تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة فوائد حديث عمر بن الخطاب قال بينما نحن... - ابن عثيمينالشيخ : وكلاهما أي : كلا المعنيين لازم للآخر ، فإن المعمول إذا كان مخلوقًا لله لزم أن يكون العمل الذي حصل به المعمول مخلوقًا لله ، طيب إذن لا بد من الإي...
العالم
طريقة البحث
تتمة فوائد حديث عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفنا منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : وكلاهما أي : كلا المعنيين لازم للآخر ، فإن المعمول إذا كان مخلوقًا لله لزم أن يكون العمل الذي حصل به المعمول مخلوقًا لله ، طيب إذن لا بد من الإيمان بهذه الأركان الأربعة ، فهل الأمة الإسلامية التي تستقبل القبلة هل اتفقت عليها ؟ لا ، اختلفت فيها ما بين غالٍ فيها وجافٍ ما بين مفرّط ومفرط ،
غلا فيها الجبرية ، أثبتوا كل هذه المراتب الأربع لكن مع القول بالجبر ، أي : أن الإنسان مجبر على فعله ليس له أي اختيار ولا إرادة ، حتى إنهم - أعني غلاتهم - جعلوا فعل العبد نفس فعل الله ، ولا شك أن هذا منكر من القول وزور ، وأن هذا يؤدي بكل سهولة إلى القول بوحدة الوجود ، فهو درجة سهلة قصيرة المدى ، غير وعرة الصعود للقول بوحدة الوجود ، إذا قالوا : فعل الإنسان هو فعل الله ، ما بقي إلا أن نقول : والإنسان هو الله ، هؤلاء يقولون الإنسان مجبور على عمله وليس له اختيار فيه ، ولا فرق بين شخص يلقى من السطح قهرًا عليه وآخر ينزل من السطح درجة درجة ، لا فرق بينهما الكل يفعل بغير اختيار ، فقيل لهم : هذا يستلزم أن يكون الله ظالمًا ، حيث يجبر العبد على فعل السيئات ويعاقبه عليها ، قالوا : إن الله ليس بظالم ، إذا فعل هذا فليس بظالم ، لأن الكل ملكه ، وإذا عذب المطيع فقد تصرف في ملكه ، والمتصرف في ملكه لا يكون ظالمًا ، واضح ؟ هذا كلامهم ، لكن هذا غير صحيح ، لأن نقول : كل عاقل يعرف أنه لو كان أحدٌ يقول : افعل كذا وأعطيك عليه عشرة دراهم ، ففعل ، ولم يعطه عشرة الدراهم ، هل يكون هذا ظالمًا له ؟ نعم كل عاقل يقول هذا ظلم ، حتى لو كان ملكه عبده ، فإنه يكون ظالمًا له لأنه وعده فأخلفه ، والطائفة الثانية تطرفت بإثبات إرادة العبد وقالوا : إن الإنسان مستقلٌّ بعمله ، إرادة وفعلًا ، وليس لله فيه أدنى علاقة ، وهؤلاء هم القدرية مجوس الأمة ، وقد مرّ علينا في الحديث الأول أن غلاتهم قالوا : إن الأمر أنف يعني مستأنف ، ولا علم لله تعالى بما يفعله العباد إلّا إذا وقع علم الله ذلك ، أما أهل السنة والجماعة فآمنوا بهذه المراتب الأربع التي ذكرناها ، وآمنوا بأن للعبد اختيارًا وإرادة ، وأن الإنسان يعرف الفرق بين الفعل الذي يجبر عليه والفعل الذي يفعله باختياره ، حتى إن الله أسقط العقوبة وأسقط حكم الفعل عمن أكره عليه ، أعظم الذنوب الكفر ، وإذا أكره الإنسان عليه فإنه لا يترتب عليه حكم ولا يترتب عليه عقوبة ، ومن فوائد الحديث : أن الإحسان أعلى مراتب الإيمان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأن تعبد الله كأنك تراه ، وهذه عبادة الشوق والطلب ، لأن الذي يعبد الله كأنه يراه مشتاق لهذا الذي يتصور أنه يراه ، ويطلبه ، وهي أعلى من مرتبة الهرب ، ولهذا قال : فإن لم تكن تراه فإنه يراك فخف منه ، فالأول مرتبة الطلب والثانية مرتبة الهرب ، فعليه يكون الإحسان درجتين : أولاهما أعلاهما ، وهي أن تعبد الله كأنك تراه ، والدرجة الثانية وهي دونها : فإن لم تكن تراه يعني ولم تعبده على هذا الوصف فإنه يراك فخف منه ، ومن فوائد هذا الحديث : أن الساعة لا يعلم متى تأتي إلّا الله ، فلا يعلم بها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وأقرب الملائكة فيما نعلم جبريل عليه السلام كما قال تعالى : إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش فوصفه بأنه عند الله ، لأنه هو صاحب العرش جل وعلا ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم أفضل رسل الله ، فهذا الملك المقرب وهذا النبي المرسل لا يعلمان عن الساعة ، ولهذا قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وعليه فمن