الشيخ : كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعود المرضى، فعاد أبا سلمة رضي الله عنه، وق شقّ بصرُه، يعني انفتَح، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تَبِعَهُ الْبَصَرُ، فضجّ الناس من أهله، لأنه لمّا قال: فإذا قُبِض فهم أهل البيت أنه قد مات، فضجّوا بالبكاء، والصّياح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ"، لأنهم كانوا إذا أصيبوا في الجاهلية يقول الواحد منهم: وا ثبوراه، يا ويلاه وما أشبه ذلك، فقال: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ"، يعني يقولون :آمين والملائكة موكّلون بهذه الأحوال.
ثم قال: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ"
يعني في الباقين، "وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ"
هذه جُمَلٌ من الدّعاء لو وزِنت بها الدّنيا لوزنتها! قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، سأل اللهَ أن يغفر له، والملائكة تؤمّن على هذا الدّعاء، لأن الدعاء عند المصائب في مثل هذه تؤمّن تؤمن عليه الملائكة، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ: أي في جملتهم، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ: أي كن خليفةً عنه في عقبه، أي في أهله من زوجة وأولاد وغيرهم
وقوله: فِي الْغَابِرِينَ: لم توجد في بعض الروايات، لكن لا مانع منها، أي في الباقين منهم.
، "وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ" الظاهر أنها زيادة من بعض الرواة، لأن الرسول دعا في أول الأمر اللهم اغفر لأبي سلمة ، ويحتمل أن لا تكون زائدة وأن يكون ذلك توطئةً لقوله: اغفر لنا وله، فأشرك نفسه في الدعاء.
وافسح له في قبره: أي وسّع له، ونوّر له فيه، فعلمنا تحقق بعض هذه الجمل، وهو: أن الله خَلَفهم في عقبه، والباقي: هو ما نرجوه من الله عز وجل، أن الله أجاب لنبيه صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء الذي دعاه لأبي سلمة.
فيسْتفاد من هذا فوائد: أولاً : أن الميت إذا مات شقّ بصره يعني انفتح، وكأنه ينظر إلى شيء، وأنه ينظر إلى الروح، روح الإنسان تخرج من جسده، والبصر يبقى حيّاً، ينظر إلى روحه قد خرجت منه، وهذا قد شهد به الطب الحديث، وأن حياة الأعين تبقى بعد خروج الروح من الجسد.
وفيه أيضاً: أنه يُسَنّ تغميض الميّت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولأن ذلك أحفَظ لعينيه من دخول الماء فيهما عند التغسيل، أو التراب عند الدفن، أو ما أشبه ذلك.
ومن فوائده: أنه لا يُنكر على أهل الميت إذا ضجوا عند موته.