللّقاء إن شاء الله تعالى بعد العيد، وبناء على ذلك نتكلّم بما ييسّره الله عزّ وجلّ من الصّيام وأحكامه فنقول:
إنّ الدّين الإسلاميّ بني على خمسة أركان، خمس دعائم، هي شهادة ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم رمضان وحجّ بيت الله الحرام.
فالصّيام أحد هذه الدّعائم، الصّيام أحد هذه الأركان فرضه الله عزّ وجلّ في السّنة الثانية من الهجرة ومن تيسير الله تعالى على عباده أنّ من شاء صام ومن شاء أطعم في أوّل الأمر ثمّ تعيّن الصّيام، فصار صيام رمضان فرضَ عين، ولا يعدل عن الصّيام إلى الإطعام إلاّ إذا كان الإنسان يعجز عنه أي: عن الصّيام عجزاً مستمرًّا فإنّه يطعم عن كلّ يوم مسكينًا، والصّيام لا يجب إلاّ بشروط: الشّرط الأوّل الإسلام، والثاني البلوغ، والثالث العقل، والرّابع القدرة، والخامس الإقامة، والسادس ألاّ يكون هناك مانع.
الشّرط الأوّل: الإسلام وضدّه الكفر، فالكافر لا يجب عليه الصّوم ولا يؤمر به ولا يصحّ منه، وإذا أسلم فإنّه لا يلزمه القضاء لقول الله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف .
والبلوغ ضدّه الصّغر، فالصّغير الذي دون البلوغ لا يلزم منه الصّوم ولكن يؤمر به ليعتاده وقد كان الصّحابة رضي الله عنهم يصوّمون أولادهم الصّغار حتّى إنّ الواحد من هؤلاء الصّغار ليبكي فيعطونه العِهن يتلهّى به، يعني شيئاً يتلهّى به حتى تغرب الشّمس.
والعقل ضدّه فقد العقل، سواء كان بجنون أو كان بغيبوبة مِن حادث، أو كان ببلوغ الكبر حتى يهري في كلامه ولا يعرف، فهؤلاء كلّهم ليس عليهم صيام، وليس عليهم إطعام، فلو أصيب الإنسان بحادث قبل دخول شهر رمضان ولم يفق منه إلاّ بعد خروجه فلا شيء عليه لأنّه ليس من أهل الوجوب، ولذلك لا يقضي الصّلاة ولا غيرها ممّا يجب في ذلك الوقت.
وكذلك المهذري الذي بلغ السّنّ الكبيرة ليس عليه صيام ولا إطعام أيضًا لأنّ هؤلاء كلّهم بمنزلة الصّغار.
الرّابع: القدرة وضدّها العجز فمن عجز عن الصّيام فلا صيام عليه لكن إن كان عجزه عارضا يرجى زواله كالمرض العادي فإنّه ينتظر حتّى يشفيه الله ثمّ يقضي لقوله تعالى: ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام أُخَر .
وإن كان عجزه لازمًا أي مستمرّا كالكبير العاجز عن الصّوم والمريض مرضًا لا يرجى برؤه فإنّه يطعم عن كلّ يوم مسكينا إمّا أن يعطي كلّ واحد كيلو من الأرز عن اليوم الواحد وإمّا أن يجمعهم على غداء أو عشاء، وإذا أعطاهم غير مطبوخ فينبغي أن يجعل معه شيئًا يؤدّمه من لحم أو غيره.
الخامس إيش؟

السائل : الإقامة.

