وأنا أدلكم على شيء يعينكم على هذا ألا تنظروا إلى الآيات أو النصوص التي ظاهرها التعارض لا تنظروا إليها على سبيل أنها متعارضة انظروا إليها على سبيل أنها متآلفة ثم حاولوا أن تصلوا إلى كيفية هذا التآلف أما أن تنظروا إليها إلى أنها متعارضة فإنك قد تحرم الوصول إلى التأليف بينها لأنك ستورد بعضها على بعض على وجه متناقض وحينئذٍ تحرم الوصول إلى المراد لكن انظر إليها أنها متآلفة ولكن حاول أن تعرف كيف تتآلف هذا هو الذي يجب أن تعتقده في النصوص التي ظاهرها التعارض حتى تهتدي أما إذا نظرت إليها بنظرة التعارض فاعلم أنه سوف ينغلق عليك الباب ولا تعرف كيف توفق بينها لأنك إنما نظرت على أنها متعارضة متنافرة لكن اذا نظرت إليها أنها متآلف لكن كيف التآلف سهل عليك فنحن ننظر الى هاتين الآيتين: { ولتضع على عيني } { تجري بأعيننا } لا نقول أن فيها تعارض اصلاً نقول بينها تآلف لأن العين مفردة مضافة فتشمل كل ما ثبت لله من عين مهما كثرت أنظر إلى قول الله تعالى: { و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } نعمة مفرد مضاف المراد بها نعمة واحدة؟ لا، ما لا يحصى من النعم { واذكروا نعمة الله عليكم و ميثاقه الذي واثقكم به } أيضاً نعمة الله عليكم لا تحصى كذلك عيني نقول: يشمل كل ما ثبت لله من عين، طيب بقينا في الجمع هل نقول بظاهر الجمع أو لا؟ ذهب بعض العلماء إلى أننا نقول بظاهر الجمع ونقول لله أعين كثيرة لكنها غير محصورة لأن أعين جمع وعين مفرد مضاف فيشمل كلما يثبت لو كان آلاف الآلاف وحينئذٍ نقول لله أعين كثيرة غير محصورة ولا معلومة العدد، أفهمتم ؟ طيب، حجة هؤلاء أنهم يقولون: لم يأت في القرآن ولا في السنة تقييد العين بالتثنية كما جاءت اليد، اليد جاءت { لما خلقت بيدي } { بل يداه مبسوطتان } لكن العين ما جاءت، وإن كان فها حديث فيه مقال "إذا قام أحدكم يصلي فإنه بين عيني الرحمن" لكن هذا الحديث فيه مقال فهو ضعيف فظنوا أن لله أعين كثيرة ولكن البخاري رحمه الله لدقة فهمه ساق حديثي الدجال ليبين أن المراد بالأعين عينان اثنتان فقط لا تزيد وهو ما قال عن الدجال، "ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة أو طافية" طيب، يقول إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه من المشير؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بأعور العين وبهذا يسقط ويبطل قول من قال أن المراد بالعور هنا العيب، لأن بعض المحرفين الذين أصروا على أن تكون أعين الله كثيرة قال المراد بالعور العيب والمعنى أن الدجال أعور أي معيب وليس المراد عور العين ولكننا ندمغهم دمغاً يزهق به الباطل حين أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينه والرسول أعلم منا بالله قال: "أشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور العين" وهذا أيضاً يمنع منعاً باتاً أن يكون المراد بالعور العيب أعور العين وخص اليمنى ومثلها "كأن عنبة طافية أو طافئة" روايتان إذا كان كذلك.
علم أن الله ليس له إلا عينان اثتنان وجه الدلالة أنه لو زادت على اثنتين لكان الزائد كمالاً أليس كذلك ولكان هذا الكمال يحصل به الفرق بين عيني الدجال لأن ليس له إلا اثنتان وبين الأعين الزائدة على الاثنتين إذا أثبتنا ذلك لله عز وجل ومن المستحيل أن يدع النبي صلى الله عليه وسلم العلامة التي فيها الكمال إلى علامة انتفاء العين هذا مستحيل لأنه يكون في ذلك اخفاء كمال الله عز وجل بذكر ما زاد على اثنتين
يكون فيه عدم ذكر كمال الله تعالى بما زاد على الثنتين فلو كانت الأعين أكثر من ثنتين لكان الزائد كمالاً يحصل به الفرق بين الدجال والرب عز وجل فلما لم يذكر ذلك الذي هو الكمال وإنما ذكر نفي العين وهو أن الله ليس بأعور علم أن الله سبحانه وتعالى ليس له إلا عينان اثتنان فقط وهذا هو ما ذكره الأشعري و غيره ممن يذكرون عقيدة أهل السنة و الجماعة يقولون : " وأن لله عينين اثنتين" وهذا هو المتعين على المؤمن ان يعتقده في ربه عز وجل أن له سبحانه و تعالى عينين اثنتين .
فإن قال قائل في هذا الحديث اشكال عظيم و هو كيف أن الرسول علية الصلاة و السلام جعل العلامة الفارقة في العين مع أن الفرق بين الخالق و المخلوق عقلي لا حسي يعني ليس الفرق مجرد أن هذا أعور و الرب عز وجل ليس بأعور لا هناك فروق كثيرة فلماذا؟ قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذه العلامة الحسية لأن المسألة اذا جاء الدجال اندهش الرجال وضاعت العقول فالعلامة الحسية أسرع إلى الإدراك من العلامة العقلية لأن العلامة العقلية تحتاج إلى مقدمات وربما يذهل الإنسان عنها في تلك اللحظة لكن العلامة الحسية واضحة كالعلامة الأخرى التي ستأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الذي بعده و هي أنه مكتوب بين عينيه كافر هذه أيضا علامة حسية و النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق وأنصحهم ذكر العلامة التي لا تحتاج الى مقدمات ولا تحتاج إلى إعمال فكر فبمجرد يرى الرجل هذا الخبيث الدجال يعلم أنه ليس برب فهذا هو وجه كون الرسول صلى الله عليه و سلم ذكر هذه العلامة الحسية دون أن يكون هناك علامات عقلية وإلا من المعلوم { أفمن يخلق كمن لا يخلق } على أن هذا الدجال يوهم الناس أنه يخلق بأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ويقتل الرجل ويحييه فيحصل في هذا لبس لكن والحمد لله هذه العلامة الحسية لا تحتاج إلى تأمل ولا إلى تفكير.