قال الله تعالى : << ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة و الكتاب وءاتيناه أجره في الدنيا وإنه في الأخرة لمن الصالحين >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال: وَوَهَبْنَا لَهُ [العنكبوت :27] بعدَ إسماعيل إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ " الهبَة معناها الإعطاء بدون ثوَاب أو بدون عِوَض، وكُلّ ما تفضَّل الله به على عباده فهو بدون عوض تفضُّلٌ منه، إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بعد إسحاق " وإنما جَعَل الله يعقُوب هبةً لإبراهيم لأنَّه ابنُ ابنِه وسيأتِي لنا إن شاء الله تعالى في الفوائد أنَّ في هذا دليلًا على أن الجَدَّ أبٌ لأنَّ الله جعل ابن الابن هبَةً لجده، وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ذُرِّيَّة مَن؟ إبراهيم وهنا خَالَف القاعدة الضَمِير فعاد إلى المذْكُور الأَوَّل والغَالب أنَّ الضمير يعُود إلى أقرب مذكور، لكنه قد يخرُج عن هذِه القاعدة بحسَبِ السِّيَاق كما في قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا [الحج :78] هو يعُود على مَن؟ على الله لا على إبراهيم مع أنَّ إبراهيم أقرَب مذكور، وقوله: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ قدَّم الجار والمجرور وهو الظرف على المظْرُوف وهي النُّبوة والكتاب إشارةً إلى الحصْر ولهذا قال أهل العلم: " ما مِن نبِيٍّ بعد إبراهيم إلا وهو مِن ذُرِّيَّةِ إبراهيم " ويُكنى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأبي الأنبِيَاء، وجعلنا في ذريته النبوة فكلُّ الأنبياء بعد إبراهيم مِن ذُرِّيَّتِه وَالْكِتَابَ بمعنى الكُتُب فهو مفْرَدٌ يُرَاد به الجنس أي التوراة والإنجيل والزَّبور والفُرْقان " التوراة نزلَت على موسى والإنجيل على عيسى والزَّبور على داوود والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم، وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وهو الثناء الحَسن في كلِّ أهل الأديان " وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ [العنكبوت :27] آتيناه أعْطيناه فهي تنصِب مفعولين أحدُهما الهاء في آتيناه والثاني: أجرَه ، وقولُه: أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا الأجر هو العِوَض عوَضُ الشيء يسمى أجرًا ومنه الأُجرة عوضًا للعامل على عملِه، وقوله: أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ما هو أجرُه في الدنيا؟ هل نقول: إنَّه ما قال المؤلف الثناءُ الحَسن في كلِّ الأديان أو ما هو أعَمّ من ذلك؟ الصواب أنه ما هو أعم مِن ذلك مِن قُرَّةِ عينه بأولادِه وانتشَارِهم وكثْرَتِهم، وكذلك الثناءُ الحَسن كل الأديان ينْتَمُون إليه ويُرِيدُون أن يكُونَ مِنْه، ولهذا قال الله تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا كَمَا ادَّعَت اليهود وَلا نَصْرَانِيًّا كما ادَّعَتِ النصارى وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران :67] ثم حَكَمَ الله تعالى بين الطَّوَائِف فقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ محمد صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران :68]، وقولُه: وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ [العنكبوت :27] اللَّام في قولِه: لَمِن الصالحين للتوكيد فالجملة مؤكدة بـإنَّ واللام، وقوله: الصالحين أي الذين لهم الدرجات العُلَى، والمراد هنا أعلى أنواع الصالحين وهم الأنبياء أو الرُّسُل، لأَنَّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم مِن أُولى العزم الخمسة وهم محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه الصلاة والسلام وموسى وعيسَى ونوح، وقوله: لَمِن الصالحين إذا جَاءَت الصالِحُون وحدها شملت كُلَّ الأجناسِ الأربعة وهم النَّبِيُّون والصديقون والشهداء والصالحون والله أعلم
الفتاوى المشابهة
- كلمة من الشيخ في بيان العلم النافع والعمل الصا... - الالباني
- قال وقال ابن إسحاق عن صالح بن إبراهيم عن أبي... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << والذين ءامنوا وعملوا الص... - ابن عثيمين
- باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره... - ابن عثيمين
- عن الأزواعي قال : حدَّثنا يحيى بن أبي كثير ، ع... - الالباني
- أبوا الأنبياء - الفوزان
- التعليق على تفسير الجلالين : (( وبشرناه بإسح... - ابن عثيمين
- الفرق بين ذريتي إسحاق وإسماعيل عليهما ال... - اللجنة الدائمة
- نبوة يعقوب - اللجنة الدائمة
- فوائد قوله تعالى : << ووهبنا له إسحاق ويعقوب... - ابن عثيمين
- قال الله تعالى : << ووهبنا له إسحاق ويعقوب و... - ابن عثيمين