تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد قول الله تعالى : (( ... فاعبد الله مخل... - ابن عثيمين قال الله تعالى:  فاعبد الله مخلصا له الدين  مِن فوائد هذه الآية أنَّ إنزال القرآن حجة حُجَّةٌ على الناس يُلْزِمُهم بعبادة الله، لقوله:  فاعبد  والفاء ه...
العالم
طريقة البحث
فوائد قول الله تعالى : (( ... فاعبد الله مخلصا له الدين )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قال الله تعالى: فاعبد الله مخلصا له الدين مِن فوائد هذه الآية أنَّ إنزال القرآن حجة حُجَّةٌ على الناس يُلْزِمُهم بعبادة الله، لقوله: فاعبد والفاء هذه للتفريع أي: فلأجل إنزال الكتاب إليك اعبُدِ الله.
ومن فوائدها أنَّ من لم يبلُغْه الكتاب لم تلزمْه العبادة، مَن لم يبلغه القرآن لم تلزَمْه العبادة، أعرفتم؟ طيب ويدل لهذا آياتٌ أخرى مثل قوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعَثَ رسولًا ومثل قوله: رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ومثل قوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسُ محمدٍ بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمِنُ بما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار فقال: لا يسمع بي ، والنصوص في هذا المانع كثيرة {يرحمك الله} أنَّ من لم تبلغْه دعوةُ الرسل لا تلزمُه العبادة، والدليل التطبيقي لهذه المسألة عدة شواهد: منها حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه بعثَه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية فأجْنَب فلم يجِدِ الماء فتمَرَّغ في الصعيد كما تتمرَّغ الدابة ظنًّا منه أنَّ هذا لازِمٌ له وصلَّى وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بهذا فبيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكفِيه عن الغُسْل أن يضْرِبَ الأرض بيديه ثم يمسَح وجهَه وكفَّيه، ولم يأمُرْه بإعادة الصلاة، وكذلك الرجل الذي جاء فصلى ولا يطمَئِنُّ في صلاته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّك لم تُصَلِّ فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا. فعلَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمُرْه بإعادة ما مضى من صلاته مع أنه كان لا يصلي، يصَلِّي صلاة لا تجْزِئُه، وكذلك المرأة التي كانت تُسْتَحَاض فتَظُنُّ أنَّ هذا حيضٌ فلا تصلي فلم يأمُرْها النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة وأمثال هذا كثير، وعليه فلو أنَّ رجلًا أسلم في بلاد الكفر أو في بلاد نائية لا يصِلُها أحكام الشرع، وترَك الصلاة مدة ثم علِم بعد ذلك بوجوب الصلاة فإننا لا نأمُرُه بإعادة ما ترك وإنما نأمره بصلاة ما حضَر وقتُه فقط، وكذلك لو كانت امرأة في محلٍّ ناءٍ بلغَتْ بالحيض وهي صغيرة ولم تصُمْ رمضان ولكنَّها في محلٍّ ليس حولَها علماء تسألهم قد غلب عليها الجهل كالبادية مثلًا فإننا لا نأمُرُها بقضاء ما تركَتْ من الصوم، للجهل، وهذا هو اللائق بالشريعة الإسلامية المبنِيَّة على اليسر والسهولة وعلى أنَّ الله تعالى لا يكلِّفُ نفسًا إلا وسْعَها ولا يكلف نفسًا إلا ما آتاها، وهنا الآية التي معنا يمكن أن يكون فيها إشارة لِمَا ذكر إنا أنزلنا اليك - فاعبد بعد الإنزال أُمِر بالعبادة طيب.
ومن فوائد هذه الآية وجوب الاخلاص لله في العبادة لقوله: مخلصا له الدين والإخلاص تنقية الشيء مما يشوبه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أنَّ الله قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمِلَ عملًا أشرَكَ فيه معي غيري تركتُه وشركَه فلو تصدَّق الإنسان بمال لكنه مُرَاءٍ بذلك من أجل أن يُمدَح فإنه لم يعبُدِ الله، وهو آثم وليس بمأجُور، ولو صلَّى لِيُمْدَح فإنه لم يعبد الله وهو آثم وليس بمأجور، لأن الله أمر بعبادة خاصة وهي الإخلاص مخلصا له الدين .
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ العبادة دِين يَدِينُ به الإنسان، ومعنى كونِه دينًا أنه يعمل لِيُثَاب، ويتفرَّع على هذه الفائدة أنَّه ينبغي للإنسان حين العبادة أن يُلَاحِظ هذا المعنى وهو أنه يعمَل لِيُثَاب، لأنه إذا شَعُرَ بهذا الشعور فسوف يتقِن العمل، إذْ أنَّ العقلَ يهدي الإنسان إلى أنَّ الثواب على قدْر العمل إن أحسنْتَ العمل حسُنَ الثواب وإن قصَّرْت فالثواب ينقُص، وهذه المسألة -أعني شعور كون الإنسان يعمل من أجل الثواب- أعتقد أنها تفوت كثيرًا من الناس لا ينتبِهُون لها.
طيب، ومِن فوائدها أيضًا الإشارة إلى نية المعمول له حينما تعمل تريد التقرُّب إلى الله عز وجل بامتثال أمره، فمثلًا عندما تريد تتوضأ تنوي بأنك تتوضأ امتثالًا لأَمْر الله حينما قال: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم من أجل أن تشعُر بالعبادة ولَذَّة العبادة، لا لأجل أن تبرِئَ ذمَّتَك بفعل ما هو فرْضٌ عليك من الطهارة للصلاة هذا لا شكَّ أنه نية طيبة لكن أطيب منها أن تستشعر بأنك تمتثل أمر الله لتشعُرَ بلَذَّةِ العبادة وأنَّك حقيقةً عبدٌ لربك عز وجل، هذه مسائل ينبغي للإنسان أن ينتبه لها في عبادته ولهذا قال مخلِصًا له الدين .

Webiste