الشيخ : الإقامة، وضدّها السّفر، فالمسافر لا صوم عليه حتّى لو كان لا يشقّ عليه فإنّه مخيّر بين الصّيام والفطر، والأفضل أن يصوم إلاّ مع نوع مِن المشقّة فليفطر، وإنّما قلنا الأفضل أن يصوم لثلاثة أسباب:
الأوّل: أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سافر يصوم، ولم يفطر إلاّ مراعاة لأصحابه حيث قيل له: إنّ الناس قد شقّ عليهم الصّيام، قال أبو الدّرداء رضي الله عنه: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في حرّ شديد، حتى إنّ أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وأكثرنا ظلاّ صاحب الكساء، وما فينا صائم إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وعبد الله بن رواحة .
ثانياً: أنّه إذا صام صار أسهل عليه لأنّ النّاس كلّهم صوّم، فيكون هذا أسهل عليه، أسهل عليه من القضاء، لأنّ القضاء ثقيل على الإنسان حيث إنّه ينفرد به وربّما يتهاون ويتمادى به الوقت حتى يأتي رمضان الثّاني.
ثالثًا: أنّه يدرك فضيلة الزّمان، وهي فضيلة شهر رمضان.
رابعًا: أنّه أسرع في إبراء الذّمّة، لكن إذا حصل نوع مشقّة ولو يسيرة فالأفضل أن يفطر.
بقي عندنا شرط واحد، السادس:
أن لا يوجد مانع وذلك خاصّ بالنّساء، والمانع هو الحيض والنّفاس، لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم ، لكن عليهما القضاء.
فإن قال قائل الحامل هل يلزمها أن تصوم؟
فالجواب: إذا كان لا يضرّها ولا يضرّ ولدها وجب عليها أن تصوم، وإن كانت تخشى على نفسها أو ولدها فلها أن تفطر، وتقضي فيما بعد، هذه شروط وجوب الصّوم.
وأمّا عن ماذا يصوم الإنسان؟
هل هو عن الأكل والشّرب والجماع والمفطّرات؟
الجواب: نعم، هذا الصوم الحسّي الذي يستطيعه كلّ إنسان، لكن الصّوم الحقيقي هو أن يصوم عن محارم الله، لقوله تبارك وتعالى: يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون ، هذه هي الحكمة: أن يتّقي الإنسان ربّه، لا أن يترك الطّعام والشّراب والنّكاح، أن يتّقي الله.
وفسّرها النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: من لم يدع قول الزّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ، فيتأكّد على الصّائم اجتناب المحرّمات أكثر من غيره، فلا يغتاب أحدًا، ولا يكذب، ولا يمشي بالنّميمة، ولا يغشّ بالبيع والشّراء، ولا يتعامل بالرّبا، ولا يسبّ والديه، المهمّ أن يتجنّب جميع المحرّمات، ولا يتهاون بالواجبات، والعجب أنّ بعض النّاس يصوم ولا يصلّي، إمّا أنّه لا يصلّي مطلقاً وإمّا أنّه لا يصلّي مع الجماعة فأمّا من لا يصلّي مطلقا فصومه مردود، لأنّه كافر ولا يقبل منه أيّ عبادة، وأمّا من لا يصلّي مع الجماعة فإنّه آثم عاصٍ لله ورسوله وصيامه ناقص، فأهمّ شيء في الصّيام هو تقوى الله عزّ وجلّ.
أسأل الله أن يعيننا وإيّاكم على ذلك.
أمّا ما يصوم عنه من الأمور الحسّيّة فهو: الأكل والشّرب والجماع وبقيّة المفطّرات، لقول الله تعالى: فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل : فيجب على الإنسان من حين أن يتبيّن له الفجر أن يمسك إلى أن تغرب الشّمس، والمفطّرات كلّها محصورة:
الأكل، الشّرب، الجماع، إنزال المنيّ بشهوة، باستمناء أو تقبيل أو غير ذلك، التّقيّء عمدًا، إخراج الدّم بالحجامة، خروج دم الحيض والنّفاس، هذه المفطّرات، ومع ذلك لا تفطّر إلاّ بشروط:
الشّرط الأوّل: أن يكون الإنسان عالماً: عالمًا بالوقت وعالمًا بأنّ هذا مفطّر، يعني لا بدّ من العلم بشيئين: بالوقت يعني لا بدّ أن يعرف أنّه في النّهار، والثاني أن يكون عالما بأنّ هذا الشّيء مفطّر.
الشّرط الثاني: أن يكون ذاكرا أي ليس ناسيا.
والشّرط الثالث: أن يكون مريدا للمفطّر فلننظر، أن يكون عالما ضدّه؟
الجاهل : الجاهل.

الشيخ : الجاهل، فلو أنّ إنسانا فعل شيئا من المفطّرات ويظنّ أنّه ليس بمفطّر فلا شيء عليه، مثل أن يحتجم ويظهر منه الدّم ويظنّ أنّ ذلك لا يفطّر فنقول صيامه صحيح، وكذلك الجاهل بالوقت لو أنّه أكل وشرب فلمّا خرج من بيته وجد النّاس قد صلّوا صلاة الفجر فهذا ليس عليه شيء لماذا؟
لأنّه جاهل بالوقت وهذا يقع كثيرا، بعض النّاس لا يستيقظ إلاّ بعد طلوع الفجر فيظنّ أنّ الفجر لم يطلع فيأكل ويشرب، ومثل ذلك لو كان في البرّ وكانت السّماء غيماً وليس حوله أذان فظنّ أنّ الشّمس قد غربت فأفطر ثمّ ظهرت الشّمس من وراء الغيم فصومه صحيح لأنّ هذه القضيّة وقعت في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّهم أفطروا في يوم غيم ظنّوا أنّ الشّمس قد غربت ثمّ طلعت الشّمس بعد إفطارهم ولم يأمرهم النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بالقضاء وسبب ذلك أنّهم كانوا جاهلين بالوقت يظنّنون أنّ اللّيل قد دخل، ضدّ الذّكر إيش هو؟

السائل : النّسيان.

الشيخ : النّسيان فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً أنّه صائم فصومه تامّ لقول الله تبارك وتعالى: ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه فإنّما أطعمه الله وسقاه .
الشّرط الثالث: أن يكون مختاراً مريدًا للفعل، فإن كان غير مختار فصيامه صحيح، لو تمضمض الإنسان وفي أثنائه نزل الماء بدون قصد إلى بطنه فصيامه صحيح لأنّه غير مريد وكذلك لو احتلم وهو نائم فصيامه صحيح لأنّه بغير اختيار، كلّ هذا من نعمة الله على عباده وتيسيره عليهم ولهذا قال عزّ وجلّ في آيات الصّيام: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون .
وممّا ينبغي للصّائم أن ينوي بسحوره امتثال أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقوله: تسحّروا فإنّ في السّحور بركة .
ثانياً: أن ينوي التّأسّيَ برسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فإنّه كان يتسحّر.
ثالثًا: أن ينوي بذلك مخالفة أهل الكتاب لأنّهم كانوا لا يتسحّرون، ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب -يعني في الصّيام- أكلة السَّحور : السَّحور بالفتح يعني الطّعام، والسُّحور يعني الفعل.
وينبغي أيضًا للصّائم أن يبادر بالإفطار إذا تيقّن غروب الشّمس سواء أذّن المغرب أو لم يؤذّن، أو غلب على ظنّه أنّ الشّمس قد غربت لقول النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر ، ويفطر على رطب أوّلاً، فإن لم يمكن فعلى تمر، فإن لم يمكن فعلى ماء.
وليحرص على كثرة الدّعاء في حال الصّيام لا سيما عند الإفطار، فإنّ ذلك حريّ بالإجابة.
والله الموفّق، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة؟

Webiste