تفسير قول الله تعالى : (( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ))
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ثم قال الله عز وجل : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ قال : صدق بالتخفيف والتشديد صدق بمعنى إيش؟ أخبر بالصدق وصدّق من أخبر بالصدق فالإنسان إما مخبِر وإما مخبَر فالمخبِر نقول : صدق والمخبَر نقول : صدّق يقول الله عز وجل صدَق _ وصدّق والقراءاتان هنا تحملان معنى الصدق والتصديق فالفائدة من هاتين القرائتين أنهما تدلان على معنيين يتبين ذلك بشرحهما قال : صدَق عليهم أو صدّق عليهم أي الكفار منهم أي الكفار منهم سبأ إبليس ظنه أنهم بإغوائه يتبعونه فاتبعوه فصدق بالتخفيف في ظنه أو صدّق بالتشبيه ظنه أي وجده صادقاً ، إبليس له ظن في بني آدم ماهو ظنه ؟ ظنه أنه يغويهم أجمعين قال الله تعالى عنه : قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص82:83]وقال : فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف16:17]هذا ما كان يؤمله ويرجوه ويظن إما ظناً راجحاً وإما ظناً متيقناً لكن لا يمكن أن يتيقن وإنما يظن ظناً راجحاً ، فهنا صدق ظنه وإيش ظنه ؟ الذي كان يقول إنه سيغويهم فصدقه لأنه أغواهم ، صدقه لأنهم أغواه أو صدق عليهم إبليس ظنه أنه لما ظن نفذ ما قال فيكون صدق حيث أغواهم والحاصل أن الظن الذي ظنه إبليس ماهو؟ إغوائهم هذا هو الظن ، هذا الظن إما أن يكون بإغوائه إياهم قد صدقه حيث وقع منه أولاً بتطبيقه فعلاً أو صدق عليهم إبليس ظنه أنه لما ظن ذلك الظن نعم طبقه وفعله والمعنى أن ما توقعه الشيطان وظنه من إغواء الكفار ومنهم سبأ وقع مؤكداً باللام وقد والقسم فَاتَّبَعُوهُ اتبعوا الشيطان والشيطان لو نظرنا ماهو الجامع لما يأمر به ؟ يأمر بالفحشاء الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268]فهو يأمر بالفحشاء والمنكر وكل فعل قبيح فإذا اتبعه الإنسان بالفحشاء والمنكر والفعل القبيح فقد تبعه وضل عنه .....وإن خالفه فقد خالفه ولهذا قال : فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا إلا بمعنى لكن فريقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ للبيان قال المؤلف : إلا يعني " لكن " إشارة إلى أن الاستثناء هنا منقطع ، بأن الاستثناء إذا كان بمعنى لكن صار منقطعاً ولكن الذي حمل المؤلف على هذا لأن قوله : صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ظاهره أنه صدق عليهم جميعاً وعليه فالمؤمنون لم يدخلوا في ذلك فيكون الاستثناء هنا منقطعاً لأن إبليس لم يصدق الظن إلا على الكفار أما لو جعلنا صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ عام للقبيلة لكلها أو لبني آدم كلهم ثم قال إلا فريقاً من المؤمنين لكان هذا الاستثناء متصلاً والحاصل إذا جعلنا عليهم إذا جعلنا الضمير عائداً على الكفار الذين اتبعوا إبليس فإن الاستثناء يجب أن يكون هنا منقطعاً وإن جعلناه عاماً لبني آدم أو جنس هذه القبيلة سبأ صار الاستثناء متصلاً وقوله : إلا فريقاً من المؤمنين المؤلف يقول رحمه الله : " من المؤمنين للبيان كيف للبيان ؟ يعني من بيانية وليست تبعيضية لأنها لو كانت للتبعيض لكان المعنى إلا فريقاً من المؤمنين نجا منه وفريق آخر لم ينجو وهذا المعنى فاسد ، وعلى هذا فتكون من للبيان إلا فريقاً من هؤلاء الفريق ؟ المؤمنون قال المؤلف : " أي هم المؤمنون لم يتبعوه " انتبه إلى هذا المعنى الدقيق المؤلف رحمه الله جيد في ، أقول مرة ثانية : إلا فريقاً من المؤمنين إذا قلت : جاء فريق من القوم ، كلهم جاءوا ولا لا ؟ لا فمن للتبعيض ، إلا فريقاً من المؤمنين إذا جعلنا للتبعيض كما في قولك : جاء فريق من القوم ، إذا جعلناها للتبعيض فسد المعنى لأن المؤمنين كلهم لم يتبعون ولهذا احتاج المؤلف أن يجعل من بيانية وتكون المؤمنون بياناً لقوله فريقاً كأن قال فاتبعوه إلا المؤمنين هذا معنى الآية
الفتاوى المشابهة
- شرح قول المصنف وقوله عن إبليس : ( فبعزتك لأغ... - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف وقوله : ( ومن أصدق من الله حد... - ابن عثيمين
- اختلاف العلماء في إبليس - اللجنة الدائمة
- بيان سبب طرد إبليس من الجنة ولعنه - الفوزان
- ما هو الفرق بين الشيطان وإبليس .؟ - ابن عثيمين
- حكم من قال: إن إبليس ليس بكافر - ابن عثيمين
- شرح قول المصنف : وقوله :(إن يتبعون إلا الظن). - ابن عثيمين
- هل يجوز لعن إبليس ؟ - الالباني
- تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبع... - ابن عثيمين
- فوائد قول الله تعالى : (( ولقد صدق عليهم إبل... - ابن عثيمين
- تفسير قول الله تعالى : (( ولقد صدق عليهم إبل... - ابن عثيمين