تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبع... - ابن عثيمينتفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً)قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:٢٨] نفى أن...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً)

قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:٢٨] نفى أن يكون لهم بذلك علم؛ لأن هذا هو الواقع، هل شهدوا خلق الملائكة؟ لا، ولهذا قال الله في آية أخرى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:١٩] ؟!!
و
لا، لكن: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:١٩] حين لا يجدون جواباً، هؤلاء الذين قالوا: الملائكة بنات الله، يقول عز وجل: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:٢٨] و (علم) هنا مجرورة بحرف الجر، وحرف الجر هنا عند المعربين محمود {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:٢٨] حرف جرٍ زائد، الفائدة منها: توكيد النفي، ولهذا نعطيكم قاعدة مفيدة: جميع الحروف الزائدة سواء الباء أو اللام أو غيرها فإنها تفيد التوكيد، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:٢٨] أي: لا قليل ولا كثير؛ لأنهم لم يشهدوا خلقك لهم.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (إن) هنا بمعنى ما، والضابط أنها إذا جاءت (إلا) بعد (إن) فهي بمعنى (ما) ، (إن هذا إلا بشر) ، أي: ما هذا إلا بشر {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:٣١] أي: ما هذا إلا ملك كريم، {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم:١٠] أي: ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا، {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:٢٤] أي: ما هم إلا يظنون، والأمثلة على هذا كثيرة.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} أي: ما يتبعون إلا الظن، والمراد بالظن هنا الوهم الكاذب، وليس المراد بالظن هنا الراجح من أحد الاحتمالين، وانتبه لهذه النقطة: الظن يأتي بمعنى التهمة، ويأتي بمعنى رجحان الشيء، ويأتي بمعنى اليقين، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:٤٦] المراد اليقين، لا يكفي الظن في اليوم الآخر، لا بد من التيقن، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب) والتحري هنا يعني: الظن الغالب، وهنا {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:٢٤] ظن الاتهام، أي: يظنون ظناً هو وهم ليس له أصل.

وبعض العلماء أخذ من هذه الآية: أنه لا يجوز العمل بالظن في المسائل الفقهية وغيرها، وهذا خطأ؛ لأن كثيراً من المسائل الفقهية ظنية: إما لخفاء الدليل، أو خفاء الدلالة، وليس كل مسألة في الفقه يقول بها الإنسان على سبيل اليقين أبداً، بل بعضها يقين وبعضها ظن، والظن إذا تعذر اليقين مما أحله الله، ومن نعمة الله أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، فليس كل ظنٍ منكراً، لكن الظن الذي ليس له أصل يبنى عليه هذا هو المنكر، فهؤلاء الذين سموا الملائكة تسمية الأنثى هل لهم بذلك علم؟ أبداً، ظن مبني على وهم، وربما يكون مبنياً على هوى، أي: أنه لم يطرأ على بالهم أنهم إناث لكن تبعوا آباءهم.
{وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (وإن الظن) أي ظنٍ هذا؟ المبني على الوهم لا على القرائن، (لا يغني من الحق شيئاً) أي: لا يفيد شيئاً من الحق؛ لأنه وهم باطل، والوهم الباطل لا يمكن أن يفيد.

Webiste