ادّعى أن علم الساعة فإنه كاذب ، ومن صدّقه فإنه كافر ، والأول كاذب كافر الذي يدعي علم الساعة ، والذي يصدقه كافر ، مصدق بالكفر والعياذ بالله ، فلا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله سبحانه وتعالى ، وما نشر في الجريدة جريدة روز اليوسف في عددها الصادر قبل عدد أو عددين فإنه كفرٌ ، حيث قالوا عن بعض السفهاء من الغربيين إنه سوف تقوم الساعة على تمام الألفين يعني باقي سبع سنوات أو شبهها ، كل هذا كذب وكفر والمصدق به يكون كافرًا ، طيب ومن فوائد هذا الحديث : أن للساعة أشراطًا وعلامات ، ولهذا قال : أخبرني عن أماراتها ، أي : علاماتها الدالة على قربها ، وقد ألّف العلماء رحمهم الله الكتب والرسائل في أشراط الساعة ، لكن وردت في أشراط الساعة أحاديث ضعاف من حيث السند ، إلا أنها من حيث الواقع قوية لأن الواقع يصدقها ويشهد لها ، ولهذا يجب الاحتراز ، لكن الأشراط الصحيحة هي على صحتها ، من جملتها : كثرة الهرج ، يعني : القتل ، ولم أعلم أنه كثر القتل في الأيام الأخيرة مثل كثرته هذه الأيام ، الآن القتال في الجمهوريات التي كانت جمهوريات سوفيتية في الأول ، وكذلك أيضًا في البوسنة والهرسك ، وكذلك أيضًا في الصومال ، وفي مواطن كثيرة ، فالإنسان يتعجب سبحان الله العظيم من كثرة القتل مع أنهم لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيما قتل ، شيء في النفوس يجيش ثم يقدم كل واحد على القتال ،
ومن فوائد هذا الحديث : أن من أماراتها أن تلد الأمة ربتها ، كيف تلد الأمة ربتها ؟ أشكل على بعض العلماء هذا اللفظ ما معناه ؟ فقيل : المعنى أن الأمة تكون تحت الملك ملك من الملوك ، فيطؤها ، فتلد أنثى جارية ، هذه الجارية بنت الملك ، فهي بالنسبة لأمها سيدة لها ، فولدت الأمة ربتها ، وقيل : إن المراد بذلك الجنس ، ليس المراد أمة معينة تلد بنتًا للملك فتكون سيدة لها ، بل المراد الجنس ، أي : أن أبناء الإماء يكونون أسيادًا وملوكًا ، وهو كناية عن كثرة الأموال ووفرتها بدليل قوله : وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ، أربعة أوصاف كلها تدل على الفقر ، ثم بعد ذلك : يتطاولون في البنيان ، فهذان نوعان من أشراط الساعة ، الحفاة : الذين ليس عليهم نعال ، العراة : ليس عليهم ثياب ، عالة : فقراء ، رعاء الشاء : ما عندهم حضارة ، ليسوا بحضر ، بل بدو ومع ذلك يأتون إلى الحاضرة ويتطاولون في البنيان ، وهذه الأوصاف واقعة ، يعني : كان ناس في البادية في الأول تجد الصبي يرعى الغنم ، تجده عاريًا ليس عليه ثياب إطلاقًا ، حافيًا ، وأبوه فقير ، وهو أيضًا فقير ثم تحوّلت الأمور حتى تحضر هؤلاء البادية وصاروا يتطاولون في البنيان ، طيب التطاول في البنيان هل هو تطاول نحو السماء أو التطاول يشمل التطاول نحو السماء والتطاول في الحسن والزخرفة ؟ يشمل الأمرين ، هذا وهذا ، ومن فوائد هذا الحديث : حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الأمة ، حيث قال لعمر : أتدري من السائل ؟ وإلا فالصحابة غفلوا عن هذا وقالوا هذا أعرابي جاء وسأل ومشى لكن بعد مدة سأل ، فقال : أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ، ومن فوائده : جواز الجمع بين الله ورسوله فيما يتعلق بالأمور الشرعية ، لقوله : الله ورسوله أعلم ، ولم يقل : ثم رسوله ، وذلك لأن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم هو حكم الله وعلم الرسول بالشريعة هو علم الله ، فلهذا يأتي مقترنًا بالواو ، ومن فوائد هذا الحديث : أن السائل معلّم من أين يؤخذ ؟ من قوله : جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ، لأن جبريل يعلم ، وهو يصدق لكنه من أجل أن يعلم الناس ، ويتفرع على هذه الفائدة : أنه ينبغي لطالب العلم إذا كان هناك مسألة يحتاج الناس إلى علمها أن يسأل عنها حتى ينتفع الناس بذلك وإن كان هو يعلمها ، ويكون بذلك معلمًا ، ومن فوائد الحديث : أن للسبب حكم المباشرة من أين تؤخذ ؟ من قوله : يعلمكم ، مع أنه لم يعلم لكن هو السبب ، فالسبب له حكم المباشرة ، وأما في الضمان فقد علمتم أن في ذلك تفصيلًا.

Webiste